التعليم عن بعد.. عالم غريب وفريد

يريح الأساتذة من تكلفة التنقل والوقت ولكنه يعيق التواصل مع الطلاب

TT

جلست ترينتي ويلبورن، وهي مدرسة بإحدى المدارس العليا في مقاطعة برنس وليام بولاية فيرجينيا، إلى المكتب في منزلها الذي يطل على ملعب غولف، تقرأ تعليقا بالأحرف الكبيرة جاءها من طالب متهور. بعد ذلك جاءتها رسالة أخرى من أحد الطلاب، ولكن كانت تتميز هذه الرسالة بالصراحة. قال الطالب في الرسالة: «عندما التحقت لأول مرة بالمدرسة العليا، لم أكن أعرف لفترة من أنا.... حاولت أن أتقمص شخصية لا تناسبني». وعندما تلقت ويلبورن هذه الرسالة، لم تتمكن الا ان تتساءل: «من الذي يمكن أن يبوح بذلك بصوت مرتفع داخل الفصل؟».

يكتشف المدرسون الذين يعملون في التدريس عن طريق الإنترنت لصالح مدارس عامة محلية، أن ميزات العمل داخل المنازل يمكن أن يكتنفها بعض المعوقات، مثل المكابدة من أجل فهم بعض الرسائل المربكة من تلاميذهم أو وصول بعض الرسائل الوقحة وتقييم أداء تلاميذهم دون قراءة تعبيرات الوجه. وقد تزايد معدل الدورات التعليمية عن طريق الإنترنت، ومعظمها في المدارس العليا، في الأعوام الأخيرة، على الرغم من الكثير من الجدل حول فعالية هذا النظام بالمقارنة مع نظام التعليم التقليدي داخل المدارس. وقد ارتفع عدد المرات التي سجل فيها الطلاب في دورات التعليم عن بعد من خلال المدارس العامة (عن طريق استخدام الإنترنت أو الفيديو أو غيرهما من التقنيات الحديثة) من 317 ألفا في العامين 2002 و2003 إلى أكثر من 506 آلاف في العامين 2004 و2005، بحسب المركز القومي لإحصاءات التعليم في يونيو (حزيران)، ويمثل ذلك زيادة بنسبة 60 في المائة. ويشير تقرير للمركز إلى أنه في 66 في المائة على الأقل من الحالات، فإن الطلاب قد حصلوا على تقدير مقبول. ويمكن لهؤلاء الطلاب الحصول على بعض الدورات التعليمية المتطورة غير المتاحة بالمدارس المحلية وأن يلبوا شروط الحصول على شهادة التخرج. ومن الممكن القول بأن هناك منافسة حامية من أجل الحصول على وظائف التدريس عن طريق الإنترنت، ويفضل الكثير من المدارس تمويل عدد محدود من الدورات والمدرسين. وتقول غينا غونز، المنسقة الإدارية بمدرسة «فيرتشوال هاي» في مقاطعة الأمير وليام: «ليس لدينا إقبال كبير، يرسل البعض سيرهم الذاتية بصورة عشوائية، ولكن ليس هناك الكثير من الفرص المتاحة». ويوجد في مدرسة «فيرتشوال هاي» 17 مدرسا، يعمل نصفهم تقريبا من منازلهم. ويمكن للمدرسين الذين يحبون العمل ليوم كامل الاستفادة من بعض البرامج المنتشرة في الولاية، والتي يمكن أن تكون عنصر جذب للطلاب من أي مكان في الولايات المتحدة أو حتى من كافة أنحاء العالم. وقد سجل طالب من شنغهاي مؤخرا في مدرسة «فيرتشوال فيرغينيا». وهناك إقبال كبير على وظائف في البرامج التي تشرف الدولة على تمويلها. وتقول متحدثة باسم مدارس «أيه دي سي» إن نظام التدريس لا يقدم دورات تعليمية عن طريق الإنترنت. وهي متاحة في كافة أنحاء ماريلاند عن طريق برامج مثل مدرسة «فيرتشوال». وفي مدينة «فيرفاكس»، يحصل فيها نحو 40 مدرسا يشاركون برامج تعليمية عن طريق الإنترنت على 9 آلاف دولار في الدورة التعليمية الواحدة، حسب ما يقول مايك كوالسكاي، المسؤول عن برنامج التعليم عن طريق الإنترنت. ويضيف: «هناك الكثير من المواطنين المهتمين بذلك، ولكن بالنسبة للمؤهلين، فتلك قضية أخرى، فالكثير لم يخضع لدورة تدريبية».

ويتضمن اليوم النموذجي للمدرسين عن طريق الإنترنت الجلوس أمام جهاز الكومبيوتر خلال ساعات العمل، ومعدلها أربع ساعات في اليوم خلال الصيف وساعة إلى ساعتين في الخريف والربيع. ويقوم المدرسون بالإجابة على تساؤلات الطلاب عن طريق البريد الإلكتروني أو الرسائل الفورية أو عن طريق الهاتف. ويقوم هؤلاء المدرسون بإعطاء واجبات للطلاب ويتصلون بآبائهم. وعادة يشرفون على الاختبارات الكبيرة داخل إحدى المدارس. جلست مدرسة اللغة الإنجليزية ويلبورن، التي تبلغ من العمر 28 عاما، داخل منزلها بـ«مانساس بارك»، تراسل طلابها في المدرسة خلال الصيف وتقيّم الفروض التي أنجزوها. وعلى شاشة جهاز الكومبيوتر الخاص بها، رأت تعليقا على ساحة المناقشة بالفصل أغضبها بعض الشيء، حركت يدها بسرعة على لوحة المفاتيح لتكتب ردا على التعليق. قالت: «هذا جيد ولكن يمكن اجراء تعديلات في بعض الأفكار». وترى ويلبورن، التي تحصل على 300 دولار عن الطالب خلال الدورة التعليمية الواحدة، أن أسرتها تعيش حياة كريمة. تقول المدرسة إن زوجها يعمل كمدرس ليوم كامل وأنها لا تضطر للدفع مقابل الأسعار المرتفعة للبترول وأنها يمكنها أن تعمل في وظيفتين، كمدرسة في إحدى الكليات عن طريق الإنترنت وكموزعة مستقلة لشركة «شاكلي» للمنتجات الغذائية. وأنه يمكنها أيضا رعاية أطفالها بدلا من أن تضطر إلى إرسالهم الى دور الرعاية مقابل مبلغ كبير. وتضيف ويلبورن: «أنا وزوجي لا نحب العمل ليوم كامل من التاسعة حتى الخامسة».

وفي بعض الأحيان تضطر ويلبورن لأن تكون حازمة ولكن مع التحلي بالدبلوماسية في ردها عبر البريد الإلكتروني. وقالت مثلا ردا على طالب كتب في ساحة المناقشة أن أبويه «ليس لهما سلطة علي»: «يترائى لي أنه طالما أنك تعيش في بيتهما، وأنهما يدفعان ثمن طعامك وملبسك والأجهزة الإلكترونية الكثيرة المتنوعة التي تأتيك، أنهما يتمتعان ببعض السلطة عليك».

وتقول آمي بيانكو، وهي مدرسة رياضيات في مقاطعة الأمير وليام تبلغ من العمر 40 عاما، إن المحادثات عن طريق البريد الإلكتروني حول الدرجات والواجبات المنزلية من الممكن أن تكون خادعة. بدأت بيانكو العمل في هذا المجال قبل عدة أعوام، وتقول إن هذه الوظيفة تتيح لها قضاء المزيد من الوقت مع عائلتها.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»