بلال دكروب قاسى 14 عاماً من الاعتقال: الساعات الأخيرة توازي سنوات الأسر كلها

تحرر عام 2000 ووجد خطيبته في انتظاره

TT

«أصعب فترة في الاعتقال هي تلك التي تسبق الحرية. ساعات الانتظار الاخيرة التي يراها من ينتظرنا مليئة بالتوتر. هذه الساعات توازي فترة الاسر كلها. والاسئلة الصعبة التي تسيطر على الاسير لا يستطيع أي كان ان يقدر فظاعتها».. بهذه الكلمات، يصف الاسير المحرر بلال دكروب تجربته التي استمرت 14 عاما (منذ عام 1986 حتى عام 2000). ويضيف: «عام 1988 في الشهر الثامن تحديدا أبلغوني أني سأخرج. وأبلغوا عائلتي بذلك عبر منظمة الصليب الاحمر الدولي. بالفعل غادرت السجن مع اثنين من رفاقي، هما محمد ياسين وعادل ترمس. وعندما وصلنا الى الناقورة، اوقف الحاكم العسكري الاسرائيلي قرار اطلاق سراحنا. وقال اننا نشكل خطرا على الامن القومي للكيان الصهيوني واصدر قرارا اداريا بسجننا ستة اشهر». دكروب الذي كان يترقب، كبقية اللبنانيين، عملية التبادل بين «حزب الله» وإسرائيل، استعاد فترة اسره مع «الشرق الاوسط»، قال ان لبنان لم يكن يوما في عينيه مجموعة طوائف متناحرة، لذا سعى الى تصويب وجهة البندقية نحو العدو الحقيقي. هذا العدو كان ولا يزال اسرائيل. لذا بدأ العمل المقاوم عام 1982 أثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان. وأصيب عند مثلث خلدة (بوابة بيروت الجنوبية)، وذلك في معركة أسفرت عن الاستيلاء على آليتين إسرائيليتين. في 17/2/ 1986، شارك في عملية خطف جنديين اسرائيليين بهدف الافراج عن 240 أسيراً في معتقل الخيام. مهمته كانت الاسناد وتأمين الانسحاب للمجموعة التي نجحت في اسر الجنديين بين قريتي كونين وبيت ياحون. بعد ذلك، اشتعلت الجبهة واستمرت المواجهة طوال يومين. بلال ورفاقه كانوا مختبئين في مغارة صناعية في عمق الصخور يتفرع منه سردابان. احد الرعاة وشى بالشباب. ولأن الجنود الاسرائيليين كانوا يشكون بوجود رفيقهما في المغارة لم يقصفوها وانما أمطروها بالقنابل الدخانية والغازية.

يقول دكروب: «عندما كنت في المغارة توقف تفكيري ومر شريط عمري امام عينيّ خلال ثوان. ثم أعمت بصري ألوان حمراء وزرقاء وبيضاء، لأجد نفسي مقيدا وملقى على الارض وفوقي الجنود الاسرائيليون. قلت لرفيقي ان صمودنا يومين يعني ان رفاقنا تمكنوا من سحب الجنديين الاسرائيليين الى الداخل بأمانٍ، وبالتالي ليس علينا الا الانتظار والصبر والتحلي بقوة الارادة». لكن حسابات بلال لم تكن مطابقة لحسابات الاسرائيليين. فهو كان ينتمي الى «المقاومة المؤمنة» بقيادة مصطفى الديراني الذي اسر الطيار الاسرائيلي رون أراد، مما يعني ان اطلاق سراحه لن يكون عبر قنوات تفاوضية عادية. وهذا ما حصل. بعد أسره استخدمه الجنود الاسرائيليون درعا بشريا ووضعوه على مقدم سيارة ليتمكنوا من التجول بأمان في قريته تبنين ويفتشوا منازلها ويوهموا أهلها انه وشى بهم. ثم يقتادوه ورفاقه الـ 18 الى «تلة الـ17» او منطقة «صف الهوا» في الجنوب اللبناني. ويعود دكروب الى المرحلة التالية من رحلة الاسر، فيقول: «بعد ذلك بدأت رحلة الاعتقال داخل فلسطين المحتلة. كنا نسأل بعضنا بعضاً عن السجن الذي اقتادونا اليه. علمنا بعد فترة انه سجن المخابرات الذي لا تدخله المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان. هناك كان للتعذيب اسلوب مدروس يختلف عما كان يجري في معتقل الخيام حيث الاسلوب الفوضوي». ويضيف: «قضينا حوالي ثلاثة اعوام ننام في غرفة جدرانها ناتئة بحيث يستحيل الاستناد اليها وتحت وهج الانوار الموجهة الى الاعين ليلا ونهاراً. كذلك وقع الماء المنهمر بوتيرة رتيبة لمدة اشهر، مما يدفع الى الجنون. اما التقييد الى اعمدة الباطون ذات النتوءات الحديدية فتلك حكاية أخرى». ويضيف: «في السنوات الاولى كنت أفكر في أهلي وأصدقائي. بعد شوط كبير وألفة مع المعتقلين صار همي لبنان كله، وليس فقط دائرتي الصغيرة. مع الاشارة الى اني لم اعرف وطني جيدا بسبب الحرب الاهلية». ماذا عن الدنيا خارج الاسر؟ يقول دكروب: «خارج الاسر كانت وفاء تنتظرني. عندما تقرر ان اشارك في العملية، اخبرت مسؤولي اني بصدد عقد قِراني، فوعدني بأن يتكفل بتكاليف الفرح عندما نعود سالمين». العودة تحققت وخرج بلال ليجد وفاء في انتظاره فاكتملت فرحة تأجلت 14 عاماً. وأثمرت هذه الفرحة توأمين هما علي وفدك الزهراء.

أما عن مرحلة ما بعد التحرير، فيقول: «تذبحني الطائفية التي اصبحت ابشعَ حاليا. ويؤلمني عدم الاهتمام بالمعتقلين المحررين. مشكلة لبنان ان اهله لا يجتمعون على قضية واحدة. فالمقاومة وحدها لا تستطيع ان تحمي الوطن. نحن نحتاج الى الاتفاق على فكرة الوطن. هناك مَنْ يشعر ان لا علاقة له بما تقوم به اسرائيل ضد لبنان والعرب، مع ان 99% من مشاكلنا سببها اسرائيل».

بلال الذي تعمَّق خلال اعتقاله بالقضية الفلسطينية والاحزاب الصهيونية، يفرح بقراءة الادب الروسي ويحب عمل المطابع. ويأسف لأن النزعة المادية تتحكم في العلاقات بين الناس.