إيران: «خريطة طريق» للملف النووي.. والشعبان الأميركي والإسرائيلي «صديقان» لنا

مسؤول في الخارجية الإيرانية لـ«الشرق الأوسط» : التجميد مرفوض.. ولا نعرف إن كانت أميركا ستشارك في الاجتماع المقبل.. ولم ندعها لجنيف

إيرانية تلتقط صورة لجبل دامافان في شمال شرق البلاد التي اعلنت ضمن التراث الثقافي الإيراني أمس (إ.ب.أ)
TT

فيما وصف المسؤولون الإيرانيون اجتماع جنيف حول الملف النووي الإيراني بأنه «خطوة في الطريق الصحيح»، لوح مسؤول الملف النووي الإيراني سعيد جليلي بـ«خريطة طريق» لحل الخلاف بين طهران والغرب، تقوم على «نقاط مشتركة» بين العرض الغربي لطهران من ناحية، والمقترح الإيراني الذي قدمته للغرب في مايو (آيار) الماضي من ناحية اخرى. وأوضح جليلي أن «خريطة الطريق» هذه، ستكون محلا للمفاوضات بين إيران ودول 5 زائد واحد، وهو الاجتماع المقرر أن يعقد خلال اسبوعين، غير أن هذا الاجتماع لم يُحدد له بعد موعد او مكان نهائي. يأتي ذلك فيما قال اسفنديار رحيم مشائي نائب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، ان ايران صديقة لـ«الشعب الأميركي وللشعب الاسرائيلي». وتعد هذه التصريحات مفاجئة تماما، في ضوء موقف الرئيس الإيراني من اسرائيل، فمع أن طهران دائما ما تفرق في خطابها بين الادارة الاميركية والشعب الاميركي، إلا أنها لا تفعل هذا مع إسرائيل. ويستخدم المسؤولون الإيرانيون كلمة «يهودي» ليقولوا أنهم لا يعادون «اليهود او اليهودية» لكن من النادر جدا ان يذكر مسؤول ايراني كلمة «اسرائيل» بدون كلمة «الصهيوني» أو «العدو» بعدها. وأثارت التصريحات، رد فعل فوري في إيران، إذ أن موقعا الكترونيا مقربا من المحافظين، أعرب عن استغرابه من التصريحات، بدون ان يذكر الرئيس الإيراني بالاسم، مع ان نائبه مشائي هو أيضا صهره، اذ ان ابن هذا الأخير متزوج من ابنة أحمدي نجاد. من جهة أخرى، أكد مسؤول في الخارجية الإيرانية لـ«الشرق الأوسط»، ان طهران لا تعرف بعد، ما إذا كانت واشنطن ستشارك في الاجتماعات المقبلة، بشأن الملف النووي الإيراني. وأوضح المسؤول الإيراني في اتصال هاتفي من لندن، أنه فيما «تريد طهران نجاح المفاوضات، فإنها تريد ان يتم هذا على أرضية مشتركة من التفاهمات». وأشار المسؤول الى ان مسألة التجميد مقابل التجميد، اي تجميد اليورانيوم مقابل تجميد العقوبات مرفوضة، موضحا ان على الغرب ان ينظر الى مقترح إيران، وان يتم التوصل الى حل من المقترحات الإيرانية والغربية معا. وقال المسؤول الإيراني ان طهران لا تعرف ما إذا كانت واشنطن ستشارك في جولات المفاوضات المقبلة، موضحا «لا نعرف ماذا سيحدث بهذا الصدد.. نحن عموما لم ندعها لحضور اجتماع جنيف». وحول اجتماع جنيف، وصف محمود أحمدي نجاد الاجتماع بأنه «خطوة للأمام»، وذلك في أول رد فعل إيراني رسمي على المباحثات التي جرت أول من أمس بين مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا وجليلي بحضور المديرين السياسيين لدول مجلس الأمن والمانيا. وعلى الرغم من اصرار جليلي أن ايران لن تناقش مطلبا بتجميد تخصيب اليورانيوم، الا ان أحمدي نجاد أبدى تفاؤله. ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الايرانية (ارنا) عنه قوله للصحافيين أمس، «أية مفاوضات تجرى هي خطوة للامام. مفاوضات الأمس واحدة من هذه المفاوضات، التي تعد خطوة للامام». ولم يسفر اجتماع جنيف عن نتائج محددة، وأعطيت مهلة اسبوعين لطهران للرد على سلة الحوافز الغربية، وذلك على الرغم من المشاركة الاميركية الرفيعة غير المسبوقة في الاجتماع، الذي حضره مساعد وزيرة الخارجية الاميركية وليام بيرنز. وفيما ذكر دبلوماسيون غربيون، أن وجود بيرنز يؤكد وحدة القوى الكبرى في الخلاف النووي، الذي ساعد في رفع أسعار النفط الى مستويات قياسية، وأكدوا أن الصبر بدأ ينفد مع ايران، ذكرت مصادر اخرى ان حضور بيرنز كان رسالة مفادها بأن أميركا راغبة في أن تكون طرفا فاعلا في أية مفاوضات أو تسويات مع طهران. كما نقلت وكالة «ارنا» عن وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي وصفه للقرار الاميركي بحضور اجتماع جنيف، بأنه «خطوة اجرائية ايجابية»، يأمل أن تؤدي الى نتائج مفيدة متبادلة.

