مهجرون يعودون إلى ديارهم في ديالى.. ولكن إلى منازل مدمرة

أحدهم شاكيا: منزلي هو حياتي كلها وإذا لم يكن لديك منزل فمن سيحترمك؟

أطفال عراقيون نازحون في مخيم قرب خان بني سعد يجلبون الماء من قناة (أ.ف.ب)
TT

رغم تحضيرات تقوم بها القوات العراقية لاطلاق عملية عسكرية كبرى مطلع الشهر المقبل في محافظة ديالى التي مركزها بعقوبة والواقعة شمال شرق بغداد، يعود نازحون من قرى المحافظة الى ديارهم والى منازلهم المدمرة.

ويقول مرعي محمود الذي عاد بعد سنتين من الغياب بفعل التهجير الى قريته ليجد منزله مدمرا على غرار العديد من النازحين «اذا لم يكن لديك منزل، فلن تنال احترام احد». وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، يقع المنزل في قرية العيثة التي يسكنها سبعمائة شخص من السنة والشيعة مناصفة وتبعد مسافة ثلاثين كيلومترا الى الجنوب من بعقوبة. ووسط الحقول التي يلفحها القيظ واكوام من الحجارة والاخشاب المحطمة وقضبان الحديد الملتوية، تقيم 65 عائلة شيعية في عدد من الخيم بشكل مؤقت. وكان هؤلاء قد غادروا القرية خريف عام 2006 بعد ان دمر انصار تنظيم «القاعدة» منازلهم بغية ردعهم عن التفكير في العودة.

وما يزال منزل محمد جاتون قابلا للسكن نوعا ما. ويقول الرجل صاحب اللحية البيضاء «كنت محظوظا (...) لقد عدت لان الاوضاع اصبحت افضل اليوم نظرا للحماية التي يقدمها الاميركيون وقوات الصحوة».

وتحارب العناصر المنضوية في مجالس الصحوة او الاسناد، وفقا لمختلف التسميات، اتباع «القاعدة» في مناطق متفرقة في العراق وخصوصا في مناطق الوسط والغرب منذ انطلاقتها في محافظة الانبار اواخر عام 2006. وقد التحق نحو ثمانين الف عنصر كانت غالبيتهم تقاتل الجيش الاميركي بمجالس الصحوة وعددها اكثر من 130 منذ مطلع عام 2007 لمحاربة شبكات «القاعدة» بدعم مالي من الاميركيين الذين يطلقون عليهم تسمية «ابناء العراق». وبدأت العملية كحركة محدودة في محافظة الانبار (غرب)، معقل التمرد سابقا، في اوساط زعماء العشائر في سبتمبر (ايلول) 2006، لكنها سرعان ما تحولت الى ظاهرة تشمل جميع مناطق العرب السنة.

ولم يتعرض الرجل لأي تهديد منذ عودته الى منزله في يونيو (حزيران) الماضي لكنه اضطر الى المغادرة في خريف عام 2006 عندما «قتلت القاعدة تسعة اشخاص (...) كان الرعب سيد الموقف». وقد غادر مئات الاف العراقيين اماكن سكناهم اضطرارا او طواعية وخصوصا خلال عام 2006 مع اندلاع اعمال عنف طائفية اودت بالالاف قبل ان تتراجع حدتها في منتصف عام 2007.

اما مرعي (45 عاما)، فقد وجد منزله ركاما ويقول بألم وحسرة «منزلي هو حياتي كلها. واذا لم يكن لديك منزل فمن سيحترمك؟» ولدى هذا المزارع السابق الذي يبدو اكبر بثلاثين عاما من عمره الحقيقي اربعة اولاد لكن اخبار الخامس (17 عاما) انقطعت عندما تعرض للخطف عام 2006 ويضيف «حينها، كانوا يطلقون النار علينا معظم الاحيان باسلحة خفيفة او ثقيلة، ومنذ ان بدا الجيش العراقي بعمله الجيد، اصبحت عائلات كثرة تريد العودة الى منازلها».

لكن مرعي يعاني من قلة العائدات قائلا «لا عمل لدي بسبب الجفاف المستمر منذ ثلاث سنوات. ماذا بامكاني ان افعل؟» كما تنقصه الاموال اللازمة لاعادة اعمار منزله فهو ما يزال ينتظر المبلغ الذي تخصصه الحكومة بقيمة سبعة ملايين دينار (5500 دولار) «لكن اين هو؟ لا شيء من ذلك هنا»، مشيرا الى رجال واطفال يقومون بسحب ما امكن من بين الانقاض.

وفي بلدة خان بني سعد (75 الف نسمة) القريبة، تبدو الاوضاع اكثر توترا في حي العسكري الذي يشكل خط تماس بين السكان السنة والشيعة. وما تزال اثار الطلقات والقذائف واضحة للعيان في واجهات المنازل التي تدمر نصفها كما تتدلى الكوابل المقطعة على الارض التي تفيض بالقمامة.

وعادت حوالي 250 عائلة شيعية في الفترة الاخيرة على غرار عبد العزيز صبح الله (41 عاما) مع زوجته واطفاله السبعة الذين يسكنون منزلا لاحد الاقارب من دون اثاث فقط بعض الحصر على الارض. ويقول «قبل مغادرتنا في عام 2006، كان منزلنا كبيرا جدا تسكنه عائلتنا المكونة من 24 شخصا وقد دمروه بالمتفجرات فور مغادرتنا». ويضيف صبح الله «قتل احد اشقائي واثنان من ابناء عمومتي كما ان احد اشقائي ما يزال في عداد المفقودين»، ويتابع «كان الامر جحيما عام 2006، تقاتل السنة والشيعة كانت هناك القاعدة. اما الان، فالاوضاع هادئة لكن ليس هناك عمل او اموال كما ان الغذاء غير متوفر (...) اثنان من اطفالي يعانيان المرض».

وفي مكان ابعد، يتجاذب مختار الحي كريم الحديث مع دورية اميركية بخصوص النقص في المياه والكهرباء بدون كلل رغم تسريع افراد الدورية خطاهم هربا من هاجرة الشمس. ويقول احد الجنود الاميركيين «نتحرك بسرعة قبل ان تستحوذ على احدهم فكرة نصب مدفع هاون».