معتقل كروبر: قاعات للشيعة وثانية للسنة وثالثة للمتطرفين.. ومدرسة للأحداث

يدخله 30 سجينا يوميا.. وضابط أميركي يقر باستخدام العنف عند الضرورة

معتقلون أحداث يتلقون درسا في اللغة الانجليزية في معتقل كروبر ببغداد («الشرق الأوسط»)
TT

على بعد مسافة قصيرة من أحد أكبر قصور صدام الذي يقع وسط بحيرة في مطار بغداد الدولي غرب العاصمة العراقية، تتوزع مباني معتقل كروبر، كما يطلق عليه الجيش الاميركي او «سجن». وخصص كل مبنى لفئة معينة من السجناء، فهنا سجن الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين ومسؤولي حكومته، وهناك سجن للاحداث وآخر للنساء، فيما يودع «الأخطر» على أمن القوات الأميركية والعراق في سجن كبير له تسميات عديدة منها «الذكرى الثانية» و«المطار» و«الحصين» و«الممنوعات»، لكثرة التعليمات والقرارات الصادرة من قبل جهات عديدة تمنع بعض الإجراءات التي قد تكون مباحة في سجون أخرى تدار من قبل العراقيين. لكن الأميركيين «أحسنوا ترتيب سجنهم» ليكون، وبحسب احد الضباط، معقل «أميركا الصغيرة»؛ فكل الكتابات بالانجليزية والعمال والآليات وحتى المطاعم الفارهة التي بنيت على مقربة من السجن يعرض فيها كل ما تشتهيه الأنفس من البضائع الأميركية وتفتح على مدار الساعة للضباط والجنود الأميركيين وبشكل مجاني، وهذا «لتقليل الضغوط النفسية عليهم» كونهم في داخل سجن مختلف عن سجون العالم خاصة وانه كان منتجعا صيفيا لعائلة النظام السابق، لكن ذلك لم يمنع مدير السجن من إبعاد نفسه وجنوده قدر المستطاع خلال نقطة تلاقي السجناء بذويهم فترة الزيارة لأنه «المنظر يذكره بعوائلهم في أميركا وقسم منهم قد لا يستطيع منع نفسه من البكاء عند رؤية المنظر».

«الشرق الأوسط» دخلت سجن كروبر ليوم كامل، وكانت البداية عند مدخل السجن الذي اعتلته لافتة كبيرة تبعث على الخوف كتب عليها ان «الموت هو الخدمة الوحيدة التي يقدمها المجرمون لكم». وسجن كروبر، حسب العقيد ماكس ويل المسؤول الثاني في السجن، يعد المحطة الرئيسة للسجناء، فأي سجين يلقى القبض عليه يبقى لدى القوة التي اعتقلته 12 يوما بعدها يتم ترحيله إلى كروبر، وإذا وجدوا أن الاعتقال قد يطول فتتم إحالة السجين الى معتقل «بوكا»، جنوب العراق.

وفي حال العكس، أي عند إطلاق السراح، فتتم العملية أيضا من كروبر. وشهد كروبر ومنذ بدء عمليات الاعتقال عام 2004 ولغاية الآن دخول أكثر من 73 ألف معتقل، وهو رقم كبير جدا لولا عمليات إطلاق السراح التي شملت وخلال نفس الفترة المذكورة أكثر من 52 ألف معتقل، وهذا يعني أن المتبقين حاليا في جميع سجون القوات المتعددة الجنسيات لا يزيد على 21 ألف معتقل، 18 ألفا منهم يحتجزون في بوكا، اما الآخرون ففي كروبر وسجون أخرى متفرقة. فيما بلغ عدد السجينات حتى الآن 10 نساء، اما الاحداث فعددهم أقل من 400، بحسب مسؤولي السجن. ويبلغ عدد السجناء العرب والأجانب الآن 200 فقط. ويدخل المعتقل 30 سجينا يوميا ويخرج منه 40، بحسب نائب مدير السجن العقيد ماكس ويل الذي أكد أن بقاء هذه المعدلات يعني انخفاض عدد المعتقلين بشكل عام. وعلى زوار المعتقل التوقيع على جملة من التعليمات والتوصيات التي ملئت ثلاث أوراق، لنتوجه بعدها إلى «بيت الحكمة» وهو المكان الوحيد الذي يرفع فيه العلم العراقي وسط ساحة صممت على شكل باحة مدرسة للأحداث تبلغ أعمارهم ما بين 11ــ17 عاما. وعدد الطلاب الاحداث (400) هو اقل من العدد الكلي للسجناء الأحداث، فالطلاب أو الذين يرغبون بالدراسة يشكلون نسبة 75% فقط، فيما منعت النسبة المتبقية من الدخول للمدرسة لأسباب قال عنها مسؤول امن المدرسة المقدم فولك إنها «ضرورية لأنهم خطرون على البقية وبعضهم ما زال يحتفظ بأفكار متشددة يجب أن يتخلص منها قبل أن نفكر بدمجهم».

