لبنان: لعبة «هدر الوقت» تؤخر النهوض والأجور لم تصحح وأزمتا الغلاء والكهرباء تستفحلان

أصوات الاقتصاديين ترتفع وسط غياب لافت للنقابات

TT

عكست دعوة رئيس الهيئات الاقتصادية، عدنان القصار، الى عقد ورشة عمل اقتصادية وطنية شاملة بموازاة مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، مدى اهتمام الاقتصاديين باغتنام الفرصة المتاحة أمام لبنان لدخول سباق النمو القياسي الذي تعيشه المنطقة نتيجة ارتفاع أسعار النفط وتعاظم الثروات العامة والخاصة.

ولم يتردد القصار في التحذير من مغبة رهن الاقتصاد بالنزاعات السياسية «لأن الفرص الذهبية لا تتكرر دائماً. والموقف ذاته يكرره رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، جوزيف طربيه، الذي يشير الى خسارة محققة لمعدلات نمو اقتصادية تقارب الـ20 في المائة خلال السنوات الماضية جراء الاختلالات السياسية الداخلية وقبلها عدوان يوليو (تموز) 2006 وجريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري وما تلاها من اغتيالات وتفجيرات وتداعيات، فضلا عن الخسائر المباشرة التي ضربت معظم القطاعات الناشطة وفي مقدمها السياحة والتجارة والاستهلاك.

ومن جهته، يؤكد رئيس جمعية مصارف لبنان فرنسوا باسيل انه «لم يعد مسموحا أو مقبولا إضاعة الوقت بما لا يجدي نفعا للناس والمواطنين، فحق الناس على الدولة ان تؤمن وتحسن الخدمات العامة. وما نتكلفه كبلد وكمجتمع يكفي لتأمينها.وحق الناس على الدولة ان تشجع الاعمال والاستثمارات وان تخلق مناخا مؤاتيا لتوسيع المؤسسات وانشاء مؤسسات جديدة تتيح فرصا جدية لشبابنا ليعملوا فيها على نحو مفيد لهم وللبلد. وحق الناس على الدولة، كذلك، ان توفر الامن والعدل والاستقرار. أوليس ذلك ابسط وظائف اي دولة في اي زمان واي مكان؟ ولتعلم الحكومة وقد تمثلت فيها كل الكتل النيابية، اننا كجمعية مصارف سنكون سندا ودعما لها، كما اننا لن نتوانى عند الضرورة عن مساءلتها ومراقبة اعمالها».

ويستغرب الاقتصاديون استخفاف اللبنانيين عموما والسياسيين خصوصا بعامل الوقت. فالاتفاق السياسي يحظى بإجماع داخلي ودعم خارجي. و«ما كتب قد كتب» ولا شيء يبرر هذه المماطلة في اقرار البيان الوزاري وانطلاق الاعمال الجدية والمتواصلة على جبهتي الحكومة ومجلس النواب في سبيل التعويض جزئياً عن الغياب شبه التام لأهم مؤسستين في الدولة تحت وطأة الخلافات والصراع المفتوح بين الجبهات السياسية وصولا الى الانفجار المؤلم والكارثي في 7 مايو (ايار) الماضي.

وقد استهلكت لعبة «تضييع الوقت»، بعد اتفاق الدوحة قرابة الشهرين بين التكليف واستشارات التأليف وصدور مرسوم التأليف ومفاوضات البيان الوزاري وصولا الى اول جلسة اعمال مرتقبة الاسبوع المقبل، من دون تذمر اي طرف سياسي او اعتراض جدي من هيئات المجتمع المدني المأخوذ، حتى الساعة، بالتحول الكبير الذي انقذ البلاد من حرب اهلية.

لكن اللافت في هذا المضمار، غياب القضايا الاجتماعية والمعيشية عن واجهة الاهتمام بعدما شكلت عنوانا اساسيا للنزاعات السياسية وكانت فتيل الانفجار الأمني في حوادث 7 مايو (ايار) الماضي، وهو يوم الاضراب العام الذي دعا اليه الاتحاد العمالي العام وهيئات نقابية اخرى ضد سياسة الحكومة في موضوعات الغلاء والكهرباء والأجور وسواها. فما اتخذته الحكومة السابقة من توصية بزيادة الحد الادنى للاجور وتصحيحها بمعدل 200 الف ليرة (نحو 135 دولاراً) لم يجد طريقه للصدور بمرسوم وفق القانون. ولم تصل التوصية الى الرواتب لا في القطاع العام ولا في القطاع الخاص بل تم الاعلان رسميا عن اعادة طرح الموضوع بكامله امام الحكومة الجديدة.

وفي موضوع الكهرباء، يتواصل التقنين، منظما حينا وعشوائيا حينا آخر، شاملا معظم المناطق اللبنانية. والأسوأ في موضوع الغلاء انه يواصل التفاقم بسرعة متسببا بالمزيد من الاختلال بين المداخيل وحاجات العيش الأساسية. وقد سجلت ادارة الإحصاء المركزي ارتفاعا بمعدل 6.2 في المائة في مؤشر التضخم خلال النصف الاول من العام الحالي، علما ان نسب ارتفاع اسعار المحروقات راوحت بين 60 و80 في المائة، ما تسبب بارتفاعات اضافية في اكلاف النقل، وبالتالي اسعار المواد المنقولة، مع ترقب ازمة جدية مع دخول فصل الشتاء بعدما بلغ سعر صفيحة المازوت نحو 26 دولارا، ما يفرض على سكان المناطق الجبلية رصد ما لا يقل عن 1200 دولار (ما يمثل 6 أضعاف الحد الأدنى للأجور) للحصول على التدفئة.

اما في البعد الاقتصادي، فان الايجابيات الجزئية المحققة في قطاع السياحة والخدمات وتحسن أسعار الأسهم والأوراق المالية المصدرة من مؤسسات لبنانية وتراجع المخاوف من حصول خضات نقدية ومالية، لم تحجب الحاجة الملحة لدى القطاعات كافة لإعادة تفعيل عمل المؤسسات والقضاء بعد غياب او تغييب استمرا طويلا، شرط ان ينطلق ذلك من استقرار سياسي جدي يرتكز على الروح الايجابية والانفتاح والحوار الهادئ.ويقع في مقدم الاهتمامات رصد مدى قدرة الحكومة الجديدة، ذات العمر المحدد سلفاً بنحو 10 اشهر، على تحويل النزاعات والاصطفافات السابقة الى دينامية تنافسية في خدمة الوطن والمواطن وبما يعكس انطباعات ايجابية للخارج بعدما نجح السياسيون، باختلاف انتماءاتهم، في تدمير رصيد الثقة غير الكبير اصلا لدى المجتمعين العربي والدولي.