وتابع «نعتبر الحضور الاميركي ايجابيا، من حيث الشكل، ونأمل ان تكون هناك نتائج ايجابية من حيث المضمون ايضا.. كانت هذه فرصة لأميركا لمعرفة آراء الجمهورية الاسلامية». وأضاف متقي «نحن ايضا قدمنا في جنيف اقتراحنا الخاص حول سبل مواصلة المفاوضات، وسيناقشون الاطار المقترح خلال اسبوع أو اسبوعين» قبل ان يعاود الطرفان محادثاتهما. وأضاف أن المحادثات الخاصة بالقضية النووية ستستمر، ولكن لم يتخذ قرار بعد بخصوص موعد أو مكان عقدها. الا أن مسؤولين في جنيف، أوضحوا أن أية اتصالات متابعة ستكون على مستوى أقل عن المستوى الذي شارك في محادثات جنيف.

من جانبه قال جليلي بعد لقاء أمس، مع نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي يسلياك الموجود في جنيف، ان إيران جادة ازاء تسوية نزاعها النووي مع الغرب، وانها تعمل بشأن «خريطة طريق» لتسوية القضية.

ونقلت وكالتا «ارنا» و«اسنا» الايرانيتان عن جليلي قوله إن «ايران جادة بشأن السعى لاستمرار المفاوضات لتسوية النزاع. من الممكن استخدام النقاط المشتركة بين الجانبين كخريطة طريق وفي المفاوضات المستقبلية»، موضحا أن «خارطة الطريق (الايرانية، وخارطة 5+1) ضمتا نقاطا جيدة مشتركة، بما يسمح بمواصلة المفاوضات ومناقشة نقاط الخلاف». وكان سولانا قد قال في ختام مباحثات جنيف، إن «هناك تقدما دائما في هذه المحادثات، لكنه غير كاف». وأضاف المفاوض الاوروبي في جنيف، ان القوى الكبرى تنتظر رد ايران على فكرة «التجميد مقابل التجميد» التي تتضمن موافقة الايرانيين في مرحلة اولى على ابقاء التخصيب عند مستواه الحالي، مقابل تخلي الدول الست عن تشديد العقوبات القائمة. وتريد إيران ان تواصل اميركا مشاركتها في المفاوضات النووية على مستوى رفيع، وان لم تذكر ذلك بشكل رسمي. فقد ذكرت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إسنا) أن إيران ترغب في أن تستمر الولايات المتحدة في المحادثات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، معتبرة أن وجود الولايات المتحدة «سيكون أكثر تأثيرا من أجل التوصل إلى تسوية».

ونسبت وكالة أنباء «إسنا» لمصدر إيراني، لم تكشف عن اسمه، القول «إن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي اقترح الاستمرار في محادثات إطار (5 + 1) على أساس أن هذا النموذج، سيكون أكثر فاعلية للتوصل إلى اتفاق لحل هذه المشكلة (الخلاف النووي)، إضافة إلى القضايا الإقليمية».

كما رأت الصحافة الايرانية، ان مشاركة الاميركيين في محادثات جنيف مؤشر ايجابي. وكتبت صحيفة «كارغوزاران» المعتدلة (كوادر الاعمار ويرأسها هاشمي رفسنجاني) ان «المشاركة الاميركية تشكل في الوقت نفسه تحديا وفرصة، لأنه اذا اثبت الطرف الآخر نية حسنة، فقد يزيد هذا الأمر فرص (التوصل الى) اتفاق. ولكن في حال العكس، فذلك سيتيح تحركا اضافيا من جانب مجلس الأمن».

