كراديتش.. طبيب نفسي يتحول إلى جزار

هدد علنا بالإبادة الجماعية

TT

يعتبر رادوفان كراديتش واحدا من أهم المطلوبين في العالم بارتكاب جرائم حرب، وهو متهم بإصدار أوامر بقتل نحو 8 آلاف رجل وصبي من مسلمي البوسنة في مجزرة سربرينتسا. ووقعت هذه المجزرة في شهر يوليو (تموز) من العام 1995 ونفذتها قوات صرب البوسنة تحت قيادة الجنرال راتكو ملاديتش. وأجبرت القوات أيضا أكثر من 30 ألف مسلم آخر من النساء والأطفال والمسنين على ترك منازلهم في المنطقة ذاتها.

ووجهت المحكمة الدولية، ومقرها لاهاي، اتهامات لكراديتش يوم 24 يوليو (تموز) من العام 1995 أي بعد أسبوعين من مذبحة سربرينتسا. واتهم كراديتش، وملاديتش الذي لم يقبض عليه بعد، بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وكذلك بانتهاك قوانين وأعراف الحروب بالإضافة لارتكاب انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف. ولد رادوفان كراديتش في يونيو (حزيران) من العام 1945 في اسطبل في بيتينيتشا، وهي قرية تقع في الشطر الذي ينتمي حاليا لجمهورية صربيا والجبل الأسود (مونتينيغرو) من منطقة ماونت دورميتور، وذلك لعائلة تنقسم بين الصرب القوميين الموالين للملكية من جانب والده والشيوعيين اليوغوسلاف من جانب والدته.

وفي نهاية المطاف ربح الشيوعيون في يوغوسلافيا، لكن يبدو أن كراديتش كان يميل بشكل أكبر إلى القوميين الذين بدأت بوادر تأثيرهم عليه في الظهور خلال أيام دراسته للطب وتخصصه في الطب النفسي. ويعرف عن كراديتش أيضا أنه شاعر وموسيقي كان يعزف لأصدقائه على آلة موسيقية وترية تقليدية قديمة مؤلفة من وتر واحد يعزف عليها بمصاحبة أغاني تستعيد ذكريات الملاحم الكبيرة في التاريخ الصربي.

ومن منطلق التزامه الكامل بفكرة صربيا الكبرى، رفض كراديتش تفكيك يوغوسلافيا التي كان يراها القوميون مظلة تجمع تحتها مناطق صربية وجيوبا في كرواتيا والبوسنة، فضلا عن جيوب أخرى في مقدونيا وإن بشكل أقل. وفي يوليو (تموز) من العام 1990، شكل كراديتش الحزب الديمقراطي الصربي في البوسنة بعدما أنهى التحول إلى النظام الديمقراطي البرلماني أربعة عقود من الحكم الشيوعي للبلاد. وباعتباره مؤسسا وقائدا للحزب الذي اتخذ موقفا معارضا بشدة لانفصال البوسنة عن الاتحاد اليوغوسلافي، كان كراديتش أول سياسي يهدد علنا جماعة عرقية بارتكاب إبادة جماعية بحقها.

وخلال مناقشة برلمانية في خريف عام 1991، هدد كاراديتش المسلمين الذين كانوا يشكلون قومية معترف بها رسميا بداخل يوغوسلافيا السابقة بمحوهم من على سطح الأرض إذا ما انفصلت البوسنة عن يوغوسلافيا. وبعد أقل من عام، بدأ كاراديتش تنفيذ تهديده على الأقل في الأجزاء التي اعتبرها الصرب تابعة لهم في البوسنة، وذلك في إطار وضعه له معلمه في صربيا الرئيس السابق الذي توفي في السجن في لاهاي سلوبودان ميلوسيفيتش.

وخلال أعمال العنف التي قادت لاندلاع حرب البوسنة أوائل العام 1992، عمل ميلوسيفيتش على إمداد صرب البوسنة بالأسلحة والدعم اللوجيستي وكذلك الأفراد من بين أولئك الذين كانوا منضوين تحت لواء الجيش اليوغوسلافي. وفي ظل اهتمام متدن إلى أقصى درجة من قبل وسائل الإعلام العالمية والدوائر الدبلوماسية والاستخباراتية، شنت قوات صرب البوسنة بقيادة كراديتش ومساعده العسكري الجنرال راتكو ملاديتش وبمساعدة من الجيش اليوغوسلافي السابق حملة تطهير عرقي وإرهاب للقرى أسفرت عن مقتل مسلمين وكروات بوسنيين ووضع سراييفو تحت الحصار. غير أن حرب البوسنة والهرسك التي استمرت أربع سنوات برهنت أيضا على أن كراديتش لم يكن مجرد زعيم قومي متعصب ولكنه مفاوض وسياسي مرن أيضا. ومنذ بداية مسيرته السياسية، جمع كراديتش حوله مجموعة من مفكري صرب البوسنة من ذوي الميول القومية شكلوا الدائرة المقربة منه.

ومن بين أبرز المؤيدين المخلصين لكراديتش خلال حرب البوسنة وبعدها، زوجته ليليانا وابنته سونيا بينما ظل نجله ساسا بعيدا عن دائرة الضوء. وفيما رافقت ليليانا زيلين كاراديتش التي كانت زميلة للزعيم السابق لصرب البوسنة في الجامعة وهي طبيبة نفسية أيضا، زوجها في معظم جولات التفاوض خلال الحرب، ظلت هذه السيدة بعيدة عنه طيلة فترة هروبه.