الحكومة العراقية تستقبل أوباما بإعلان رغبتها في جدول زمني للانسحاب الأميركي

الدباغ يقول إن المرشح الرئاسي لم يبحث الانسحاب مع المالكي.. ويعلن موعد 2010 لإنهاء الوجود الأجنبي

صورة وزعها مكتب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أمس ويظهر فيها الى جانب المرشح الرئاسي الاميركي باراك أوباما أثناء لقائهما ببغداد ويتوسطهما مترجم (أ.ف.ب)
TT

سلطت زيارة مرشح الحزب الديموقراطي للرئاسة الاميركية باراك اوباما الى العراق، أمس، الاضواء على امكانية جدولة سحب القوات الاميركية من العراق بحلول 2010. واحتفظ أوباما بالصمت في العراق، ممتنعاً عن التصريح الصحافي اثناء زيارته الاولى الى البلاد منذ عام 2002. ولكن لم يكن اوباما بحاجة للتعليق حول خطته للعراق، إذ انه صرح تكراراً بأنه يريد سحب القوات الاميركية القتالية من العراق بحلول عام 2010. وكان الملفت في الزيارة اعلان الحكومة العراقية تزامناً مع هذه الزيارة بأن بغداد تتوقع سحب القوات بحلول عام 2010 ـ أي جدول متطابق لذلك الذي اعلن عنه اوباما.

وبعد خروجه من اجتماعه مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، سار أوباما سريعاً الى موعده مع الرئيس العراق جلال طالباني، قائلا للصحافيين الذين انتظروه خارج غرفة الاجتماعات: «سأناقش هذا الأمر لاحقاً، ولكن كان لقاؤنا بناء جدا». والتقى اوباما ايضاً بأبرز المسؤولين الاميركيين المختصين في الشأن العراقي، وعلى رأسهم قائد القوات الاميركية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس، بالاضافة الى السفير الاميركي في بغداد رايان كروكر ومنسق شؤون العراق في وزارة الخارجية الاميركية ديفيد ساترفيلد.

من جهته، اكد الناطق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ، الذي حضر الاجتماع بين المالكي واوباما، أن أوباما لم يناقش خطته لسحب القوات من العراق خلال محادثاته مع رئيس الوزراء، مضيفاً أن أوباما «لم يتحدث عن أي شيء يخص الحكومة العراقية لانه لا يملك أي صفة رسمية»، أي منصب حكومي. ولكن صرح الدباغ بأن الحكومة العراقية غير مهتمة بجدول زمني ناتج عن الحملة الانتخابية الاميركية، مؤكداً انها تعمل على «جدول زمني حقيقي يضعه العراقيون». ورداً على سؤال حول هذا الموعد، نقلت وكالة «اسوشييتد بريس» عن الدباغ قوله: «الى حد عام 2010». وتعهد أوباما، الذي كان عارض الحرب في العراق منذ 2002، أي حتى قبل اندلاعها، في حال انتخابه رئيسا للولايات المتحدة بالبدء فورا في سحب القوات بمعدل كتيبة كل شهر لإنهاء سحب كافة القوات المقاتلة في غضون 16 شهراً. وذلك يعني ان سحب القوات سيكون بحلول عام 2010، نفس الموعد الجديد الذي بدأ يتحدث المالكي والدباغ عنه اخيراً.

وجاء تصريح الدباغ بعد يوم من ضجة اثارتها مقابلة اجراها المالكي مع صحيفة «دير شبيغل» الالمانية التي نقلت عن المالكي قوله إنه يدعم خطة اوباما بسحب القوات خلال 16 شهراً. ونقلت مجلة «دير شبيغل» عن المالكي دعمه خطة اوباما سحب الوحدات المقاتلة من العراق في غضون 16 شهرا. ولكن الدباغ اكد اول من امس ان التصريحات «أسيء فهمها وترجمتها ولم يتم نقلها بصورة دقيقة». ونشرت الحكومة العراقية نصاً كاملا مترجما الى العربية للقاء على موقع رئيس الوزراء الالكتروني جاء فيه ان المالكي قال: «رغبتنا في ضوء تطور الواقع الامني والقدرات العراقية ان تكون في اقصر فترة زمنية، كلام اوباما انه اذا تسلم الحكم فانه يسحب القوات خلال 16 شهرا، نحن نعتقد بأن هذه هي مدة تزيد او تنقص قليلا قد تكون صالحة الى ان ينتهي فيها وجود القوات في العراق».

وأكدت مصادر مطلعة في بغداد لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة الاميركية استفسرت من الحكومة العراقية حول هذه التصريحات، خشية من ان تظهر خلافات علنية بين المالكي والرئيس الاميركي جورج بوش حول الخطط المستقبلية لبقاء القوات الاميركية في العراق، او انسحابها. وأكد مسؤول في السفارة الاميركية في بغداد لـ«الشرق الاوسط» أن: «المفاوضين الاميركيين على اتصال مستمر بالمفاوضين العراقيين والاتفاق بين الرئيس (الاميركي جورج) بوش ورئيس الوزراء المالكي على تحديد افق زمني آخر ما توصل اليه المفاوضون».

