اشتباكات جديدة بين التبانة وجبل محسن توقع 5 قتلى و25 جريحا

فشل المساعي لحمل المتقاتلين في طرابلس على التزام وقف النار

عائلة لبنانية تهرب الى إحدى مدارس طرابلس التي آوت نازحين بعد عودة المعارك في باب التبانة وجبل محسن أمس (أ.ف.ب)
TT

انفجر الوضع الأمني مجددا في طرابلس عاصمة شمال لبنان. ودارت منذ فجر أمس وطوال النهار اشتباكات عنيفة بمختلف أنواع الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية ومدفعية الهاون بين منطقتي جبل محسن ذات الغالبية العلوية والتبانة ذات الغالبية السنية. وما لبثت ان امتدت الى محاور القبة والشعراني والمنكوبين. وسقطت قذائف في محيط مخيم البداوي شمال طرابلس. وأحصت مصادر أمنية سقوط خمسة قتلى وأكثر من 25 جريحا. ولم تنفع كل المحاولات التي شاركت فيها فاعليات المدينة بقيادة مفتي طرابلس والشمال، الشيخ مالك الشعار، في حمل الأطراف المتقاتلة على التزام وقف النار. كما لم تفلح الاتصالات التي قام بها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة، في حمل الأطراف المتقاتلة على التجاوب مع مساعي التهدئة.

وتواصل إطلاق رصاص القنص بكثافة من المباني المرتفعة ما شل الحركة تماما على الطريق الدولية التي تربط طرابلس بالمنية وعكار. في حين شهد وسط المدينة حركة محدودة. ولوحظ تراجع حركة السيارات وانحسار حركة تجول المواطنين. وانعكست الأوضاع الأمنية في محاور القتال على أنحاء المدينة، فأغلق عدد من المحال والمؤسسات التجارية، في حين عملت الأفران والصيدليات والمصارف ومحطات الوقود بشكل شبه عادي. وسجلت زحمة سير خانقة على طريق البداوي ـ العيرونية ـ القبة وصولا الى محلة أبي سمرا نظرا الى اقفال الطريق الدولية وتحويل حركة السير الى الطرق الفرعية.

وأشارت التقارير الميدانية الى أن الوضع الأمني انفجر منتصف ليل الخميس ـ الجمعة، عندما ألقى مجهولون قنبلة يدوية على خط التماس في شارع سورية الفاصل بين جبل محسن والتبانة. وقرابة الواحدة والنصف فجرا اندلعت اشتباكات عنيفة بمختلف أنواع الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية والمدفعية. ويشار الى انه منذ آخر اتفاق لوقف النار منذ أسبوع لم تمر ليلة إلا وسجل خلالها إلقاء قنبلة أو أكثر على خطوط التماس من دون أن يتسبب ذلك بتجدد الاشتباكات على نحو ما حصل أمس، لأن الفريقين كانا يلقيان التبعة على «طرف ثالث» بقصد تأجيج القتال.

وقد استمرت الاشتباكات أمس على وتيرة معينة حتى ساعات الصباح الأولى، حين عنفت وامتدت الى مختلف المحاور في شارع سورية ومنطقة القبة. وتحدثت بعض الأوساط عن استعدادات سبقت الاشتباكات وسط معلومات عن توزيع أسلحة وصف بعضها بأنه «حديث جداً». فيما عزت أوساط عدة اندلاع الاشتباكات الى التجاذب الحاصل بين القوى السياسية حول مضمون البيان الوزاري ولا سيما لجهة سلاح حزب الله والعلاقة التي يمكن أن تبنى مجدداً بين لبنان وسورية.

وقد دعا مفتي طرابلس والشمال الشيخ، مالك الشعار، الى اجتماع في دار الإفتاء شاركت فيه 36 شخصية تمثل القوى في منطقة التبانة. وأثناء اللقاء سجلت مواقف تحمِّل منطقة جبل محسن مسؤولية تجدد الاشتباكات. وترددت معلومات عن أن قوى سلفية دعت مناصريها الى ارتداء الأكفان البيضاء والتوجه الى ساحة المعركة لحسمها إذا تيسر ذلك. لكن المفتي الشعار كان يشدد على وجوب التحلي بالوعي والتعقل لتمرير المرحلة. وقد اتصل بالمسؤول السياسي في الحزب العربي الديمقراطي، رفعت عيد، (نجل النائب السابق علي عيد)، للاتفاق على وقف للنار يبدأ العمل به عند الثانية عشرة والنصف (موعد صلاة الجمعة)، فأبدى الأخير ترحيبه واستعداده للالتزام بما يصدر عن اللقاء. لكن الاشتباكات استمرت على وتيرتها. وسجل ظهور مسلحين في مناطق بعيدة عن محاور القتال.

