البرلمان الفرنسي يتبنى مشروع ساركوزي لإصلاح الدستور بغالبية ضعيفة

اليسار يتهم الرئيس الفرنسي بالرغبة في تحويل النظام رئاسيا

TT

تبنى البرلمان الفرنسي أمس مشروعا لإصلاح المؤسسات يدافع عنه الرئيس نيكولا ساركوزي بفارق صوت واحد من غالبية الثلثين المطلوبة (539 صوتا مؤيدا و357 معارضا) وهو ما يعتبر غالبية ضعيفة جدا للمشروع الذي أثار جدلا حادا بين اليمين واليسار الفرنسيين. وللمرة الرابعة والعشرين يخضع الدستور الفرنسي الذي فصله الرئيس الفرنسي الأسبق الجنرال ديغول على مقاسه في العام 1958 للتعديل غير أن التعديلات التي أرادها خليفته الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي هي الأهم لأنها تطال حوالي نصف المواد الدستورية.

والأهم من ذلك، أن ساركوزي يعتبر هذا التعديل أحد أهم الإصلاحات التي وعد بها الفرنسيين من أجل «تحسين وتحديث إداء المؤسسات الدستورية». ولآجل ذلك، شكلت لجنة برئاسة رئيس الحكومة الأسبق أدوار بالادور عملت لما يزيد على العام لإقتراح تعديلات تتخطى الإنقسامات السياسية بين يمين ويسار وتحظى بشبه إجماع سياسي.

غير أن «حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر» والنواب اليساريون انسحبوا من اللجنة باستثناء النائب الاشتراكي الحالي والوزير السابق جاك لانغ بحجة أن عمل اللجنة ليس «إجماعيا» وان غرضها «جعل النظام السياسي الفرنسي رئاسيا» عن طريق تعزيز صلاحيات الرئيس وليس «تعزيز صلاحيات البرلمان وإيجاد نوع من التوازن» بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وفق ما يقوله اليمين. واعتبر الحزب الاشتراكي أن الحكومة والرئيس ساركوزي لم يأخذا باقتراحاته الإصلاحية وأهمها تغيير أسس انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ الذي يتم بطريقة معقدة تعطي الأفضلية لليمين ليعلن أنه سيصوت ضد الإصلاحات الدستورية، فضلا عن ذلك، يتهم اليسار ساركوزي بالتدخل والضغط على النواب الاشتراكيين و«شراء» تصويت نواب وشيوخ من الأحزاب الصغرى مثل حركة الراديكاليين اليساريين الذين يتحالفون عادة مع الاشتراكيين في المعارك الإنتخابية وأغداق الوعود يمينا ويسارا من أجل توفير الأكثرية اللازمة لإقرار التعديلات. وكان ساركوزي اختار تعديل الدستور عبر مجلسي النواب والشيوخ مجتمعين في قصر فرساي التاريخي، غرب باريس، بدل طرحه على الشعب في استفتاء عام من أجل تحاشي المفاجآت مثلما حصل في العام 2005 عندما رفض الفرنسيون التصديق على الدستور الأوروبي. ويعد الدستور معدلا بالحصول على ثلاثة أخماس النواب والشيوخ الـ906.

وبأي حال، جاءت التعديلات الدستورية نتيجة حسابات سياسية، لكنها تدخل مجموعة من العناصر الدستورية الجديدة لعل ابرزها السماح لرئيس الجمهورية بأن يتحدث مباشرة الى النواب والشيوخ مجتمعين وهو ما يمنعه الدستور الحالي بحجة الفصل بين السلطات الذي يحرم رئيس الجمهورية من التواجد تحت قبة البرلمان. ودرج ساركوزي على القول إنه الوحيد من بين ملوك ورؤساء العالم الذي لا يحق له التحدث الى النواب والشيوخ فيما ذلك مفتوح لأي رئيس زائر الى فرنسا. وتمنع التعديلات الجديدة الرئيس من ممارسة أكثر من ولايتين رئاسيتين متتاليتين فيما الدستور الراهن لا يعين عدد الولايات، لكن عمليا لم يترشح أي رئيس فرنسي لأكثر من ولايتين منذ أن قامت الجمهورية الخامسة في العام 1958. وتحرم التعديلات الرئيس من حق إصدار عفو جماعي بحيث لا تبقي له سوى حق إصدار عفو فردي كما تفرض عليه وعلى الحكومة بعض القيود لجهة الأمر بعمليات عسكرية في الخارج. وتفرض التعديلات على الحكومة إعلام مجلس النواب في مدة أقصاها 3 أيام لكن لا يحق للمجلس التصويت إلا بعد اربعة أشهر وذلك لتمديد العمليات العسكرية أو وقفها. ويخسر الرئيس رئاسة مجلس القضاء الأعلى وحقه المطلق في تعيين الموظفين من المرتبة العليا إذ تعطي التعديلات حق النظر فيها للجنة مختلطة من الشيوخ والنواب بحيث لا تصبح التعيينات نافذة إلا بحصولها على ثلاثة أخماس الأصوات.

ويبقي الدستور على مادة تفرض إجراء استفتاء شعبي على دخول أعضاء جدد الى الاتحاد الأوروبي أو طرح الموضوع على مؤتمر للنواب والشيوخ معا على أن يحظى الانضمام بتأييد أكثرية 60 بالمائة. وتعطي التعديلات النواب والشيوخ إمكانية التماس تدخل المجلس الدستوري خلال 30 يوما في حال تسلم الرئيس سلطات استثنائية بسبب تهديدات على فرنسا بموجب المادة 16 من الدستور.