عملية أسر الجنديين الإسرائيليين تكللت بصفقة التبادل ولكن آثار العدوان لا تزال ماثلة في الاقتصاد والبنى

مجلس الإنماء والإعمار قدر أضرار حرب 2006 بـ3.6 مليار دولار

TT

في الوقت الذي يحتفل لبنان بكل فئاته وبرسمييه وقواه السياسية والشعبية بعودة الاسرى المعتقلين من السجون الاسرائيلية ورفات المقاومين تعود إلى ذاكرة العديد من اللبنانيين ما تكلفه لبنان من عملية اسر الجنديين الاسرائيليين في يوليو (تموز) 2006.

وإذا كان الثمن الذي دفعته اسرائيل هو «الشعور بالألم» نتيجة الافراج عن الاسرى، كما قال شيمعون بيريس، والشعور بـ«الهزيمة» بعد عدوان يوليو (تموز) 2006، فان لبنان دفع اثمانا كبيرة على كل المستويات السياسية والاجتماعية، وخصوصا الاقتصادية التي لا تزال آثارها جلية في كل القطاعات والمرافق.

وبالعودة الى لغة الارقام نجد ان توقعات النمو في العام 2006 كانت الافضل منذ عدة سنوات استنادا الى ارقام النصف الاول من ذلك العام بحيث كانت تشير الى نسبة نمو تصل في نهاية العام الى 6% مدفوعة بارتفاع اسعار النفط وتوافر السيولة بشكل غير مسبوق في الخليج. لكن عدوان يوليو (تموز) قضى على كل آمال النمو لينتهي العام 2006 بنمو ما دون الصفر ذهب البعض الى حد القول ان نسبته بلغت 5 تحت الصفر.

وعلى مستوى البنية التحتية، قدر مجلس الانماء والإعمار الأضرار بـ3.6 مليار دولار. فيما قدرت وزارة المال حجم الخسائر في المالية العامة حتى نهاية العام 2006 بنحو 1.6 مليار دولار. وبذلك تكون الاضرار الاجمالية المباشرة قد بلغت 5.2 مليار دولار. ومع الأخذ في الاعتبار الاضرار غير المباشرة، يرتفع الرقم الى نحو 7 مليارات دولار.

ومن خلال مراجعة مؤشرات الاقتصاد اللبناني في الربع الثالث من العام 2006 الذي شهد عدوان يوليو (تموز) نجد انها سجلت تدهورا واضحا، بحيث تراجع عدد السياح بنسبة 8.6% في الاشهر التسعة الاولى من العام بعدما كان قد سجل نمواً كبيراً في النصف الاول بلغت نسبته 49.3%. كما انخفض حجم البضائع المفرغة في مرفأ بيروت بنسبة 9% في الاشهر التسعة الاولى، بعدما كان ارتفع بنسبة 16.9% في النصف الاول من العام. وانخفض عدد المسافرين عبر المطار بنسبة 18.8% بعدما كان قد ارتفع بنسبة 20.8 في النصف الاول. وانخفض استيراد الالات الصناعية بنسبة 15.3%. وزاد الدين الاجمالي خلال الاشهر التسعة الاولى بنسبة 4.1% في حين لم يرتفع اكثر من نسبة 0.9% في النصف الاول.

والواقع ان كل هذه المؤشرات السلبية انعكست على الوضع النقدي في الربع الثالث، بحيث تعرضت سوق القطع لضغوط ادت الى موجة تحويلات من الليرة الى الدولار ابتداء من منتصف يوليو (تموز) بعدما شهد النصف الاول من العام 2006 تحويلات معكوسة، ما اضطر المصرف المركزي للتدخل واعتماد مجموعة من ادوات الهندسة المالية، مثل عمليات حسم سندات الخزينة مقابل اكتتابات بشهادات ايداع بالعملات الاجنبية بفائدة 7.5%.