وأحصت المراجع المعنية سقوط خمسة قتلى وأكثر من 25 جريحاً. وعرف من القتلى احد المسؤولين العسكريين في جبل محسن ويدعى سليمان احمد سليمان (الملقب بـ«زيكو») وامرأة تدعى درويشة ديب نقلت جثتها الى مستشفى الخير في المنية. وقد أصيبت برصاص القنص الذي كان الحاضر القوي في هذه الاشتباكات. هذا، وأصابت القذائف الصاروخية عدداً من المنازل والمحلات التجارية وصهريجاً في منطقة الزهرية حيث شب حريق كبير.

وفيما كانت فاعليات طرابلس تواصل اجتماعاتها برئاسة المفتي الشعار، كان رئيس الجمهورية يتابع التطورات مع قيادة الجيش. كما أجرى الرئيس بري اتصالات من اجل التهدئة وإعادة الاستقرار الى المنطقة وتشاور هاتفياً مع المفتي الشعار. ومن جهته، تابع الرئيس السنيورة التطورات. وأجرى لهذه الغاية اتصالات بكل من وزير الداخلية زياد بارود وقيادة الجيش وقيادة قوى الامن الداخلي والمفتي الشعار. وقد أكد خلالها على ضرورة التهدئة وتنفيذ إجراءات تحول دون تكرار انفلات الوضع الأمني، مشدداً على ضرورة تطبيق القانون بحق المخالفين.

من جهته، اعتبر الرئيس السابق للحكومة، نجيب ميقاتي، أن ما يحصل «مقلق وخطير جداً». وقال في بيان أصدره أمس «مجدداً تجد مدينة طرابلس نفسها أسيرة النيران المندلعة بين منطقتي باب التبانة وبعل محسن، مع ما يكلف ذلك من دماء ودمار. ومجدداً يطرح السؤال الكبير: من يشعل الفتنة في طرابلس؟ وما السر في توقيت اندلاع الاشتباكات في كل مرة يبلغ فيها التأزم السياسي في البلد ذروته؟ وهل تحولت الأحياء الفقيرة في طرابلس صندوق بريد للتوظيف السياسي؟». وأضاف أن «المعالجات الآنية والكلمات المعسولة لم تعد تكفي. والمطلوب من جميع المعنيين تحمل مسؤولياتهم في الحفاظ على المدينة وما تبقى من عناصر الحياة فيها ووقف النزوح المتكرر لأبناء المنطقة». وطالب الجيش بأن يكون «حازماً» الى أقصى الحدود في ضبط الأوضاع وكشف المحرضين على هذه الاشتباكات والمشاركين فيها وتوقيفهم».

واستنكر مجلس أمناء «الإنقاذ الاسلامي» التفجير الأمني الجديد في طرابلس. ودعا رئيس الجمهورية والحكومة وقيادة الأركان في الجيش ومديرية الأمن الداخلي «لمواجهة الفتنة الجديدة». وقال: «يبدو في الأفق أن مؤامرة خطيرة تعد أو أعدت لضرب الاستقرار المميز الذي شهدته طرابلس والشمال أكثر من 20 سنة، وذلك كعقوبة لمواقفها الوطنية والإسلامية».

وقال رئيس «جبهة العمل الاسلامي» فتحي يكن: «قد لا يجيد الكثيرون قراءة ما يجري من تفجيرات أمنية في هذه المنطقة أو تلك، وبخاصة على محور التبانة ـ جبل محسن. إن المخطط يهدف، بحسب التراتبيات والأولويات السياسية الى إعادة خلط الأوراق من جديد بين قوى الموالاة وقوى المعارضة والمتمحور حاليا حول البيان الوزاري الى عرقلة إعطاء الثقة للحكومة الجديدة لتتولى مهامها وتتحمل مسؤولياتها بشكل كامل وفعال».