الخرطوم: المظاهرات «دولاب عمل يومي» حتى يُهزم مدعي جنايات لاهاي

مصلون ورجال طرق صوفية يدعون الله لنصرة البشير ضد مَنْ وقفوا وراء المذكرة

سودانيون يرحبون بالبشير خلال زيارته الى مدينة الجنينة بدارفور أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

منذ ان أطلق مدعي المحكمة الجنائية في لاهاي، لويس مورينو اوكامبو، إعلانه المثير للجدل بالحصول على موافقة بتوقيف الرئيس عمر البشير بتهمة جرائم حرب في إقليم دارفور، الاثنين الماضي، انخرط السودانيون في مظاهرات يومية في العاصمة الخرطوم وعواصم الولايات، في سياق حملة تعبئة عامة أعلنها حزب المؤتمر الوطني الحاكم لمناهضة مذكرة اوكامبو، ولتجديد التأييد للبشير وابداء الاستعداد للدفاع عنه تحت كل الظروف. ومنذ ذلك اليوم ما انفكت الخرطوم تصبح وتمسي على صوت مظاهرة، كما صارت حديث المجالس، وبمثابة المؤشر الذي يحدد مسار تحركات الناس خلال ساعات النهار على وجه التحديد، مما أعاد للأذهان سلسلة مظاهرات نظمتها الجبهة الإسلامية القومية بزعامة الدكتور الترابي عام 1989 مناهضة لحكومة الصادق المهدي رئيس وزراء الحكومة الديمقراطية آنذاك، وعرفت بثورة المصاحف استمرت لأكثر من ثلاثة اشهر متصلة وباشكال مختلفة في الخرطوم.

وهيمن الدعاة والائمة على مشهد التظاهر في الخرطوم ضد المذكرة، وبعد صلاة الجمعة يخرج أنصار حزب المؤتمر الوطني ومصلون ورجال طرق صوفية بزيهم المميز المرقع في مظاهرة يحملون المصاحف وينددون بمدعي لاهاي ومذكرته. وسارت تلك المظاهرات بعد ان حشد أئمة المساجد المصلين وأفردوا فسحة من الزمن للدعاء ضد من وقفوا وراء المذكرة، داعين الله بأن ينصر البشير على من وصفوهم بالمستكبرين. وفي بادرة لافتة، تحرك اتحاد الناشئين الرياضيين صباح السبت الماضي في مظاهرة جابت جملة شوارع الخرطوم وشقت طريقها إلى بيت الضيافة حيث يقيم الرئيس البشير، الذي استقبلهم وقدموا له البيعة بنصرته على من اعتبروهم أعداء السودان. ويؤكد المسؤولون في حزب المؤتمر الوطني ان هذه المظاهرات لن تتوقف إلى ان يتم إجهاض قرار مدعي لاهاي. وحصدت الخرطوم حتى أمس نحو أكثر من ست مظاهرات بمعدل مظاهرة على الاقل في اليوم الواحد، وانطلقت المظاهرة الأولى عصر الاثنين، بعد لحظات من اعلان مدعي لاهاي المذكرة، نظمها الاتحاد الوطني للشباب، وهو الذراع التعبوي الجماهيري لحزب المؤتمر الوطني، إذ تجمعت في ميدان الشهداء الذي يطلق عليه المحللون ميدان المظاهرات بالخرطوم ويطل على القصر الرئاسي، ثم جابت شوارع وسط العاصمة، وتوقفت كثيرا عند سفارات الدول التي دعمت القرار مثل بريطانيا وفرنسا، ومنظمة الأمم المتحدة، وبعد ساعة في الاقل انطلقت مظاهرة اخرى نظمها الاتحاد النسائي الموالي لحزب البشير، صبت جام غضبها على السفارات التي أيدت طلب أوكامبو استصدار القرار، قبل ان تتفرق على وعد من أنصارها للانخراط في مظاهرات اخرى لاحقاً.

وتوالى غضب أنصار البشير على مدعي لاهاي، حيث خرجت يوم الثلاثاء الماضي مظاهرة نظمها شباب حزب المؤتمر الوطني من داخل مسجد جامعة الخرطوم، وانطلقت بعد صلاة الظهر بشارع الجامعة الشهير، مرددة الهتافات المعادية لمدعي لاهاي وداعمة البشير. وفي مشهد اقرب إلى الاحتلال لشارع الجامعة، وصلت المظاهرة إلى مبنى الأمم المتحدة المجاور، والذي كان في تلك للحظة شبه مغلق وفقاً لإجراء احتراز اتخذته المنظمة على خلفية إعلان المذكرة. ومع ذلك هتف المتظاهرون لأكثر من ساعة أمام مبنى المنظمة الدولية، واتهموها بالتواطؤ مع مدعي لاهاي، ورفعوا العلم السوداني وصور الرئيس البشير في أكثر من موقع حول مبنى المنظمة.

وفي الصباح الباكر يوم الأربعاء، تجمعت الآلاف من النساء والطلاب امام مبنى البرلمان السوداني، يهتفون ضد المذكرة ومن وقف خلفها من الدول الغربية، ورفعوا شعارات مماثلة وأخرى تؤيد الرئيس السوداني، وتبارى منظمو المظاهرة ونواب في البرلمان في الخطب التي كانت بالنسبة لهم فرصة لتوجيه اعنف هجوم على المحكمة الجنائية ومدعيها العام، ولم تتفرق المظاهرة إلا بعد ان انتهت جلسة خاصة عقدها النواب لمناقشة المذكرة واصدار بيان ذهب في نفس الاتجاه المناهض للمذكرة.

