وزير الخارجية الفرنسي: السعوديون أصدقاؤنا.. ولكن هناك «تمايزا» بشأن سورية

قال إن باريس سلمت واشنطن قائمة معتقلين لبنانيين وهما ليستا على نفس الخط حول دمشق

TT

أقر وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير ورسميا بوجود «تمايز» بين بلاده والسعودية، إزاء الانفتاح الفرنسي على سورية، ومجيء الرئيس السوري بشار الأسد يوم الجمعة الماضي الى باريس في زيارة ثنائية أتبعت بمشاركته في قمة الاتحاد من أجل المتوسط يوم الأحد الماضي. كذلك قال كوشنير إن باريس وواشنطن «لم تكونا على الخط نفسه»، في ما خص التطبيع مع سورية. لكن الإدارة الأميركية، مع ذلك، «هنأت باريس» بنجاح إعلان قيام الاتحاد من أجل المتوسط.

وجاءت تصريحات الوزير الفرنسي في مؤتمر صحافي «دوري»، وفي أحاديث جانبية مع مجموعة من الصحافيين عقب المؤتمر الذي استفاد منه ليقوم بـ«جردة» لعمله على رأس وزارة الخارجية ولعمل الدبلوماسية الفرنسية بشكل عام. واعتبر كوشنير أن «قطيعة حقيقية حصلت» مع فترة الجمود السابقة للدبلوماسية الفرنسية، التي أخذت تثبت اليوم حضورها على كل الجبهات.

ودافع كوشنير مجددا عن تسريع انفتاح بلاده على سورية وعن دعوة رئيسها الى فرنسا، فاعتبر أن لقاء الأسد «كان لا مفر منه وضروريا وأعتقد أنه حقق تقدما، والجميع ينظر اليه بهذا الشكل اليوم بمن فيهم من كانوا غير متحمسين له». وقال، عقب ذلك، إنه «شخصيا» لم يكن «متحمسا» للقاء الرئيس السوري، «لأن عندي ذكريات وأنا أريد الاحتفاظ بها».

وأعرب الوزير الفرنسي عن «أمله» بأن تقام العلاقات الدبلوماسية بين سورية ولبنان «قبل نهاية العام». ومن المقرر ان يقوم كوشنير في سبتمبر (ايلول) القادم بزيارة رسمية الى دمشق للتحضير لزيارة الرئيس الفرنسي اليها في الشهر نفسه. غير أن مصدرا دبلوماسيا رفيعا قال لـ«الشرق الأوسط» منتصف هذا الأسبوع إن الرئيس ساركوزي «ربط زيارة دمشق (التي أعلن عنها بعد اجتماعه بالرئيس السوري في باريس يوم السبت الماضي) بصدور قرار سوري رسمي خاص بإقامة العلاقات الدبلوماسية مع لبنان». وميز المصدر المشار اليه بين صدور القرار عن الحكومة السورية وفتح السفارة عمليا، وهو ما قد يأخذ وقتا. ونقل كوشنير عن المسؤولين السوريين قولهم بوجود «حواجز إدارية»، تؤخر قيام العلاقات، من دون أن يفصلها. وعلى أي حال، تعلق باريس اهمية كبرى على إقامة علاقات دبلوماسية سورية ـ لبنانية، إذ رأوا فيها كما قال كوشنير، «شيئا لم يحصل في الماضي» وكذلك «اعترافا بالدولة اللبنانية»، ما ينظر اليه على أنه «أمر أساسي».

وكشف كوشنير عند سؤاله عن وجود «مشروطية» معينة لاستمرار التطبيع القائم مع دمشق، عن مطالب سلمت لسورية وقال: «نحن سلمنا لوائح بأسماء أشخاص معتقلين في (سورية)، أو لا يتمتعون كفاية بما نعتبره حقوقا للإنسان. لقد سلمنا هذه اللوائح وعبرنا «للجانب السوري» عما نريد أن نعبر عنه، وحصل كما يقال في اللغة الدبلوماسية نقاش صريح» مع المسؤولين السوريين.

