متحف جديد يكشف ماضي غزة المبهر

يعكس تعرض القطاع للحصار من قبل الإسكندر الأكبر والفرس والبريطانيين

TT

قد تبدو الفكرة وكأنها مجرد لهو من قبل شخص ثري يرغب في الهروب من الشقاء المحيط به، لكن عندما يفتتح «جودت الخودري» أول متحف للآثار القديمة في غزة خلال هذا الصيف، سيأتي الأمر بمثابة تعبير عن مشاعر الوطنية الفلسطينية يكشف النقاب كيف أن هذا الشريط الساحلي الضيق الذي يعاني من فقر وعزلة متنامية ويخضع لحكم حركة حماس كان نقطة التقاء ثرية بثقافات متعددة. يوجد المتحف داخل قاعة ساحرة مصنوعة من الأحجار المأخوذة من المنازل القديمة وألواح خشبية تخص خط السكة الحديدية السابق ويضم مصابيح برونزية وأعمدة مرمرية عثر عليها صيادو غزة وعمال البناء بالقطاع. وتتضمن المعروضات رؤوس أسهم وأواني تنتمي للعصر البرونزي وأعمدة ترجع للحقبة البيزنطية، بيد أن شظف العيش الذي يهيمن على الحياة في غزة يجعل من المتحف ومعروضاته التاريخية الثرية مصدر إبهار للكثيرين. من جهته، أوضح الخودري أن: «الفكرة برمتها تدور حول توضيح جذورنا العميقة الضاربة في الكثير من الثقافات. ومن المهم أن يدرك الناس أنه كانت لدنيا حضارة عظيمة في الماضي. إن إسرائيل تحظى بشرعية بناءً على تاريخها. ونحن أيضاً». وبطبيعة الحال لا يوفر التاريخ الشرعية فحسب، وإنما كذلك إطار عمل للتكيف مع الحاضر. في هذا السياق، أشار الخودري إلى أن «غزة عانت أكثر من غالبية المدن الأخرى، حيث تعرضت لحصار من قبل الإسكندر الأكبر والفرس والبريطانيين». وتتضمن مجموعة المقتنيات الخاصة بـ«الخودري» آلاف المواد، لكن بعض أكثر هذه المواد لفتاً للانتباه لن يتم عرضه الآن، بما في ذلك تمثال للآلهة أفروديت في رداء شفاف، إلى جانب صور للآلهة القديمة الأخرى ومصابيح زيتية. وفي إجابته عن السبب وراء ذلك، أشار الخودري إلى سيطرة حماس على مقاليد السلطة والتقوى الدينية التي تسود بين السكان بشكل عام، منوهاً بأنه: «أود أن يحالف النجاح مشروعي».

يذكر أن الخودري دعا أحد وزراء حكومة حماس لزيارة المتحف أخيرا وأشار إلى صليبين مرسومين على أحد الأعمدة البيزنطية للتأكد من أن الوزير ليس لديه اعتراض عليهما. وشرح الخودري أن أكثر ما يثير حزنه الفجوة الواسعة القائمة بين ما تتسم به غزة حالياً من ضيق في الأفق وما كانت تتميز به في الماضي من انغماس في الشؤون الدنيوية ومباهجها. ويعتبر الخودري، 48 عاماً، وهو صاحب شركة إنشاءات بارزة، واحداً من الأصوات الداعية إلى التعايش السلمي والثقافة العالمية، وظل يعكف على جمع المواد الأثرية منذ 22 عاماً منذ عثوره بالمصادفة على عملة إسلامية زجاجية. ومنذ ذلك الحين أصدر أوامره إلى عمال البناء في شركته بالاحتفاظ بأي مواد أثرية يعثرون عليها خلال عمليات الحفر. ويعلم الصيادون جيداً أن أي مادة أثرية يعثرون عليها ستعود عليهم بسعر جيد حال عرضها على الخودري. عام 2005، تمكن الخودري من إقناع محمود عباس (الرئيس الفلسطيني)، من السماح له ببناء متحف أثري وطني بمساعدة سويسرية. وبالفعل، تم اختيار موقع معين وتمت إقامة معرض داخل متحف جنيف للفنون والتاريخ والذي اجتذب أعداداً ضخمة من الجمهور. ونتيجة توقف المشروع وإغلاق إسرائيل لقطاع غزة، قرر الخودري تنفيذ المشروع بنفسه. وبالفعل، قام ببناء مطعم ومقهى، وعلى نفس قطعة الأرض قام ببناء المتحف. وأطلق على المجمع بأكمله اسم «المتحف»، ويقع على الساحل بالقرب من معسكر «شاتي» للاجئين. ونظراً لانعدام النشاط داخل غزة تقريباً بسبب إغلاق المصانع والجمود الذي أصاب الاقتصاد، يبدو من المحتمل أن يجتذب المتحف الكثير من الزوار. وفي إطار تعليقها على مشروع متحف غزة، أكدت الدكتورة دوثان أنها كانت تأمل منذ أمد بعيد في إقامة متحف في غزة للمواد التي عثرت عليها. من جانبه، قال الخودري إنه زار المتحف الإسرائيلي وأمل في إعادة بعض من مجموعة غزة إلى القطاع مرة أخرى في يوم ما «بعد أن تصبح لدينا حكومة مؤهلة لذلك ولديها القدرة على حماية تراث غزة». وأضاف أن الدكتورة دوثان «قدمت إلينا خدمة لأن كل هذه المواد كانت ستتعرض للضياع أو التدمير اليوم».

من ناحيته، قال جيمس إس. سندر، مدير المتحف الإسرائيلي، إنه حال قيام دولة سلمية في غزة ولإقامة متحف بها، فإنه لا يرى ما يمنع إقرار ترتيبات إقراض طويلة الأمد مع القطاع.