عبد الإله بن كيران.. نموذج القيادة الإسلامية الجديدة في المغرب

TT

يمثل عبد الإله بن كيران، الذي انتخب أول من أمس، أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية المغربي المعارض، نموذج القيادة الإسلامية الجديدة، التي استمدت قوتها وشرعيتها، من العمل الميداني وسط الأتباع والأنصار، ومن التأمل والتنقيب المستمر في الشأن الفكري الإسلامي، بحثا عن صيغة مقبولة توفق بين مقومات الدين، بما يحث عليه من مكارم الأخلاق والاقتداء بالقدوة الحسنة، وبين مقتضيات السياسة بمفهومها البراغماتي، ومعناها المكيافيلي بما توقع فيه أحيانا من تعارض مع الشريعة.

وانطلاقا من هذا الاعتبار، يجوز القول بما يلزم من النسبية في الحكم، إن اختيار بن كيران، لقيادة العدالة والتنمية، الذي كان أحد مؤسسيه، هو مكافأة له وللجيل الذي ينتسب إليه، على صبره وتضحياته النضالية، مثلما هو إسناد من طرف أغلبية المنتسبين للتوجه الداعي إلى الاعتدال الحذر، والتعاون المشروط مع الدولة ومع باقي المكونات الحزبية والسياسية في المغرب.

وليس سرا أن بن كيران، الذي يبدو دائما جريئا وصريحا في عرض أفكاره، يقف ضد المواجهة مع الدولة، واستغلال ضعف الأحزاب السياسية الموجودة في الساحة، لاحتلال مواقعها، كما لم يغتر بالمكاسب الانتخابية التي جناها الحزب في الاستحقاقات السابقة. وهو كثيرا ما يكرر أمام سامعيه في شتى المناسبات والمجالس ولوسائل الإعلام أيضا أن الإسلاميين في المغرب ليسوا قوة ضاربة بمفردهم ولا يدعون ذلك، ما يؤهلهم لأن يصبحوا كتلة ضاغطة في الحكومة في حالة مشاركتهم فيها. وانسجاما مع مبدأ عدم المبالغة في تقدير القوة الذاتية، لم يرغب الحزب في ملأ جميع الدوائر الانتخابية في الانتخابات التشريعية التي أدخلته إلى الغرفة الأولى في البرلمان المغربي، ما جعل منتقدي «العدالة والتنمية»، يكيلون إليه الاتهام لاحقا أنه أحنى الرأس للدولة اتقاء لغضبها على الإسلاميين، كونها تعتبرهم مسؤولين معنويا وفكريا عن التفجيرات الإرهابية التي شهدتها الدار البيضاء عام 2003.

غير أن الإنجاز الكبير الذي حققه بن كيران، وهو في منتصف العقد الخامس من العمر، إنما يكمن في أنه صنع النصر بهدوء، ولم يصدر عنه قبل مؤتمر الحزب ما يوحي أنه شكل تيارا مضادا على طول الخط لإطروحة سياسية وتنظيمية مخالفة للتي سارت عليها القيادة في ظل الولاية السابقة التي قادها سعد الدين العثماني، وبالتالي لم يظهر الأمين العام الجديد، رغبة جامحة في خلافة العثماني الذي رشحته جميع التكهنات للبقاء في الأمانة العامة خلال الظرف الانتقالي الذي يعيشه المغرب والمتميز بالعزوف عن الأحزاب، وانشغال المواطنين بمتاعب الحياة اليومية، وهي ظروف لا تصلح لإحداث انعطاف تنظيمي مفصلي سواء على مستوى الأشخاص والأفكار، في أي حزب، بدليل ما حدث أخيرا لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من أزمة مستعصية أوقف بسببها مؤتمره العام.حدثت المفاجأة الكبرى إذن، في أجواء مؤتمر هادئ للعدالة والتنمية، أو على الأقل أخفى الخلافات الداخلية، وحال دون خروجها إلى السطح، ما اعتبر درسا بليغا وجهه الإسلاميون المعتدلون، لباقي التشكيلات الحزبية المغربية التي بمجرد ما يسري الحديث في صفوفها عن تجديد القيادات والتداول على تحمل المسؤولية، سرعان ما يدب الخلاف بين أجنحتها، ويحتدم الصراع بين الطامعين في تبوؤ الزعامة.

ماذا يستطيع بن كيران والحالة تلك، أن يقدمه من قيمة سياسية وتنظيمية مضافة لحزبه خلال الولاية المقبلة التي قد تتكرر في المؤتمر المقبل؟ يتشكل الجواب على هذا التساؤل من مجموعة عناصر، بينها أن القيادة الجماعية ستكون، ولو ظاهريا، شعار المرحلة المقبلة في حزب العدالة والتنمية، بصورة لا تلغي الدور القيادي الموجه للأمين العام الجديد، المتوفر على المؤهلات الفكرية والذي يحتفظ بقواته الاحتياطية في حركة التوحيد والإصلاح المستمرة في نشاطها الدعوي.

ومن الواضح كذلك أن بن كيران، بشخصيته الكاريزماتية المحببة، وتجاربه التي راكمها من مختلف المحطات السياسية والنضالية التي مر بها خلال مساره الحافل الذي بدأه حينما كان تلميذا في ثانوية مولاي يوسف بالرباط بداية عقد السبعينيات من القرن الماضي، حيث ظهرت قدراته القيادية للمجموعات، اغتنت ونضجت خلال سنوات التحصيل الجامعي التي شكلت المعبر نحو انخراطه في نشاط دعوي تربوي وتنظيمات إسلامية غير متطرفة أهمها حركة التوحيد والإصلاح، الممون الرئيسي للعدالة والتنمية بالكوادر الحزبية، لدرجة يمكن القول معها إن الحركة بسطت الآن نفوذها الروحي والفكري على «العدالة والتنمية»، ما سيساهم في حل الإشكال القائم بين الحزب والحركة.