أما في ما خص التحفظ السعودي، فقد أفاد كوشنير بأن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل نقله الى الرئيس ساركوزي عند زيارته لباريس قبل مجيء الأسد اليها. ونفى كوشنير ما يقال من أن باريس لم تطلع السعودية على مشروع دعوة الرئيس السوري الى باريس. وقال: «بكل تأكيد، أطلعنا السعودية (على ما نفعله مع سورية). وماذا يعني قول إننا لم نطلعها كفاية؟ السعودية لم تكن متحمسة للقائنا مع الرئيس السوري، والأسد لم يذهب الى السعودية، لكن الأمير سعود الفيصل زار دمشق والتقى الأسد». وأضاف كوشنير: «هذه علاقات حساسة ومعقدة وأفهم أن الموقفين (السعودي والسوري) مختلفان كثيرا داخل العالم العربي، ولكن أعتقد أن الجميع فهم موقف فرنسا وهو البحث عن السلام والتهدئة والانفراج في العلاقات. وأصدقاؤنا السعوديون لم يفاجأوا بلقاء الأسد لأنهم كانوا على اطلاع على ذلك». وقال كوشنير: «الموقف السعودي لم يصدمني وهذا ليس جديدا». ووصف السعودية بأنها «قطب مهم في العالم العربي». وبعد أن أعلن أن «الجميع يمكن أن يغير رأيه»، واشاد كوشنير بالسعوديين قائلا انهم اذكياء مضيفا: «السعوديون يفهمون ما فعلناه ولا أطلب منهم شيئا. هم أصدقاؤنا وهناك سياستان(فرنسية وسعودية) ستلتقيان وهذا واضح بالنسبة الينا إذ نحن نريد جميعا السلام».

وفي موضوع مزارع شبعا، نفى كوشنير حصول أي تقدم. وأفاد بأنه أثار الموضوع مع أمين عام الأمم المتحدة، بان كي مون، وغيره، في إشارة الى المسؤولين الإسرائيليين والسوريين. وتحدث كوشنير عن «محاولات» لإحداث تقدم. وقالت مصادر مطلعة في باريس، التي تؤيد وضع المزارع تحت وصاية الأمم المتحدة، إن من الأفكار المطروحة أن تنقل المزارع الى وصاية الأمم المتحدة على أن تبقى لإسرائيل إمكانية الاستمرار في السيطرة على محطة الرادار التي بنتها على أرض المزارع، والتي تمكنها من مراقبة ما يجري داخل لبنان لمسافات طويلة. وقالت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط»، إن بان كي مون أبلغ الرئيس اللبناني ميشال سليمان في باريس أن العمل على الخرائط وترسيم المزارع «قد انتهى»، وأن الخبراء الأمميين بإمكانهم «إثبات لبنانيتها». وكشف الوزير الفرنسي عن مناقشات مطولة مع الإدارة الأميركية بشأن انفتاح فرنسا على سورية ودعوة الأسد الي باريس، مشيرا الى اجتماع استمر أربع ساعات مع نظيرته الأميركية كوندوليزا رايس خلال زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش الى العاصمة الفرنسية الشهر الماضي. ونوه كوشنير بـ«براغماتية» الأميركيين الذين آلوا تهنئة باريس بإنجازها إطلاق الاتحاد من أجل المتوسط بحضور الأسد ومشاركته. ومع ذلك قال كوشنير إن باريس وواشنطن «ليستا على الخط نفسه»، في ما خص مستقبل العلاقة مع سورية. ونفى كوشنير أن تكون باريس قد سعت الى تحقيق لقاء بين الرئيسين السوري والمصري، واكتفى بالقول إنه «لو أرادا الالتقاء لفعلا ذلك». وأبلغ مصدر دبلوماسي «الشرق الأوسط» أن فكرة اللقاء الثنائي لم تطرح لا من الجانب السوري ولا من الجانب المصري.

وتصافح الرئيسان «عرضا»، علما بأنهما كانا على طاولة الاجتماعات نفسها في القصر الكبير، وعلى المنصة الرسمية نفسها في العرض العسكري. وفي الموضوع الإيراني، أكد كوشنير أن واشنطن غيرت مقاربتها والتحقت بالموقف الفرنسي والأوروبي والروسي والصيني. لكنه شكك مجددا في إمكانية أن يخرج شيء آني يغير الأوضاع بسرعة مع إيران، إذ «لا يمكن أن نحصل على كل شيء دفعة واحدة».