عبد الله التركي: ما يعوق الحوار قلة التفاهم بين المتحاورين وسوء الظن المتبادل ونبش قبور التاريخ المليء بالصراعات الأليمة

أكد أن اللقاءات المباشرة بين القيادات الدينية والفكرية والفلسفية تشيع أجواء التفاهم وتصحح المعلومات المغلوطة

TT

نوه الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي في كلمة ألقاها في افتتاح مؤتمر الحوار العالمي في مدريد أمس برعاية خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، للمؤتمر العالمي وافتتاحه له، وعلى حرصه الشديد والمتتابع على تعزيز نهج الحوار الهادف، وذلك انطلاقا من رؤيته الثاقبة لما تعانيه البشرية من مشكلات، وقناعته التامة بوجود فرص عظيمة بين البشر على اختلاف أديانهم وثقافاتهم يجب استثمارها فيما يصلح شأن الإنسان في كل زمان ومكان. وأوضح أن هذا المؤتمر يأتي في إطار دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى الحوار بين مختلف الفئات الدينية والثقافية والحضارية وقادة الفكر الإنساني. وأكد أن هذه الدعوة تعبر عن رغبة عميقة وصادقة في حسن التعايش والتعاون بين أمم العالم وشعوبه وحضاراته، تتبناها قيادة المملكة العربية السعودية وتنتهجها في سياستها الداخلية والخارجية، وهو دليل على أن الخلفية الثقافية والحضارية التي تنطلق منها المملكة تتسم بالانفتاح والمرونة وحب الخير للبشرية جمعاء.

كما اعرب الدكتور التركي عن شكره للملك خوان كارلوس ملك إسبانيا وللحكومة الإسبانية ورئيس وزرائها خوسيه لويس ثاباتيرو على إتاحة الفرصة لعقد هذا المؤتمر على أرض إسبانيا التي شهدت تعايشا وتعاونا بين أتباع الديانات والثقافات، أسهما في الحضارة الإنسانية.

وقال إن مجرد عقد هذا اللقاء يعد نجاحا وانتصارا لصوت الاعتدال والسلام في العالم، وخطوة إيجابية على طريق التعاون في خدمة الأسرة الإنسانية، وإن الناس وإن اختلفوا في الدين أو المنطلقات الفكرية والحضارية، فإن القيم النبيلة من العدل والخير والفضيلة، التي ترتكز على الجذور الإنسانية الفطرية وتؤكدها أصول الرسالات الإلهية، تبقى على الدوام أصلا مشتركا ثابتا وإطارا جامعا تنبع منه الأفكار النيِّرة الوضاءة والأطروحات الرشيدة البناءة، في معالجة القضايا المشتركة للمجتمع البشري. وبيَّن أن الحوار يعتبر من أفضل الوسائل لنقلها وتوسيع نطاق التفاهم عليها، لأنه يعتمد على مخاطبة الكيان الفطري والعقلي، فتستجيب له القلوب والعقول، وإن المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي عقد أخيرا بمكة المكرمة يعتبر خطوة إسلامية جامعة في التجاوب مع هذه الدعوة الكريمة، وهو مؤتمر إسلامي عالمي حضره عدد كبير من الشخصيات الإسلامية اتفقت على أسس وآليات تكفل النجاح للحوار. وأفاد أن رابطة العالم الإسلامي وضعت في أولويات أعمالها الثقافية والإعلامية الاهتمام بقضايا الحوار، وسبل تعزيزه في مواجهة أطروحة حتمية الصدام بين الحضارات، مبيناً أن من أهم أهداف الحوار التباحث في سبل مواجهة الترويج للفوضى والانحلال في الأخلاق والتفكك الأسري، إلى حد مشاكسة الفطرة وتجاهل الفروق التكوينية بين الجنسين.

وأكد أمين عام الرابطة أن اللقاءات المباشرة بين القيادات الدينية والفكرية والفلسفية في العالم مناسبة ثمينة لإشاعة أجواء التفاهم وتصحيح المعلومات المغلوطة، والتقليل من أسباب التوتر والتطرف في الأحكام والمواقف والرؤى. وقال إن الإسلام ينظر إلى أفراد الجنس البشري نظرة مساواة باعتبار أن أصلهم واحد؛ فاختلاف أعراقهم وألوانهم ولغاتهم وأوطانهم لا يقتضي أيَّ تفاوت بينهم في أصل التكريم والقيمة الإنسانية. ورأى أن من مقومات الحضارة الإسلامية الانفتاح على الآخرين، والتكامل معهم ويشهد لهذه الحقيقة تعدد الأقليات الدينية والإثنية في العالم الإسلامي على مر التاريخ، ورعاية حقوقها كافة ومحافظتها على خصائصها، وعلى تراثها الديني، وعلى ثقافتها الخاصة بها، وذلك يعود إلى سماحة الإسلام وجوهر الشريعة الإسلامية التي يستمد منها المسلمون نهجهم وثقافتهم وحضارتهم.

وأوضح الدكتور التركي أن الحوار آلية من أهم الآليات في التفاعل مع الوجود بأكمله، أخذاً وعطاءً من غير إكراه ولا قهر، ضمن سنتي التنوع والتدافع من أجل تحقيق التوازن الكوني، وإن الانتقال بالحوار من مجرد كونه لقاءات ومحادثات إلى أن يكون تواصلا إيجابيا، يفضي إلى نتائج ملموسة تغير من واقع الحياة إلى الأفضل إحسانا وإتقانا وتجويدا يقتضي ويرتكز على دائرة المبادئ الدينية: فيما يعزز الإيمان بالله تعالى الواحد والدافع إلى الإحسان إلى الناس، وكف الأذى عنهم ودائرة القيم الإنسانية: بتنمية فضائل الأخلاق، التي تقوي في النفس نوازع الخير، وتكبح بواعث الشر ودائرة المصالح المتبادلة: التي تهم الناس جمعيا، وتحسن من ظروف حياتهم على الأرض، وتقيهم ما في المدنية المعاصرة من سوءات وشرور سببها عدم التوازن الذي يسم بعض جوانبها.

وأبان أن مما يعوق الحوار قلة التفاهم بين المتحاورين وسوء الظن المتبادل ونبش قبور التاريخ المليء بالصراعات الأليمة، ولذا يجب على الأطراف المتحاورة التجرد لوجه الحق، والإنصاف مع النفس ومع الآخر، وتجاوز التاريخ المسيء، واستحضار النية الصادقة في الوصول إلى أرضية مشتركة تنفع الناس وتمكث في الأرض، ولا بد أن نراجع جميعا مسار الحوار الذي بدأ منذ عقود من الزمان فنرصد إيجابياته، وننميها ونزيد منها، ونرصد سلبياته، ونصلحها ونأخذ بما هو أرشد وأهدى سبيلا.

ودعا الدكتور التركي مختلف القيادات الدينية والحضارية والثقافية العالمية وغيرها من محبي الخير للأسرة الإنسانية، للتحاور حوارا مثمرا، تتوفر فيه شروط النجاح، من الجدية وصدق الرغبة في التعاون على برامج ومشاريع مشتركة، تسهم في إسعاد الإنسان ومعالجة المشكلات التي تؤرقه، وتخفف أسباب التوتر بين فئاته، كالظلم والعدوان ومصادرة حقوق الشعوب في العيش الحر الكريم. وعبر عن أمله في أن يتحول هذا الجهد إلى مشاريع عمل تستثمر في مسيرة الحوار العملي وتوظف للخير ونفع بني البشر، وتتبناها الجهة المنظمة للمؤتمر وتتابع تنفيذها.