وعلى صعيد القطاع الصناعي اظهر مسح وزارة الصناعة ان خسائر القطاع المباشرة قدرت بنحو 200 مليون دولار نتيجة تضرر 142 مصنعاً بينها 85 مصنعاً دمرت بالكامل. وقدرت جمعية الصناعيين الاضرار غير المباشرة بنحو 828 مليون دولار تشمل 300 مليون دولار خسائر الانتاج الناجمة عن توقف العمل طوال السنتين اللازمتين لإعادة إعمار المصانع المتضررة، و220 مليون دولار كلفة المعدات ولوازم الابنية والمؤسسات، و40 مليون دولار خسائر مرتبطة بالنشاط التجاري اثناء الحصار، و108 ملايين دولار خسائر مرتبطة بالصادرات الصناعية وبزيادة تكاليف التصدير بنسبة 10%. وهكذا انخفضت الصادرات الصناعية في الفصل الثالث من العام 2006 بما نسبته 18.2% مقارنة مع الفصل نفسه من العام 2005. غير ان النمو الكبير للصادرات الصناعية في النصف الاول من العام 2006 عوض الاثر السلبي للحرب.

ووجهت الحرب ضربة قاسية للقطاع الزراعي الذي يتركز القسم الاكبر منه في المناطق التي تعرضت للقصف الهمجي الاسرائيلي (الجنوب والبقاع). اذ دمرت المحاصيل والبساتين، كما دمرت البنية التحتية الزراعية من ابنية وانظمة ري وآلات ومعامل، فضلا عن نفوق آلاف رؤوس الماشية والدواجن. وقدرت وزارة الزراعة خسائر هذا القطاع آنذاك بنحو 200 مليون دولار. وانخفضت الصادرات الزراعية في الفصل الثالث بنسبة 21.4% مقارنة مع الفصل نفسه من العام 2005. وبفضل التحسن النسبي في النصف الاول من السنة اوقف الانخفاض عند 1.4% فقط خلال الاشهر التسعة الاولى.

وعلى صعيد القطاع التجاري والخدمات سجلت اضرار بالغة زاد من حدتها الحصار البحري والجوي الاسرائيلي الذي اعقب الحرب. وكان القطاع السياحي الاكثر تضرراً بصورة مباشرة وغير مباشرة، خصوصا لارتباطه بقطاعات خدماتية متعددة كالنقل والبناء والعقارات والخدمات المصرفية والمالية والبيع بالتجزئة. وفيما تراجع عدد السياح في الاشهر التسعة الاولى من العام 2006 بنسبة 8.6% كانت مداخيل السياحة المتوقعة خلال العام المذكور اكثر من ملياري دولار. ولا ننسى ما اصاب مطار رفيق الحريري الدولي من اضرار مباشرة وغير مباشرة، فضلاً عن تعطل الحركة في المرفأ طوال اسابيع.

وقد يكون القطاع المصرفي اللبناني هو الاقل تأثرا، اذ سجلت جميع مكونات ميزانيات المصارف المجمعة اداء جيدا خلال الاشهر التسعة الاولى من العام 2006 بفضل النمو القوي للنشاط في النصف الاول من العام نفسه ما ابقى نمو الموجودات في الاشهر التسعة الاولى عند حدود 4.5%، بالرغم من انخفاضها بنسبة 2% في الفصل الثالث.

ومع وصول عملية اسر الجنديين الاسرائيليين الى خواتيمها، يؤمل ان يستعيد اللبنانيون وحدتهم لتعويض الخسائر الضخمة التي تكبدها بلدهم، ليس نتيجة الحرب وتدمير اكثر من 100 جسر، وسقوط 1200 قتيل، و4400 جريح اصيب 15% منهم باعاقات دائمة فحسب، بل نتيجة سنتين من الازمة السياسية المفتوحة التي لم تتمكن الحكومة من محو آثار العدوان بالشكل الذي كانت تتوخاه والتي اضاعت الكثير من الفرص على لبنان، ولاسيما فرصة مؤتمر «باريس ـ3».