النقاب.. والهوية الفرنسية

سليمي وزوجها يحلمان بالانتقال إلى المغرب أو السعودية لأنهما لا يشعران أنه مرحب بهما في فرنسا بسبب تدينهما

TT

عندما تقدمت فايزة سليمي بطلب للحصول على الجنسية الفرنسية، شعرت بالقلق بسبب عدم تمكنها من اللغة الفرنسية ومن إمكانية أن تمثل نشأتها المغربية مشكلة. وقالت بعد أن رفض طلبلها: «لم يخطر على ذهني قط أنهم سيرفضون طلبي بسبب ما اخترت ارتداءه»، في إشارة إلى النقاب الذي ترتديه فوق رداء يغطي كامل جسدها من الرأس إلى القدم. في الشهر السابق، أيدت المحكمة الإدارية العليا الفرنسية قرار رفض منح سليمي البالغة من العمر 32 عاماً، الجنسية الفرنسية بسبب «ممارستها الراديكالية للإسلام التي لا تتوافق مع القيم الفرنسية القائمة على المساواة بين النوعين».

وتعتبر هذه المرة الأولى التي تحكم فيها محكمة فرنسية على مدى قدرة شخص ما على الاندماج داخل المجتمع الفرنسي، بناءً على ممارساته الدينية الخاصة، لتنقل بذلك مبدأ العلمانية من الصعيد العام إلى الخاص. وجاءت هذه القضية لتزيد الاهتمام بالتوازن الحساس بين التقاليد العلمانية للجمهورية الفرنسية وحرية الاعتقاد الديني التي يكفلها الدستور الفرنسي، وكيف أن هذا التوازن ربما يشهد تحولاً في الوقت الراهن. منذ أربع سنوات، صدر قانون يحظر ارتداء الملابس الدينية داخل المدارس العامة في فرنسا. وفي وقت سابق من هذا العام، فسخت محكمة في مدينة ليل الفرنسية عقد زواج بناءً على طلب الزوج بسبب كذب الزوجة بشأن كونها عذراء. وحتى الآن، اقتصرت قرارات منع منح الجنسية لأسباب دينية على الحالات التي يسود فيها اعتقاد بأن المتقدم بالطلب على صلة وثيقة بجماعات أصولية. وقد لاقى القرار المتعلق بسليمي دعماً مطلقاً من مختلف الأطياف السياسية، بما في ذلك الكثير من المسلمين. ووصفت فضيلة أمارا، وزيرة شؤون المدن، نقاب سليمي بأنه «سجن». وقالت أمارا، وهي مسلمة متدينة من أصول جزائرية، في حديث أجرته معها صحيفة «لو باريزيان»: «هذا ليس رمزا دينيا وإنما رمز لمشروع سياسي استبدادي يعزز عدم المساواة بين النوعين ويفتقر تماماً إلى الديمقراطية».

أما فرنسوا هولاند، زعيم المعارضة، فقد وصف الحكم القضائي بأنه «تطبيق جيد للقانون»، بينما طالب جاك ميراد، عضو البرلمان ذي التوجهات المحافظة والذي يمثل الدائرة الانتخابية التي تسكن بها سليمي، بفرض حظر على النقاب الذي يغطي على الوجه. وخلال لقاء أجري معها في منزلها الواقع بجنوب غربي باريس، وكان اللقاء الاول معها بعد رفض منحها الجنسية الفرنسية، أعربت سليمي عن شعورها بالصدمة والحرج عندما وجدت نفسها محط الأنظار العامة فجأة، علما أنه منذ 12 يوليو (تموز)، عندما أوردت صحيفة «لو موند» للمرة الأولى قرار المحكمة، شغلت القضية الصفحات الأولى من الصحف والبرامج الحوارية التلفزيونية. وقالت سليمي خلال المقابلة التي أجريت معها: «يقولون إنني أخضع لقيادة زوجي وإنني أعيش في عزلة عن العالم. ويقولون إنني أرتدي النقاب لأن زوجي أمرني بذلك، وأقول لهم، إن هذا كان اختياري. إنني أعتني بأطفالي وأخرج من المنزل وقتما أشاء. وأمتلك سيارة خاصة بي. وأقوم بالتسوق بنفسي. إنني بالفعل أواظب على العبادات، وأنا متشددة. ولكن أليس ذلك أحد حقوقي؟». وقد رفضت سليمي التقاط صورة لها، معللة ذلك بأنها وزوجها لا يشعران بالارتياح تجاه الفكرة.