وبعد أن قالت دانا بيرينو المتحدثة باسم البيت الأبيض، ان «الأمور الجوهرية ما تزال على حالها، لكن هناك تكتيكات جديدة»، فيما يتعلق بإيران، دعا قائد اركان الجيوش الاميركية الاميرال مايكل مولن امس، المجتمع الدولي الى «مواصلة الضغط على ايران» في المجالين الاقتصادي والسياسي، لتحقيق تقدم في ازمة الملف النووي الايراني. وقال مولين في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» الاميركية «على المجتمع الدولي ان يواصل الضغط على ايران في المجالين الاقتصادي والمالي كما في المجالين السياسي والدبلوماسي»، معربا عن «ارتياحه للمحادثات» التي جرت في جنيف.

وقال مولين ان تزود ايران بالسلاح النووي «قد يؤدي الى زعزعة الاستقرار في هذه المنطقة من العالم.. ونحن لسنا بحاجة الى مزيد من عدم الاستقرار هناك». واضاف «لست في حاجة الى حرب ثالثة، فإنني اخوض بالفعل حربين حاليا»، مؤكدا في الوقت نفسه ان لدى الولايات المتحدة القدرة على القيام بذلك، اذا استدعت الضرورية. الا انه اعرب عن «القلق للتداعيات الخطيرة» التي قد تنجم عن هجوم على ايران.

الى ذلك وفي تصريحات مفاجئة، تتناقض مع ما درج الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وأوساطه على تكراره حول اسرائيل، أعلن نائب الرئيس الايراني المكلف منظمة السياحة اسفنديار رحيم مشائي، في تصريح غير اعتيادي، ان ايران هي «صديقة الشعب الاسرائيلي». وقال رحيم مشائي، بحسب ما نقلت عنه صحيفة «اعتماد» ووكالة انباء «فارس» المعروفة بقربها من المحافظين في ايران، «ان ايران اليوم هي صديقة الشعب الاميركي، والشعب الاسرائيلي. ما من امة في العالم هي عدوتنا وهذا فخر لنا». واضاف «اننا نعتبر الشعب الاميركي بمثابة احد افضل شعوب العالم». ويعتبر رحيم مشائي مقربا جدا من الرئيس محمود احمدي نجاد.. الا انه اضاف على هامش مؤتمر حول السياحة «لدينا اعداء بالطبع، وان اسوأ الفظائع في العالم تستهدف الشعب الايراني».

وتأتي هذه التصريحات متناقضة مع اللهجة التي يستخدمها احمدي نجاد حيال اسرائيل، اذ اكد مرارا انه ينبغي «ازالة اسرائيل من الخارطة». وشكك ايضا في حقيقة المحرقة اليهودية خلال الحرب العالمية الثانية. وانتقد موقع «تبناك» على الانترنت المقرب من المحافظين تصريح رحيم مشائي، مؤكدا انها تصريحات «غير اعتيادية»، مشيرين الى ان «شعبية الرئيس احمدي نجاد في العالم العربي والاسلامي، ناجمة في جزء منها عن تهجمه على اسرائيل والتشكيك في المحرقة». وتأتي هذه التصريحات، وسط توترات اميركية اسرائيلية ايرانية، بسبب تعثر المفاوضات حول الملف النووي الإيراني. وكان مسؤولون اسرائيليون قد لوحوا أنهم لن يسمحوا لإيران بأن تطور برنامجا نوويا للاستخدام العسكري، إذا ما فشلت المساعي الدبلوماسية، ملوحين بهجوم على المنشآت النووية الإيرانية. كما ان واشنطن بدورها لم تلغ امكانية الحل العسكري، إذا فشلت الدبلوماسية. وفيما تعطي إيران تأشيرات قليلة للمواطنين الاميركيين، الذين يأتون من اجل السياحة أو الدراسة، فإنها لا تعطي المسؤولين الاميركيين تأشيرات دخول، كما تمنع تأشيرات الدخول على الاجانب، الذين يحملون في جوازات سفرهم تأشيرة اسرائيل. وليست هذه هى المرة الاولى التي يثير فيها رحيم مشائي جدلا، فقبل بضعة اشهر، تعرض للانتقاد من نواب اخذوا عليه مشاركته في حفل، اثناء مؤتمر حول السياحة في تركيا، قامت خلاله بعض النساء بالرقص.