أميركا تشارك لأول مرة في مفاوضات نووية مباشرة مع إيران.. مستفيدة من «نموذج العراق»

مسؤول أميركي: مشاركة بيرنز جاءت في ضوء التطورات الأخيرة.. ونريد سماع أفكار الإيرانيين > طهران: نريد مفاوضات موسعة حول الأمن والسلام.. والحوار مع أميركا توجه عام بشرط توفر ظروفه

وزير خارجية عمان يوسف بن علوي بن عبد الله، يستقبل نظيره الايراني منوشهر متقي في مسقط أمس (أ.ف.ب)
TT

فيما وصف بأنه «تحول نوعي» في السياسة الاميركية حيال المشاركة بشكل مباشر في مفاوضات مع إيران، بدون ان تفي طهران بالمطالب الدولية، منها وعلى رأسها تعليق تخصيب اليورانيوم، قررت واشنطن ارسال وليام بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الاميركية للمشاركة في مفاوضات جنيف بين مسؤول السياسة الخارجية والامنية بالاتحاد الاوروبي خافيير سولانا ومسؤول الملف النووي الإيراني سعيد جليلي والمقررة بعد غد السبت. وتعد هذه أول مشاركة مباشرة اميركية على مستوى رفيع في مباحثات مع طهران حول الملف النووي الإيراني. ومع ان بيرنز لن يتحدث بشكل منفرد مع جليلي او يلتقي بشكل ثنائي مع المسؤولين الإيرانيين في جنيف، إلا ان مسؤولين إيرانيين اعتبروا القرار الاميركي بمثابة انتصار للدبلوماسية الإيرانية، إذ أن طهران اشترطت دوما الا تكون هناك شروط اميركية مسبقة لمشاركة واشنطن بشكل مباشر في المفاوضات النووية. واعرب عضو لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني جواد كريمي قدوسي عن تفاؤله ازاء المباحثات، موضحا أن الشعب الايراني هو من انصار الحوار، وانه على مدى التاريخ ثبت أن منطق الشعب الايراني «هو المنتصر دوما»، مشيرا الى «اعلان اميركا رسميا ولأول مرة أنها ستشارك في مباحثات مباشرة مع طهران، بدون ان تقوم طهران بتعليق اليورانيوم». إلا ان البيت الأبيض أصر أمس على ان الادارة الاميركية على موقفها من عدم اجراء مفاوضات مباشرة مع طهران قبل وقف التخصيب، موضحا ان مشاركة بيرنز في المباحثات هدفها «التأكيد على شروط واشنطن لاجراء مباحثات مع طهران». وقالت دانا بيرينو المتحدثة باسم البيت الابيض ان بيرنز سيتوجه الى مفاوضات جنيف ليستمع وليس ليتفاوض، ولكن «بالتاكيد فانه لا يتوجه الى هناك دون قدرة على التحدث». واضافت ان «لديه الفرصة ليعيد التاكيد على ان وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس ستقابل نظيرها في اي وقت واي مكان للتحرك الى الامام بشان المفاوضات اذا اوقفوا عمليات تخصيب اليورانيوم»، ويأتي ذلك فيما قال سولانا انه يأمل في تلقي «رد بناء» في اجتماعه مع جليلي، موضحا للصحافيين في مؤتمر في برلين امس «آمل في ان يكون لدينا اخبار طيبة نطلعكم عليها... ولكن لا يمكنني ان اضمن النجاح». وفيما أكد مسؤول بالخارجية البريطانية لـ «الشرق الأوسط» ان مشاركة بيرنز لم تكن مفاجأة كاملة لبريطانيا، وان مناقشات جرت حول الفكرة قبل فترة قصيرة، أوضح مسؤول اميركي لـ «الشرق الأوسط» ان قرار مشاركة بيرنز في الاجتماع جاء على ضوء التطورات الأخيرة الخاصة بالملف النووي الإيراني، ورغبة واشنطن في ان تسمع من طهران ردها بشكل مفصل حول سلة الحوافز الغربية، موضحا ان الرد الإيراني الذي تسلمه سولانا من طهران قبل نحو أسبوعين شمل أفكارا إيرانية حول ضرورة اجراء حوار موسع يتجاوز الموضوع النووي، وأن واشنطن تريد معرفة المزيد حول رد طهران على بنود السلة.