يذكر أنه منذ ثمانية سنوات ماضية، تزوجت سليمي من كريم، وهو مواطن فرنسي من أصول مغربية، وانتقلا معاً للعيش في فرنسا. وأنجبا داخل فرنسا أربعة أبناء، ثلاثة بنين وبنت تتراوح أعمارهم بين سنتين وسبع سنوات. في العام 2004، تقدمت سليمي بطلب للحصول على الجنسية الفرنسية، وأوضحت أن طلبها نبع من رغبتها في «الحصول على نفس الجنسية التي يتمتع بها زوجها وأبناؤها. إلا أن طلبها قوبل بالرفض بعد عام بسبب «عدم اندماجها بشكل كاف» داخل المجتمع الفرنسي. واستأنفت سليمي القرار بناءً على حرية الاعتقاد الديني، لكن في يونيو (حزيران) الماضي، أقر مجلس الدولة، الذي يشكل الهيئة القضائية المعنية بالنظر في المنازعات بين الأفراد وإدارة الجمهورية، القرار. وأشار الحكم إلى أن سليمي «انتهجت ممارسة راديكالية في دينها لا تتوافق مع القيم الأساسية للمجتمع الفرنسي، خاصة مبدأ المساواة بين الجنسين».

وعلى الرغم من ذلك، فان سليمي التي تقيم في فرنسا كمهاجرة شرعية، لن تفقد حق الإقامة في البلاد. وقد منحت نفسها فرصة حتى سبتمبر (أيلول) لتقرير ما إذا كانت ستبذل محاولة أخرى للحصول على الجنسية. وأوضح إيمانويل برادا بوردناف، المفوض الحكومي الذي يرفع تقاريره إلى مجلس الدولة، أن اللقاءات التي أجريت مع سليمي من قبل مسؤولي الخدمات الاجتماعية كشفت أنها «تعيش في حالة خضوع تام لأقاربها الذكور. ويبدو أنها ترى هذا الأمر طبيعياً، ولم ترد بخاطرها قط فكرة تحدي هذا الوضع».

\محمد حنيش، عضو اتحاد المنظمات المسلمة في ضاحية «سين سانت دينيس» بشمال باريس، يعبر عن مخاوفه من إمكانية أن يفتح الحكم الفرنسي الباب أمام ما يعتبره تفسيرات جزافية لما يشكل الإسلام «الراديكالي». ويقول إن ما حصل مع سليمي هو «سابقة خطيرة من نوعها، ذلك أن الدين، طالما ظل شخصياً، ينبغي الإبقاء عليه خارج هذه القرارات».

أما سليمي فتقول، إنها وزوجها يعيشان تبعاً لتفسير حرفي للقرآن، لكنهما يشيران إلى أنهما لا يحبان وصف «سلفي»، رغم أن معناه الأصلي يعني إتباع نهج النبي محمد والصحابة. ويقولان: «اليوم باتت السلفية تعني الإسلام السياسي، والأفراد الذين يمقتون الحكومة ويلجأون الى العنف يطلقون على أنفسهم سلفيين. ونحن لا صلة لنا بهم».

وأشارت الزوجة إلى أنها قررت في العام 2000 ارتداء النقاب الذي عادة ما يجري ارتداؤه بشبه الجزيرة العربية، لأنها شعرت أن الجلباب المغربي التقليدي، وهو عبارة عن رداء واسع فضفاض طويل وبه غطاء للرأس، ليس محتشماً بالقدر الكافي. وقالت: «لا أحب أن اجتذب نظرات الرجال إلي. أريد أن اكون لزوجي فقط». يعيش في فرنسا خمسة ملايين مسلم، بينهم ثلاثة ملايين يحملون الجنسية الفرنسية. ومن بين المعايير التي على أساسها يتم منح الجنسية مستوى الاندماج الذي يركز على مدى قدرة الشخص على تحدث اللغة الفرنسية. وسليمي، تتحدث الفرنسية بطلاقة. يقول زوج سليمي إنه يحلم بالانتقال بأسرته للعيش في المغرب أو السعودية، مبرراً ذلك بالقول: «لا نشعر بأنه مرغوب فينا هنا. أنا فرنسي، لكن ليس بإمكاني الآن القول بأني فخور بذلك».

* خدمة نيويورك تايمز