ويقول المقدم فولك إن «هذا ما نقوم به فعلا من خلال برنامج (التنوير) حيث وظفنا فيه عددا من خبراء علم النفس والاجتماع ورجال دين كبار مهمتهم الوحيدة هي إقناع الأحداث بان أفكارهم خاطئة وعليهم تبني أفكار أخرى غير التي زجت بها القاعدة وغير القاعدة داخل عقولهم من قتل ودم وعداء للآخرين». ويقول الشيخ جبار، مسؤول برنامج «التنوير «إن طلبة البرنامج من كلا الطائفتين ونحاول دمجهم ببعض كي يتعايشوا بسلم دون أفكار تشدد وان نفهمهم معنى الإنسانية ومعنى الحب». وأقيم في معتقل كروبر معرض للرسوم، ويقول المقدم فولك إن الرسوم تعود للسجناء أنفسهم، وأوضح ان «بعض السجناء بدأوا يقطعون من خيامهم قطعا ويرسمون عليها وهنا اقترحنا أن نجهزهم بأدوات رسم، ليرسموا ما يحلو لهم حتى لو كانت الرسوم موجهة ضدنا، ونحن نقوم بعرضها في هذا المعرض».

ويقول المقدم فولك ان جنوده يتمتعون بعلاقة طيبة مع السجناء الاحداث، غير انه لم ينف استخدام العنف في بعض الحالات، وأوضح قائلا «نحن نستخدم العنف ضد الأحداث في بعض الحالات التي تستدعي ذلك لأن اكبر مهمة للحرس في داخل السجون هو توفير الأمن والسلامة والاستقرار للسجون ومن يحاول الإخلال بها فسيعامل بعنف من قبلنا، وعلى المعتقلين أن يجعلوا في ذاكرتهم أن الحراس موجودون»، واضاف ان مشاكل تقع بين المعتقلين أنفسهم، الأمر الذي يتطلب تدخل الحرس. وقال ان «بعد استخدام العنف يجب أن يفتح تحقيق لمعرفة أسباب هذا العنف وتدريب الحراس عليه لتفاديه أو التهيؤ له مستقبلا وكيفية التعامل مع هكذا حالات، لكن استخدام العنف بحدود».

وكشف العقيد ماكس ويل، مدير السجن، أيضا عن استقباله «سفاحين» بين الأحداث «أدينوا رغم كونهم أحداثا بقتل عدد كبير من العراقيين»، وأضاف «يجب أن يبقوا هنا فترة أطول من غيرهم لأنهم اخطر وهدفنا أولا وأخيرا هو إصلاح الأحداث قبل دمجهم بالمجتمع مرة ثانية».

وفي سجن كروبر المركزي كان على الزائرين ارتداء النظارات المعتمة قبل الدخول كواحد من وسائل حمايتهم. وزيارة السجناء من قبل عوائلهم تكون لمرة واحدة شهريا وأكثر من ذلك في حال بعد مسافة سكن العوائل ان تتم عبر دائرة تلفزيونية مغلقة. ويسمح لستة أشخاص بزيارة سجين واحد كما يسمح لهم بجلب ملابس فقط وتبادل النقود، فيما يسمح بالتعانق لمدة خمس دقائق فقط، يتم بعدها تسليم النقود ويؤخذون إلى قاعة اللقاء. ويكون الحديث عبر الهاتف داخل قاعة مكيفة. وتفصل قاعات السجناء بحسب مذاهبهم، فهناك قاعات للشيعة وأخرى للسنة والبقية للمتطرفين من كلا الفئتين، ولا يجوز اختلاط «التكفيريين» بالآخرين، أما درجة التطرف فتحددها لجنة تضم في عضويتها رجال دين وعلماء نفس واجتماع.

ويقول ضابط في السجن ان العديد من السجناء العراقيين مصابون بأمراض، موضحا أن «ما نسبته 2% من السجناء وجدنا أنهم يعانون من مرض السل الرئوي (التدرن) وهو مرض خطير يحتاج إلى إشراف طبي معقد ونحن نقوم بذلك حتى أنهم يتلقون العلاج بنفس الشعبة الطبية التي يعالج فيها ضباط وجنود الوحدة»، وأضاف ان النسبة الأعظم من السجناء «يعانون اما من مرض السكري أو ضغط الدم المزمن».

ويقول الضابط ان 68% من السجناء لا يجيدون القراءة والكتابة، ويضيف قائلا «نحن نقوم بتعليمهم وبخاصة قراءة القران وتعليمهم عبر رجال دين كيفية تفسير الآية القرآنية التي كانوا يفسروها بشكل مختلف».

وكشف الضابط عن السماح للمعتقلين بالعمل داخل السجن مقابل أربعة دولارات عن كل ساعة، ويسمح لهم بالعمل خمس ساعات في اليوم «الهدف منها هو توفير المال لهم»، وأضاف ان لهم الحق بإعطاء ما يجمعونه لذويهم. كما يحوي المعتقل مكتبه تضم أكثر من 1000 كتاب فضلا عن قاعات تلفزيون وراديو لكن لقنوات محددة منها الرياضية فيما تمنع غيرها. ويعمل عنصر يمثل الصليب الأحمر الدولي داخل السجن لمراقبة الوضع. ويقول الميجر تيكنز، وهو احد المسؤولين في المعتقل، انهم يسمحون لعوائل المعتقلين العرب والأجانب بزيارتهم، لكن بعد أن توافق الحكومة العراقية على دخول تلك العوائل للعراق. وأضاف أن هنالك طريقة أسهل وهي السماح للسجناء بإجراء مكالمة شهرية لعوائلهم عبر هاتف «الثريا»، مضيفا ان مكالماتهم تخضع للمراقبة، كما لا يسمح استخدام أكثر من بضع جمل منها «كيف حالكم، أنا فلان في كروبر في العراق احتاج لكذا»، وقال ان السجين اذا خرق هذه التعليمات فسيحرم من اجراء المكالمة الهاتفية، أما «إذا كان هناك معتقل خطر على المستوى الدولي فيحرم أيضا من إجراء المكالمات للضرورة الأمنية».