وخصص يوم الخميس الماضي لمظاهرة لقبائل دارفور في العاصمة نظمها أنصار حزب المؤتمر الوطني وسط هذه القبائل، تحركت من اطراف مدن الخرطوم وام درمان والخرطوم بحري بالحافلات وسيراً الى ان وصلت لميدان الشهداء حيث نصبت منصة عالية تبارى عليها أعيان هذه القبائل في شجب المذكرة وحيثياتها التي وردت في المذكرة وما فيها. وتجري ترتيبات بصورة مكثفة لمظاهرة أطلق عليها منظمُوهَا مظاهرة «بيعة الموت» من أجل البشير. من المقرر ان يحشد لها نحو 10 آلاف من الشبان من يسمون المجاهدين ليؤدوا البيعة للرئيس ويؤكدوا عبرها استعدادهم للموت من اجله. وشملت الاحتجاجات صياماً جماعياً ودعاءً ضد المذكرة، نصرة للبشير، وحملات لجمع التبرعات لحملة مناهضة للمذكرة. وتتخذ المسيرات شعارات وهتافات متشابهة. كما يلاحظ المراقبون أن من يسمونهم «الهتيفة» في هذه المظاهرات يتكررون من مظاهرة إلى أخرى، تراهم محمولين على أكتاف المتظاهرين وهم يهتفون ويرددون الشعارات، كما قال احد انصار الحزب الحاكم تحدث لـ«الشرق الاوسط» حول الموضوع، فيما يلاحظ المراقبون بأن الشعارات المصاحبة للمظاهرات سواء كانت عبر الهتاف او التي تحملها اللافتات لا تختلف كثيرا عن شعارات الإسلاميين المعهودة مثل: «الله اكبر الله اكبر»، و«لن نذل ولن نهان ولن نطيع الامريكان»، ثم «سير سير يا بشير نحن جنودك للتعمير»، و«داون داون يو اس ايه». كما ابرزت هذه المظاهرات شعارات وهتافات جديدة مثل: «اوكامبو صبرك صبرك في الخرطوم تحفر قبرك»، و«قسما تشرق من ما بنسلم زول لاهي»، و«يا كلب يا كلب كامبو خصيم الرب». ويرى منظمو المظاهرات ان هذه الشعارات إما أنها تأتي وليدة لحظة او تؤلف من قبل المنظمين. وشكل استمرار المظاهرات اليومية عبئا اضافيا لعمل رجال شرطة المرور في العاصمة، خاصة اؤلئك الذين يعملون وسط الخرطوم، حيث اصبحت الشوارع الرئيسية شبه مغلقة. وقال شرطي في المرور انه كان يقف مكان عمله لساعتين على الاكثر غير انه هذه الايام يمتد الى اكثر من أربع ساعات، واحيانا يحتاج الى زميل آخر يشاركه العمل. كما اشتكى اصحاب المحال التجارية المجاورة لنقاط تجمع المظاهرات من انهم ظلوا لأكثر من اسبوع يعملون بنصف طاقتهم لانهم يضطرون الى إغلاق محالهم التجارية طوال فترة التظاهر. كما يشتكي مواطنون من عدم تمكنهم من انجاز اعمال لديهم في المكاتب الحكومية «لأن بعض الموظفين يشاركون في المظاهرات اليومية».

مقابل ذلك، ازدهرت اعمال وانتعشت التجارة في بعض الأشياء. ويلاحظ بشكل واضح ارتفاع استهلاك المياه في الشوارع ودخول تجار جدد في مجال بيع قوارير الماء. كما لفت صاحب مكتبة في الخرطوم انه ظل هذه الأيام يبيع كميات كبيرة من الورق المقوى المخصص لكتابة الشعارات. ويرى المراقبون أن استمرار هذه المظاهرات من شأنه ان يرفع من حجم استهلاك الأقمشة التي تكتب عليها الشعارات. وكشف احد منظمي المظاهرات ان اكثر من مطبعة في الخرطوم ركزت على إنتاج وطبع صور مختلفة وبألوان متعددة للرئيس البشير وأطلقتها في الاسواق لتباعَ للمتظاهرين. فيما ذكر احمد عبد الله، سائق حافلة بالخرطوم، انه منذ اسبوع يعمل مع مجموعة تنظم المظاهرات ورجح بانهم ينتمون الى حزب المؤتمر الوطني، نظير مبلغ من المال يومياً.

ووصف خضر احمد محمد، رئس الاتحاد الوطني للشباب السوداني، (موال لحزب المؤتمر الوطني) لـ«الشرق الاوسط» مستوى المشاركة بأنها فاعلة وحاضرة من اغلب قطاعات الشعب السوداني. وحض خضر على تسمية المظاهرات بالعفوية يحركها الغضب من المذكرة التي طالت رئيس البلاد، ولكن المراقبين يعتقدون أن المظاهرات منظمة ومرتبة، من قبل انصار البشير في الحكومة، وتؤكد الدعم للرئيس والاستعداد لرد الظلم الذي طاله وعلى البلاد. وكشف خضر انه في إطار الحملة، قام بحشد اكثر من 1000 شاب وشابة باسم «لواء الدفاع الالكتروني»، يجيدون التعامل مع الانترنت والتدوين، وتحت شعار: «شباب مجاهد خلف الكي بورت» يقومون بدحض حملة اوكامبو عبر الانترنت وتأييد الرئيس البشير، مشدداً على «ان هذه الحملة لن تتوقف الى ان ترد المذكرة».