انحسار قوة «جيش المهدي» في بغداد.. لكن عودته تظل هاجسا للمواطنين

أحد سكان مدينة الصدر: الحكومة كسرت شوكتهم واقتلعت شجرتهم

TT

يعاني جيش المهدي ضعفا شديدا في عدد من أحياء بغداد في خطوة محورية لتحقيق الاستقرار في العراق. ويعد هذا تغيرا مهما عن الأعوام الماضية، عندما أحكمت هذه الميليشيا بقيادة مقتدى الصدر المعادي لأميركا سيطرتها على بغداد، وعلى الحكومات المحلية وقوات الشرطة. لكن اتباعها أساليب العنف جعل معظم الشيعة يبتعدون عنها لدرجة أن الكثيرين منهم دعموا حملات الجيش الأميركي عليها. ويعني انحسار «جيش المهدي» أن العراق، الذي كان بلدا ضعيفا في الأعوام الأولى من الحرب، بدأ في ممارسة مهامه، في التحكم في تقديم بعض الخدمات وفرض السيطرة على بعض الأحياء. وقال أبو أمجد، وهو موظف يقطن في مدينة الصدر في شمال بغداد، وهي المدينة التي كانت معقل جيش المهدي: «لقد كسرت الحكومة فروعهم واقتلعت شجرتهم».

ويظهر التغيير في حياة الأشخاص العاديين. فقد انخفض سعر وقود الطهي إلى خمس سعره أيام سيطرة الميليشيا على محطات الوقود المحلية، وكذلك انخفض كثيرا سعر الكيروسين المستخدم في التدفئة. وفي لقاءات مع 17 عراقيا، بينهم مسؤولون محليون وعمال محطات الغاز وسكان الأحياء، تحدثوا عن الحياة بعد انحسار سيطرة الميليشيا على الاقتصاد المحلي والخدمات العامة. ويقول البائعون إنه لم يعد لازما عليهم دفع اتاوات لرجال الميليشيا. وفي بعض الأحيان، يتعرض الموظفون الموالون لرجال الميليشيا للفصل أو النقل. وعلى الرغم من ضعف الميليشيا الآن، لم يوافق أحد ممن أجري معهم حوار على نشر أسمائهم كاملة خوفا من الانتقام. وكمؤشر آخر على ضعف الميليشيا، تطالب القبائل الشيعية في العديد من الأحياء بتعويضات من أسر رجال الميليشيا على الأخطاء التي ارتكبوها في الماضي.

ولكن ما زالت جذور الميليشيا راسخة في الأرض، كما يقول أبو أمجد، «وإذا سنحت لهم الفرصة، ستنمو مجددا». وفي ذروة سيطرة الميليشيا الصيف الماضي، كانت تتدخل في جميع مستويات الاقتصاد المحلي. كانت تستولى على الأموال من محطات الوقود، وخدمات النقل الخاص، ومحطات تحويل الكهرباء، وأسواق الغذاء والملابس، ومصانع الثلج، وكانت تجمع الإيجار من محتلي المساكن بوضع اليد، بعد طرد أصحابها. وكانت محطات الوقود الأربع الأساسية في مدينة الصدر تحصل على حوالي 13.000 دولار يوميا، وفقا لما قاله عضو في المجلس المحلي. وقال البريجادير جنرال جيفري تالي، وهو مهندس في الجيش الاميركي يعيد بناء السوق الرئيسة في مدينة الصدر: «إنها تقريبا مثل أيام المافيا القديمة في الولايات المتحدة».

وتقول أم حسين، وهي والدة لعشرة أبناء في مدينة الصدر، أكبر منطقة شيعية في العاصمة وأفقرها، إن فاتورة الوقود التي تسددها الأسرة انخفضت كثيرا مما يسمح لها بشراء قرط لإحدى بناتها. وقد ذكر أشخاص آخرون أجريت معهم حوارات قائمة أبسط من المشتريات مثل الطماطم ومنظف الغسيل والبنزين. وقال شاب إنه على الرغم من أن منزله كان قريبا من مركز توزيع يبيع وقود الطهي، إلا أنه لم يكن مسموحا له بشرائه بسعر الدولة، بل كان مجبرا على انتظار موزع تابع للميليشيا يبيع بأسعار أعلى. وتقول أم حسين: «كان علينا أن نحصل على نصيبنا من وقود الطهي من رجال جيش المهدي...أما الآن فكل شيء متوفر. ونتمتع بالحرية في شراء ما نريد».