وكان البيت الابيض قد أعلن ان بوش والمالكي اتفقا على تحديد «أفق زمني»، وليس تاريخا محددا، لسحب القوات الاميركية، بعد اتصال هاتفي بينهما يوم الجمعة الماضي. وكررت الناطقة باسم البيت الابيض دانا بيرينو هذا التصريح أمس، قائلة ان من المتوقع ان تلحظ الاتفاقية «تاريخا منشودا لكي يتسلم العراقيون المهام الامنية، لكنها لن تحدد موعدا لإعادة الالوية القتالية الى الوطن».

وأضاف المسؤول في السفارة الاميركية أن «السناتور اوباما هنا ضمن وفد من مجلس الشيوخ ومن الطبيعي لهذه الوفود ان تلتقي بالقيادات العراقية والعسكرية». يذكر ان القوانين الاميركية تمنع مرشحين في الانتخابات من استخدام وسائل حكومية مثل السفارات للترويج لحملتهم، لذا فان اوباما يقوم بجولته بصفته عضواً في مجلس الشيوخ ويصطحب معه عضوين من المجلس. ويرافق اوباما في جولته الحالية السناتور الديمقراطي جاك ريد والسناتور الجمهوري تشاك هيغل، وهما من ابرز المعارضين للوجود الاميركي في العراق.

ويذكر ان الزيارة هي الثانية لاوباما الى العراق بعد زيارته الاولى في يناير (كانون الثاني) عام 2006. واعتبرت اوساط سياسية في العراق ان زيارة اوباما «تثقيفية»، أكثر من فرصة ليطرح رؤيته لمستقبل العراق. وقال مصدر مطلع في بغداد، طلب عدم الكشف عن هويته: «آخر مرة كان اوباما في العراق كان عام 2006، لقد تغيرت امور كثيرة منذ ذلك الوقت، ولذلك عليه الاستماع ومعرفة الامور على واقع الارض».

واستقبل الرئيس العراقي جلال طالباني المرشح الديموقراطي في منزله في حي الجادرية ببغداد، وخرج لاستقباله على درج المنزل امام الصحافة التي نقلت عن اوباما قوله: «سيدي الرئيس، من دواعي سروري ان ألتقيك مجددا. آمل ان تكون بخير». وجاء في بيان من مكتب طالباني أن الرئيس العراقي «استعرض خلال اللقاء تطور الاوضاع السياسية في العراق في ظل الربيع السياسي الذي تعيشه البلاد، لا سيما بعد استكمال حكومة الوحدة الوطنية بعودة وزراء جبهة التوافق الى الحكومة». وأضاف البيان ان طالباني «شدد على ضرورة الحفاظ على هذه المكتسبات من خلال رفع أداء القوات المسلحة وتطوير جاهزيتها عن طريق الاستمرار في تدريبها وتسليحها وتجهيزها بشكل يناسب متطلبات هذه المرحلة». وأفاد البيان الصادر عن مكتب طالباني بأن أوباما «اكد على ان زيارته جاءت للاطلاع على مجريات الامور في العراق، مشيدا بالنجاحات التي تحققت في مسار توسيع المشاركة السياسية وخاصة بعد مصادقة مجلس النواب العراقي على أسماء الوزراء المرشحين من جبهة التوافق وانضمامهم الى حكومة الوحدة الوطنية». وحضر منسق شؤون العراق في الخارجية الاميركية اجتماع اوباما بطالباني، بالاضافة الى نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح ونائب رئيس اقليم كردستان كوسرت رسول علي. والتقى أوباما بعدها بنائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي.

ومن جهته، أكد الناطق باسم القوات البريطانية في البصرة النقيب فين الدريتش، أن اوباما «اجرى نقاشات مع مسؤولين عسكريين بريطانيين وعراقيين واميركيين». وامتنع الدريتش عن الخوض في تفاصيل مضمون المحادثات، قائلا لـ«الشرق الاوسط»: «السناتور أوباما يقوم برحلة تفقدية ضمن جولة في المنطقة ولا يمكننا الخوض بتفاصيل لقاءاته». وأوضح ان زيارة اوباما الى البصرة استغرقت ساعتين في مطار البصرة، القاعدة العسكرية للقوات المتعددة الجنسية، قبل التوجه الى بغداد.

وطلب مكتب اوباما من المسؤولين العراقيين عدم التصريح للاعلام عن مضمون نقاشاتهم، كي لا تستخدم هذه التصريحات في الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة. ولكن استغل المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الاميركية جون ماكين زيارة اوباما لمهاجمة سياسته تجاه العراق. وقال ماكين أمس انه يأمل ان يعترف خصمه الديمقراطي بأنه كان مخطئا في مواقفه من العراق بعد زيارته لهذا البلد. وأوضح ماكين في مقابلة مع قناة «ان بي سي» أمس «آمل ان تتاح له الفرصة للاعتراف بأنه اخطأ بشكل خطر حول الوضع (في العراق) وانه اخطأ حين قال ان استراتيجية ارسال التعزيزات (بداية 2007) ليست فعالة». وأضاف ماكين على قناة «اي بي سي» «نحن بصدد الفوز وآمل ان يقر انه ارتكب خطأ كبيرا».