وأشار المسؤول الاميركي الى أن بيرنز لن يشارك في عملية التفاوض، ولن يلتقي منفردا مع جليلي، بل سيستمع الى المفاوضات. وأوضح المسؤول الاميركي، الذي لا يستطيع الكشف عن هويته: «ان نجاح المباحثات التي اجرتها واشنطن مع طهران حول العراق، والتي تجسدت في انخفاض ملحوظ في وتيرة وحجم العنف في العراق، دفعت باتجاه مشاركة بيرنز في اجتماع جنيف»، غير أنه رفض توضيح ما إذا كانت مشاركة بيرنز في المفاوضات النووية تعني ان واشنطن تتجه لإجراء مزيد من جولات الحوار حول الملف النووي مع طهران. وتابع: «تأثير قرار مشاركة بيرنز على مستقبل الاتصالات بيننا وبين طهران لا أعرفه. من المبكر الحكم على تطورات مستقبلية». وبالرغم من أن واشنطن اجرت 3 جولات من الحوار المباشر مع إيران حول العراق، أدت الى تخفيض مستوى العنف في العراق، إلا ان سياسة واشنطن فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني قامت منذ أكثر من عقد على مبدأ عدم اجراء اي حوار مباشر مع طهران قبل وقف التخصيب، وهو ما ترفضه طهران تماما وتصفه بأنه «خط أحمر». وكان مصدر إيراني قد قال لـ «الشرق الأوسط» ان طهران لن تقدم على خطوة وقف تخصيب اليورانيوم قبل المفاوضات، موضحا ان الكثير مما جاء في سلة الحوافز الغربية لطهران، والتي تضمنت أكثر من 30 بندا لا يمكن تنفيذه بين عشية وضحاها، وأن إيران لهذا السبب لن تجمد التخصيب، طالما ليس هناك ضمانات ان الجانب الغربي سينفذ كل ما تعهد به من حوافز في السلة التي قدمها سولانا الى المسؤولين الإيرانيين خلال زيارته الى طهران منتصف يونيو (حزيران) الماضي.

وأوضح المصدر الإيراني أنه طالما ان الكثير من الحوافز المقدمة في السلة تتعلق بما ستقدمه اميركا لإيران من مزايا اقليمية وسياسية واقتصادية وتقنية، فإن وقف التخصيب بدون ضمانات بتنفيذ هذه الحوافز سيكون مثل مبادلة «الذهب بالجاتوه»، مستعيرا تشبيه الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد بوقف التخصيب، مقابل مزايا براقة غير مضمونة. ويعتقد على نطاق واسع ان مشاركة بيرنز هدفها «طمأنة» الإيرانيين الى ان اميركا لن تستغل وقف طهران للتخصيب لضمان مصالحها، بدون ان تحصل طهران على اعتراف اميركي ودولي بدورها في المنطقة، واحترام مصالحها الحيوية. غير ان مشاركة بيرنز تحمل ايضا رسالة ضمنية مفادها ان اجتماع جنيف بمثابة «فرصة حقيقة وربما اخيرة» لإيران كي تقدم طهران ردا ايجابيا على سلة الحوافز. وكانت طهران قد قامت خلال حكم الرئيس الاصلاحي السابق محمد خاتمي بوقف التخصيب مؤقتا خلال ولاية الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون، الا ان إيران لم تحصل على اي مزايا بالمقابل، بل ان واشنطن وضعتها لاحقا في دول «محور الشر»، وهو ما أدى الى تشدد موقف الجناح المحافظ في إيران بزعامة المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي في سياساته حيال وقف التخصيب، متهما التيار الاصلاحي بأنه يقدم تنازلات للغرب دون مقابل. وكانت وزارة الخارجية الاميركية قد قالت ليل أول من أمس ان بيرنز، ثالث أرفع مسؤول في الخارجية الاميركية، سيشارك في لقاء جنيف بين سولانا وجليلي، ليكون بذلك ارفع مسؤول اميركي يشارك في مفاوضات مباشرة مع طهران ربما منذ المفاوضات بين البلدين لإطلاق سراح المحتجزين الاميركيين في السفارة الاميركية بطهران بعد الثورة الإيرانية 1979. وقالت صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية ان الرئيس الاميركي جورج بوش أعطى موافقته على مشاركة بيرنز في اجتماع جنيف، الذي يهدف «للحصول على رد ايران» على العرض الاخير الذي قدمته الدول الست الكبرى الى ايران عبر سولانا. وبخلاف مباحثات واشنطن وطهران حول العراق والتي تمت على مستوى السفراء، لم يلتق مسؤولون اميركيون وإيرانيون رفيعو المستوى في مفاوضات مباشرة. وكانت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس قد شاركت في مؤتمر دول جوار العراق في مصر، الذي شارك فيه ايضا وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي، إلا ان الاثنين لم يلتقيا بشكل منفرد ولم يجريا اي مباحثات، كما ان متقي قاطع حفل عشاء كان سيجلس فيه على نفس الطاولة مع وزيرة الخارجية الاميركية. وقيل ساعتها ان الوفد الإيراني قرر عدم حضور العشاء بسبب لون فستان رايس الاحمر، الذي يتعارض مع معايير الملبس المحتشم في إيران. ويأتي ذلك فيما قال مكتب سولانا لـ «الشرق الأوسط» أن مكان عقد الاجتماع بين جليلي وسولانا لم يحدد بعد، موضحا ان الاجتماع سيبدأ على الأرجح الحادية عشر صباحا بتوقيت جنيف، على ان يلحقه مؤتمر صحافي مشترك بين الجانبين، مشيرا الى ان الاجتماع مقرر له يوم واحد، وأنه لا معلومات حول احتمال ان يمدد الاجتماع. وفيما أعلن الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ان جليلي وسولانا سيبحثان في جنيف «جدولا» للمفاوضات المستقبلية الهادفة الى تسوية الازمة، مشيرا الى انه «من الممكن اجراء محادثات في مستقبل قريب مع الولايات المتحدة حول مواضيع مختلفة»، قالت الخارجية البريطانية لـ «الشرق الأوسط» إن بحث موضوع «جدول زمني» لأي مفاوضات مستقبلية يعتمد على طبيعة الرد الذي ستقدمه طهران لسولانا ممثلا عن مجموعة 5 زائد 1. وأوضح مسؤول بالخارجية البريطانية، لا يستطيع الكشف عن هويته، حول اجتماع السبت في جنيف: «لا يمكن الحديث حول جدول زمني للمفاوضات المقبلة او المستقبلية بدون معرفة كيف سترد طهران على سلة الحوافز. وهل ستتخذ اي خطوات تفتح الطريق امام المزيد من جولات التفاوض مثل تجميد تخصيب اليورانيوم لاسابيع، مقابل تجميد العقوبات، او وقف عمل آلات الطرد المركزي بي 2». وقال المسؤول البريطاني ان اجندة اجتماع جنيف تتضمن بالاساس قضية واحدة وهى معرفة تفاصيل أكثر حول طبيعة الرد الإيراني وما تقترحه طهران. وتابع: «رد إيران الذي وصل سولانا كان غامضا جدا. الإيرانيون لم يعطوا ردا على القضايا التي نريدها، وضعوا أفكارا حول المفاوضات. نريد معرفة المزيد حول ما هو ردهم». ونفى المسؤول البريطاني ان تكون لندن قد فوجئت تماما بإعلان مشاركة بيرنز في المفاوضات، موضحا: «كنا نعرف ان هناك مناقشات حول احتمال مشاركته. لم نفاجأ بهذا الامر. مشاركة واشنطن دليل على انخراطها مع دول 5 زائد 1 في الجهود الدبلوماسية حول إيران». وكان سولانا قد تلقى الرد الإيراني على سلة الحوافز الغربية مطلع هذا الشهر. ولم يكشف بعد عن تفاصيل هذا الرد الذي وصفه سولانا بانه «صعب ومعقد لا بد من تحليله جيدا». إلا ان حسين شريعتمداري مستشار المرشد الاعلى لإيران آية الله على خامنئي، قال لـ «الشرق الأوسط» يوم سلمت طهران ردها، أن الرد لا يتضمن وقف طهران لتخصيب اليورانيوم، موضحا ان التقارير التي أشارت الى ان طهران قد توقف التخصيب لستة أسابيع لإبداء حسن النية «اشاعات». كما قال مسؤول بالخارجية البريطانية ساعتها ان الرد الإيراني جاء مختصرا في 4 صفحات وأنه لم يتطرق الى أي من المطالب الدولية الواردة في صفقة الحوافز الغربية لطهران، واصفا الرد بالمحبط. الى ذلك، اعلن المرشد الاعلى لإيران آية الله خامنئي ان ايران لن تقبل اي تهديد في المفاوضات مع القوى الكبرى حول ملفها النووي. وقال خامنئي في كلمة نقلها التلفزيون الإيراني أمس «لقد قررت ايران المشاركة في المفاوضات (حول الملف النووي) غير انها لن تقبل اي تهديد.. ان الخطوط الحمر لايران بغاية الوضوح».

