التيارات السلفية والأصولية في علاقتها بحزب الله: إجماع على رفض احتكار المقاومة.. وتناقض بشأن الملف الداخلي

بعضهم يجهر بعدائه للحزب وآخرون يعتبرون سلاحه في الشارع رد فعل غير مدروس

TT

عادت الاتهامات «الضمنية» والمعلنة توجه الى «حزب الله» على خلفية التوتر الامني بين السنة في التبانة والعلويين في جبل محسن في شمال لبنان، وربطت هذه الاتهامات بين تعقيدات البيان الوزاري المتعلقة تحديدا ببند المقاومة والاسلوب الذي فرضه الحزب عبر أحداث السابع من مايو (ايار) الماضي. وابرزت تصريحات المسؤولين في طرابلس مدى انعكاس حضور الحزب وسلاحه على الساحة السياسية والامنية اللبنانية. ومع انحسار موجة الاحتفالات بتحرير الاسرى واستعادة رفات المقاومين الذين سقطوا في عمليات ضد العدو الاسرائيلي، فتح من جديد ملف العلاقة «حزب الله» والتيارات السلفية والاصولية السنية في لبنان. وفي حين يجد البعض ان هذه التيارات تجاوزت القيادات السياسية السنية الى مكان أكثر تطرفا ورفضا لمحاولة فريق له لونه الطائفي الاستيلاء على السلطة في لبنان، يرى البعض الآخر ان ما قام به الحزب لم يكن أكثر من دفاع مشروع عن النفس او رد فعل غير مدروس كان بالامكان تجنبه حفاظا على السلم الاهلي.

إمام مسجد القدس في صيدا ماهر حمود يقول: «بعد مرور أكثر من شهرين على حوادث مايو (ايار)، ظهر ان ما حصل هو مشروع فتنة مذهبية بقرار مخابراتي انفق عليه الكثير. وبالتالي كان تصرف حزب الله رد فعل وليس فعلا مخططا له. ورغم الضجيج فإن الحزب خرج منتصرا من الفتنة».

الا ان نائب الشمال السابق خالد الضاهر يرفض وجهة النظر هذه، فيقول: «بعد أحداث السابع من مايو (أيار) انكشف دور حزب الله واستغلاله اسم المقاومة وتضحيات الشعب اللبناني لتحقيق مصالح اقليمية، فهو ذراع لإيران التي توظفه لمشاريعها. وقد خسر الحزب وفهم انه لا يستطيع ان يسيطر على لبنان. وعليه ان يعتذر من اهالي بيروت ومن القيادات اللبنانية التي شاركت في المقاومة، سواء في العمل السياسي او في الدعم المادي او في المقاومة المباشرة. لا أحد يستطيع ان ينكر دور الرئيس الراحل رفيق الحريري في دعم الحزب من خلال تفاهم نيسان 1996، او دعم الحكومات المتعاقبة التي كان يرئسها للمقاومة. لكن الحزب رد على هذا الدعم بتحويل السلاح الى الداخل ما افقده مشروعيته».

حمود يخالف الضاهر ويرى ان «حزب الله سيسيطر على لبنان ولكن بطريقة مختلفة عما فعلته منظمة التحرير الفلسطينية في السبعينات. فالحزب سيستخدم المال بحدود. وليس كما استخدمه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. لأن المال لديه يشكل جزءا ثانويا من خطته لجذب اللبنانيين واستيعابهم. وفي المرحلة المقبلة الفرع السلفي العاقل الذي يستوعب الآخرين سيحول دون الصراع المذهبي وسيمسك الساحة على عكس اللحظات الاولى التي ابرزت دور السلفيين المتطرفين بعد 8 مايو (ايار) الماضي. اذ بدا انهم سيمسكون الساحة». الضاهر الذي يشجب محاولة الحزب للاستيلاء على السلطة، يتهمه بتحريك حلفائه لتوتير الاجواء بالقدر الذي يحتاج اليه من خلال الاشتباكات في منطقة التبانة للوصول الى صيغة ترضيه في البيان الوزاري. ويرغم الفريق الآخر على الرضوخ حفاظا على السلم الاهلي».

