صعوبة التعرف على الرفات تربك الفصائل الفلسطينية ولكل فصيل حساباته

كثافة مراجعات وأرقام متناقضة وقبور تحمل عنوان «مجهول»

TT

يسود الارتباك صفوف الفصائل الفلسطينية حيال عملية التعرف الى رفات الشهداء الفلسطينيين الذين سلمتهم اسرائيل الى «حزب الله» في العملية الأخيرة لتبادل الاسرى. كثافة المراجعات التي تشهدها السفارة الفلسطينية في بيروت تشير الى صعوبة المهمة التي تتولاها الهيئة الصحية في «حزب الله». أما تضارب الأرقام بين الفصائل فهو يصب في خانة «التسييس»، لاسيما ان هذا التضارب موجود حتى لدى الفصيل الواحد. الجامع المشترك بين الاطراف هو عبارة «مجهول» الموجودة بكثرة على أضرحة الجثامين. والفترة الطويلة من تاريخ الاستشهاد الى تاريخ العودة تشكل عاملا في «تجهيل» هوية أصحاب الرفات، وذلك لأن بعض عائلات هؤلاء غادرت لبنان نهائيا. كما ان نسبة لا بأس بها من الرفات تعود الى شهداء غير فلسطينيين كانوا قد جاؤوا الى لبنان وتدربوا وذهبوا الى داخل اسرائيل ليقوموا بعملياتهم، ربما من دون معرفة أهلهم في بلدانهم. وبالتالي يبدو من الصعب تحديد هوياتهم اذا لم يسأل عنهم أحد.

وكانت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين قد اكدت في بيان لها «انه وبنتيجة الفرز المتواصل لرفات الشهداء، فقد تم التعرف على رفات 43 شهيدا من شهدائها حتى الان تم تطابقهم بشكل كامل من اصل قائمة تقدمت بها الجبهة وتضم 167 شهيدا استشهدوا في المواجهات مع قوات الاحتلال الاسرائيلي في شمال فلسطين وجنوب لبنان منذ السبعينات وحتى منتصف التسعينات». الا ان مسؤول الجبهة الديمقراطية في مخيم البداوي عاطف خليل قال لـ «الشرق الاوسط»: «إن الجبهة تعرفت الى رفات 41 شهيدا من أصل 104 مفقودين قدمت صورهم الى حزب الله للمساعدة في العثور على رفاتهم». ويوضح خليل «أن الاسرائيليين ارسلوا مع الرفات ملفات يحوي بعضها الصور الاخيرة للشهداء، كذلك اسماء البعض منهم وأوراق هوياتهم والعلامات الفارقة لديهم». ويتوقع ان تتسلم الجبهة في اليومين المقبلين النتائج النهائية لفحص الحمض النووي لتأكيد هوية الجميع. واضاف ان هناك بعض الاسماء المجهولة التي تتطلب معرفة هويات اصحابها تدقيقا معقدا.

مسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية قال، إن ارقام الجبهة الديمقراطية مبالغ فيها، وأضاف بعد التحفظ عن اسمه «منعا لإثارة الحساسيات في هذه الفترة الحرجة» ان «غالبية الاضرحة التي وصلت سجل عليها ان الرفات التي تحويها تعود الى مجهولين. وهي تحمل ارقاما. وتجري فحص الحمض النووي الهيئة الصحية في حزب الله للوصول الى هوية اصحابها». ونفى ان يكون أي فصيل فلسطيني قد تسلم رفات شهدائه حتى اليوم، باستثناء رفات اربعة شهداء قضوا في عملية «كمال عدوان»، بينهم رفات دلال المغربي وثلاثة من رفاقها ومن دون تحديد هوية كل منهم. ولكن الفحص سيحدد اذا كانت هذه المعلومات صحيحة ام لا.