وفي الماضي، كان جيش المهدي يسيطر على 12 شاحنة تقوم بتوصيل حاويات وقود الطهي يوميا إلى المنطقة، لأن رئيس مجلس مدينة الصدر، الذي كان تابعا للميليشيا، هو الذي سلمهم وثائق الشاحنات. وقال عضو في المجلس «لم نكن نعرف متى يأتون أو أين يذهبون»، مشيرا إلى الشاحنات.

إلا ان المتحدث باسم التيار الصدري في مدينة الصدر جليل الصرخي دافع عن جيش المهدي، قائلا في حوار إن الجيش ليس ميليشيا رسمية ونفى الاتهامات بأنه كان يسيطر على الخدمات المحلية. وقال إن هناك مجرمين تسللوا إلى الميليشيا واستغلوا اسم جيش المهدي كغطاء لهم. وقال: «إن جيش المهدي جيش من المؤمنين. وقد تشكل لخدمة الناس».

بعد شهر من العملية التي شنها رئيس الوزراء نوري المالكي على «جيش المهدي» في الربيع الماضي بدأت أشياء غريبة في الحدوث في الشعلة، وهي مجموعة منازل اسمنتية ذات لون رملي ممتدة في شمال بغداد وكانت أحد أهم معاقل جيش المهدي. وقال عامل هناك إن رجال الميليشيا توقفوا عن الظهور لجمع الأموال من محطات البنزين الرئيسة. وقال عضو في مجلس منطقة الشعلة: «لقد اعتادوا على الحضور وأمرنا بإعطائهم 100 حاوية بنزين. أما الآن: هل من الممكن أن تعطيني حاوية بنزين؟».

وبعد عدة أسابيع، تم نقل 11 عامل وحارس ومدير أيضا. كل الموظفين الحكوميين الذين تربطهم علاقات بالميليشيا، إلى مناطق أخرى. وتم إرسال صور الموظفين ليتمكن الجنود الأميركيون والعراقيون من التعرف على المحتالين. ويحتل الجيش العراقي الآن مقر الميليشيا القديم في الشعلة. ووضع الجنود 10 نقاط تفتيش حول الحي، وعند محطة الوقود. عندما فتحت الميليشيا مكتبا جديدا، وضع الجنود نقطة تفتيش هناك أيضا، كما قال رائد عراقي في وحدة متمركزة هناك. وقد وزع الجنود العراقيون مؤخرا إشارات تحذير للأسر التي تقيم بوضع اليد في منازل كان جيش المهدي يحصل على إيجارها حتى شهر مايو (أيار).

وفي مدينة الصدر، أغلقت السلطات محطة إذاعة الميليشيا. وقد ألقى الجيش الأميركي القبض على رئيس مجلس الحي. وأصبح لازما الآن أن يقر ثلاثة مسؤولين وثائق توصيل وقود الطهي وليس مسؤولا واحدا فقط، وفقا لما قاله عضو المجلس.

وفي مؤشر آخر على ضعف جيش المهدي، ازداد عدد التسويات المالية بين ذوي النفوذ من الشيعة وأسر رجال جيش المهدي تعويضا عن فقدان أحبائهم الذين فقدوهم على أيدي الميليشيا. وفي توبشي، الحي الشيعي في غرب بغداد، ظهرت قائمة بأسماء رجال الميليشيا هذا الشهر حيث تم تحذير أسرهم بوجوب مغادرة البلدة. وقد تعرض العديد من منازلهم للهجوم.

وبدأت الأحياء الآن في التمتع بحرية أكبر. فقالت مصففة شعر في حي جنوب شرقي بغداد إن زبائنها لم يعد عليهن أن يغطين وجههن عندما يغادروا منزلها واضعين مساحيق التجميل. ولم يعد على مستقلي الحافلات لمسافات طويلة أن يشغلوا الأغاني الدينية فقط، بل هم الآن يشغلون أغاني عاطفية، وأحيانا تكون بأصوات مطربات. ويقول موظف حكومي في مدينة الصدر: «لقد خسروا كل شيء. فلم يعد للميليشيا قوة الآن». وقد يكون جيش المهدي ضعيفا الآن ولكنه لم ينته. ويقول ماجد، أحد سكان مدينة الصدر الذي يعمل في إحدى الوزارات، إنه على العديد من ضباط الجيش العراقي في منطقته نقل أسرهم إلى أحياء أخرى بعد عملية المالكي العسكرية، لأن الميليشيا هددتهم. ومازالت القنابل تتسبب في جرح ومقتل الجنود الأميركيين في الحي. وفي أوائل هذا الشهر، اختطف ابن ضابط عراقي وقتل، وتم تعليق جثته في مكان عام كرسالة تحذير. وأضاف ماجد: «ما زال الناس يخافون من جيش المهدي. وما زلت تعاقب إذا تحدثت عنهم بشكل سيئ».

*خدمة «نيويورك تايمز»