من ناحيته، قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية غلام حسين الهام فيما يخص الحوار مع اميركا ان إيران بوصفها «قوة كبيرة» مستعدة للحوار والتعامل مع دول العالم وان هذا الحوار ليس من منطلق الحاجة. وأوضح الهام للصحافيين «أن عهد استخدام الشعارات الاحادية الجانب والاملاء‌ات قد ولى»، مؤكدا انه لا يمكن التعامل مع دولة قوية كايران من خلال هذه الشعارات. وشدد الهام على أن ايران «اصبحت اليوم قوة هامة ومصيرية في المنطقة والعالم»، قائلا ان العالم بحاجة الى التوجه نحو ايران. وأضاف أن اجراء مباحثات مع اميركا «هو سياسة وتوجه عام يجب توافر متطلباته وظروفه من ناحيته، اعرب عضو لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني جواد كريمي قدوسي عن تفاؤله ازاء المباحثات بين جليلي وسولانا، معربا عن أمله في ان يتم الدفاع عن موقف إيران بأفضل وجه. واضاف كريمي قدوسي ان الشعب الايراني هو من انصار التعامل وانه لا مكان للطبيعه العدوانية في حضارتنا العريقة، موكدا ان التجربة اظهرت على مدى التاريخ ان منطق الشعب الايراني «هو المنتصر دوما»، مشيرا الى اعلان اميركا رسميا ولأول مرة أنها ستشارك في مباحثات مباشرة مع طهران، بدون ان تقوم طهران بتعليق اليورانيوم.