واستغرب المسؤول ان يكون بإمكان أي فصيل الادعاء بغير ذلك قبل ثلاثة أيام. وقال: «لا نتائج فعلية ولا ارقام دقيقة ولا جزم بالارقام والاسماء قبل ذلك. الا ان كل فصيل يصرّح على هواه ويجري حساباته على طريقته. لكن الحقيقة ان كل ما لدينا حتى الآن هي رفات 38 جثة لشهداء من كل الفصائل. والنسبة الكبرى منها تعود الى حركة فتح». ويضيف المسؤول ان الذين يأتون في السفارة الفلسطينية للسؤال عن مفقوديهم خير دليل على صعوبة تحديد هويات الشهداء. ويقول: «كيف يمكن التعرف الى جثث التونسيين والليبيين والعراقيين وغيرهم؟ الامر صعب. منذ وصول الرفات هناك ازدحام في السفارة. احد الفلسطينيين جاء من كندا حاملا صورة شقيقه ومبديا استعداده لتسهيل اجراء فحص الحمض النووي. وهو يكاد لا يغادر المكان. كذلك جاء الكثيرون من سورية ومن ألمانيا والاردن وحتى من مناطق الحكم الذاتي في الضفة وغزة. وكلهم قدموا اثباتات استشهاد اقاربهم مع تواريخ العمليات». وأكد المسؤول ان التعاون مع «حزب الله» في هذا الملف تام وجيد.

لكن عاطف خليل يصر على ارقامه. ويشير الى ان رفات 41 شهيدا تعود الى الجبهة الديمقراطية تم التعرف الى هويات اصحابها، وعدد من هؤلاء الشهداء من مخيمات البقاع، ومنهم فلسطينيون من آل الكيالي وابو مهارش. كما ان هناك بعض العراقيين والاردنيين بالاضافة الى ليبي واحد. وما سهل التعرف الى الرفات هو وجود الاسماء والهويات وتاريخ العملية. وذكر خليل بأن منظمة التحرير الفلسطينية توقفت عن العمليات منذ العام 1990. وربما لا رفات تعود الى شهداء المنظمة باستثناء شهداء عملية «كمال عدوان» دلال المغربي ورفاقها. في حين ان شهداء الجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية والقيادة العامة سقطوا بمعظمهم بعد العام 1984.

وفي حين توقعت مصادر منظمة التحرير ان يصار الى دفن غالبية الرفات في مقبرة شاتيلا، قال خليل ان الاهالي الذين يتعرفون الى رفات اولادهم يدفنونهم على طريقتهم. اما الباقون فسيتم دفنهم في احتفال تقيمه الفصائل كلها ومن دون تمييز. وكان «الحزب الشيوعي اللبناني» قد اصدر بيانا اكد فيه ان الحزب «سيواصل قضية استعادة جثامين شهدائه الثمانية عشرة». وحمّل «العدو الصهيوني مسؤولية عدم اعادة الجثامين او الكشف عن امكنة دفنها». واعتبر «ان عملية تبادل الاسرى شكلت انتصارا جديدا للبنان، الشعب والمقاومة، ضد العدو الاسرائيلي». واشار الى ان «ذروة هذا الانتصار، تحرير عميد الأسرى سمير القنطار، وذلك رغم أنف كل قادة العدو، ورغم تعهداتهم بعدم اطلاق القنطار». واشار البيان الى أن «تحرير الاسرى واستعادة قسم كبير من جثامين الشهداء الذين قاتلوا من اجل لبنان وفلسطين والعروبة، إنما هو تحقيق لبند أجمع اللبنانيون على اعتباره، رسميا وشعبيا، هدفا وطنيا كبيرا، الى جانب تحرر الأرض المحتلة المتبقية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا». واكد ان «دور المقاومة يستمر ما استمر الاحتلال. والأجدى بأولئك الذين اعتمدوا اولويات خاطئة لأسباب فئوية او بسبب اخطاء او ارتباطات خارجية، أن يوجهوا جهودهم نحو تنفيذ البند المتعلق بتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا في القرار 1701. وهذا التوجه يجب تكريسه في البيان الوزاري العتيد، ومن ثم يجب ملاحقة تطبيقه بكل الامكانات المتوافرة، لدى الامم المتحدة، وخصوصا لدى الولايات المتحدة الأميركية التي لم تجد فيه إدارتها أكثر من مناورة بهدف الضغط من أجل نزع سلاح المقاومة».