مانديلا في عيد ميلاده التسعين.. ينتقد تلكؤ أغنياء بلاده في مساعدة الفقراء

جنوب أفريقيا تحتفل بالمناسبة على وقع مخاوف من تراجع إرثه الداعي إلى التسامح والمصالحة

مانديلا محاطا بأحفاده خلال احتفاله بعيد ميلاده في منزله أمس (رويترز)
TT

احتفل رئيس جنوب أفريقيا السابق نيلسون مانديلا، الذي يحظى باحترام عالمي، بعيد ميلاده التسعين امس، في وقت تواجه بلاده تحديا للحفاظ على الحلم الذي يجسده مانديلا لامة متجانسة متعددة الاطياف. وعبر مانديلا عن حزنه لانتشار الفقر في بلاده، ولتقاعس أغنياء البلاد عن تقديم العون لهم، وقال من قريته كونو التي تقع في إقليم إيسترن كيب، حيث يحتفل بعيد ميلاده في حفل اقتصر على العائلة والاصدقاء: «هناك الكثير من الاثرياء في جنوب أفريقيا.. ويمكنهم أن يساهموا بتلك الثروة في مساعدة أولئك الذين لم ينجحوا في التغلب على الفقر». وأضاف: «سيطر الفقر على شعبنا.. إذا كنت فقيرا فليس من المحتمل أن تعيش طويلا».

وتعتبر جنوب افريقيا القوة الاقتصادية الاولى في افريقيا، الا ان 43 بالمائة من مواطنيها، الذين يبلغ عددهم 48 مليونا، يعيشون تحت عتبة الفقر كما ان الفوارق في المداخيل فيها لا تتوقف عن الاتساع. وانهالت التهاني من مواطني جنوب أفريقيا على رئيسهم السابق، وسط مطالب بتجديد الالتزام بالسير على نهج التسامح والمصالحة الذي أرسى دعائمه الزعيم الافريقي. ووصف إف دبليو دي كليرك، سلف مانديلا في الرئاسة الذي حصل معه على جائزة نوبل للسلام عام 1993 لجهودهما المشتركة في إنهاء حكم الاقلية البيضاء، الزعيم الجنوب افريقي بأنه «بطل مكافحة التفرقة العنصرية وواحد من أعظم شخصيات القرن العشرين»، وقال إنه «ولد زعيما».

وقال خليفته ثابو مبيكي الذي أثار أسلوبه في الحكم بعض الانتقادات مقارنة بأسلوب مانديلا، خصوصا لجهة تغاضيه عن اعمال العنف التي يمارسها رئيس زيمبابوي روبرت موغابي ودفاعه عنه: «إذا كنا نحظى بنوع من الشهرة كجنوب أفارقة.. فذلك بفضل هذا العملاق (مانديلا).. وعمالقة آخرين».

وتدفقت الرسائل على محطات الاذاعة تتمنى دوام السعادة لمانديلا، الذي صار رمزا للنضال من أجل الديمقراطية في البلاد خلال فترة سجنه التي استمرت 27 عاما. بيد أنه كانت هناك أصوات قليلة انتقدت الافراط في التعبير عن المشاعر ازاء مانديلا.

لكن تلك المناسبة أثارت القلق بشأن التراجع الملحوظ لارث مانديلا القائم على المصالحة والتسامح. وأشارت صحيفة «بيزنس داي» في افتتاحيتها، إلى تصريحات صدرت في الآونة الاخيرة عن زعيم الشباب في حزب المؤتمر الوطني الافريقي الذي ينتمي إليه مانديلا، يحذر فيها من أعمال عنف بغرض دعم رئيس الحزب جاكوب زوما. وقال إن «مسيرة مانديلا الطويلة» في سبيل الحرية «لم تنته بعد». وقال جورج بيزوس صديق مانديلا لفترة طويلة ومحاميه خلال محاكمته عام 1964 على خلفية قضية أعمال تخريبية، ان مانديلا أصيب بخيبة أمل شديدة بسبب بعض الاحداث الاخيرة في جنوب أفريقيا، لكنه متفائل بشأن إمكانية تحسن الاوضاع.

ويعتبر مانديلا مثالا للتسامح والمصالحة، لانه سامح سجانيه السابقين الذين أودعوه السجن لـ27 عاما. كما ان ابتسامته وروح المرح التي يتمتع بها جعلته شخصية دولية محبوبة لها وزنها. وهو نادر بين الزعماء الافارقة بموافقته على التخلي عن السلطة بسرعة بعد فترة ولاية واحدة فقط، عقب انتهاء حقبة التمييز العنصري في عام 1994. وفي بلاده، يحظى باحترام وتبجيل جميع الفئات والاجناس بمن فيهم البيض الذين حارب من اجل الاطاحة بحكمهم.

غير ان عيد ميلاده يأتي في وقت تشهد فيه بلاده أزمة في عهد سلفه ثابو مبيكي الذي يتعرض لانتقادات واسعة لفشله في مكافحة الايدز والفقر. كما تعاني البلاد من أزمة سلطة كبيرة وجرائم عنف وكارثة في زيمبابوي الدولة المجاورة لبلاده. وفي وصف الاشادة التي لقيها مبيكي عندما أصبح رئيسا، كتب بارني متومبوثي رئيس تحرير صحيفة «فاينانشال ميل» هذا الاسبوع، يقول: «مانديلا وحد البلاد. ومبيكي أشاع التفرقة. من المحزن ان ارى ان الرئيس الحالي يحقر ميراثه». وقالت صحيفة «ذا ميل آند غارديان» الاسبوعية ان تقريرا بحثيا فوضت به الحكومة أظهر ان 36 في المائة من السكان لم يعد لديهم التزام نحو البلاد وان 29 في المائة يفكرون في الهجرة. وتعاني جنوب افريقيا من نوع من أسوأ جرائم العنف خارج منطقة حرب، وخاصة في منطقة جوتينج حول جوهانسبرغ. وتعاني البلاد من أكبر نسبة اصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) في العالم.

وتتهم نقابات العمال والجناح اليساري داخل حزب المؤتمر الوطني الافريقي الحاكم، الرئيس مبيكي بانتهاج سياسات في مصلحة رجال الاعمال أدت الى تأخير ثمار حكم السود للفئات الفقيرة. ويبلغ معدل البطالة نحو 23 في المائة. ويتعرض النمو في أكبر اقتصاد في افريقيا للخطر بسبب أزمة في الطاقة حرمت مناجم البلاتين والذهب الحيوية من الكهرباء وتهدد باذكاء الاضطرابات بين نقابات العمال والمستوطنات الفقيرة. ويوجه الاتهام الى مبيكي بالقيام بوساطة غير فعالة في زيمبابوي، حيث أدت الازمة المتفاقمة الى نزوح ملايين اللاجئين الى الدول المجاورة وخاصة جنوب افريقيا. وهؤلاء اللاجئون كانوا من اهداف العنف ضد الاجانب في مايو (ايار) الماضي. ومشاهد احراق اجانب احياء تذكر كثيرين بأعمال العنف الوحشية في نهاية فترة التمييز العنصري.

كما ان الاجراءات الاخيرة من جانب حزب المؤتمر الوطني الافريقي، أثارت مزيدا من القلق حيث يتهم زعماء الاحزاب بارتكاب اعتداء خطير على استقلال القضاء لحماية الزعيم الجديد جاكوب زوما الذي يواجه اتهامات بالفساد يمكن ان تخرج خلافته المتوقعة لمبيكي في عام 2009 عن مسارها.