الخبير في التيارات الاسلامية والاستاذ الجامعي الدكتور عبد الغني عماد يقول: «هناك انفصام في الموقف تجاه حزب الله لدى المسلمين السنة. هناك تعاطف تجاه الحزب في ملف الصراع العربي - الاسرائيلي. اما في الملف الداخلي اللبناني. فالسّنة يجدون ان الحزب يتصرف على انه شيعي فقط ويتموضع سياسيا انطلاقا من مواقف شيعية بمواجهة الطوائف الاخرى».

ويضيف: «الجميع يشعرون بهاجس سلاح حزب الله. والسّنة أكثر من غيرهم. لا سيما ان الحزب يستخدم هويته المركبة كمقاوم وشيعي وحزب سياسي ليحقق مصالحه ويحكم سيطرته، فيتمترس تارة في خندق المقاومة ليعود ويقفز الى خندق الطائفية او يروح الى الخندق السياسي بغية تحصيل مكاسب أكبر على الصعيد الداخلي. لكن حصرية المقاومة التي يمارسها الحزب ويستغلها ليتعامل بغرور مع السنة لم تعد مقبولة».

إمام مسجد سعدنايل في البقاع الشيخ بلال شحيمي لا يرضى بأن تكون المقاومة حكرا على فريق. لكن نظرته الى العلاقة مع «حزب الله» تختلف. فهو يقول: «الخلل الذي أصاب علاقة حزب الله بالتيارات الاسلامية لا ينسينا المشروع الكبير للحزب ويدفعنا الى غض الطرف عن هذه التصرفات. نحن نعرف انه تعرض للاستفزاز، لكننا انتظرنا منه رحابة صدر وتصرفا مغايرا. والواجب يفرض تأسيس حالة واضحة تقرب أكثر بين المسلمين بشكل عام. فالقضايا التي تجمعنا أكثر من التي تفرقنا. في الفترة الماضية كان الحزب مقصرا. لكننا مقصرون حاليا. هناك من يسعى لإيجاد حالة من الفوبيا تجاه حزب الله، واذا لم يبادر الحزب الى القراءة الجديدة للواقع، قد تتطور حالة الفوبيا. وهناك وسائل يجب اللجوء اليها حتى لا ندفع بعد النصر ثمنا لم ندفعه قبله».

الشيخ ماهر حمود يعتبر ان «النظرة الى الاصوليين تتم وكأنهم كتلة واحدة. والحقيقة ليست كذلك. وبالتالي مواقف الجماعات السلفية من الحزب تختلف من جماعة الى أخرى. البعض يريد هدنة. والبعض الآخر ينزوي ولا يتدخل. والبعض الثالث يحمل العداء للحزب ولا يجاهر به لأن موازين القوى لا تسمح له بذلك».

الضاهر يرد، فيقول: «اعتقد ان التيارات الاسلامية السلفية والاصولية كلها مع منطق الدولة والوحدة الوطنية. هناك محاولة لتضخيم الامور وتخويف البلاد من الذين يرفضون منطق الميليشيات. وهذه مؤامرة من سورية وجماعتها. السنة يريدون دولة. الآخرون يريدون جيشا خاصا داخل الدولة وحجة المقاومة لم تعد تنفع. نحن ايضا جاهزون للمقاومة. فهي شرف لا يحق للفريق الشيعي احتكاره. مع العلم ان المقاومة كانت موجودة قبل حزب الله وايران. نحن نريد مقاومة شاملة لجميع اللبنانيين ونريد ان ندافع عن وطننا ولا يحق لهم منعنا ثم الادعاء ان لا أحد غيرهم يقاوم».

الشيخ بلال الشحيمي يريد ايضا ان يقاوم. يقول: «انا كمسلم سني وناشط اجتماعي وامام مسجد اريد ان اقاوم. لدي طرقي للمقاومة ولدي القدرة والحالة الديموغرافية والجمهور. لن يمنعنا حزب الله. ولن نسمح له بمنعنا». ويضيف: «لكن المشكلة عند المسلمين السنة في أن العلاقة مع حزب الله والمقاومة غير واضحة. ذهاب كل تيار بمفرده الى الحزب لا يفيد ولا يشكل حالة. كذلك الخصومة والشتم من قبل بعض التيارات. المطلوب شراكة حقيقية بعد توحيد الصف السني والا سينقلب الضعف الحالي الى عداء. المقاومة لا تستطيع الاستمرار اذا لم يكن السني شريكا لها بمعنى الشراكة الكاملة. والا فإن الخطر الإسرائيلي يتربص بنا».