تركيا: المحكمة الدستورية تبدأ اليوم دعوى حظر حزب العدالة.. و5 سيناريوهات محتملة

حظر الحزب الحاكم وأردوغان قد يثير توترا مع الاتحاد الأوروبي ويهز الأسواق الداخلية

تركيات يتظاهرن ضد نظر الدعوى على حزب العدالة (أ.ب)
TT

تبدأ اليوم المحكمة الدستورية التركية مداولاتها في دعوى مرفوعة للمطالبة بحظر حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ عام 2002، والمنبثق عن التيار الاسلامي، وذلك بتهمة ممارسة نشاطات مناهضة للعلمانية، وهو مصير عرفته من قبله احزاب سياسية تركية، اتهمت بنفس التهمة، وكان مصيرها الاغلاق، مثل حزب الرفاه الذي أسسه رئيس الوزراء التركي السابق نجم الدين أربكان. غير ان تجربة حزب العدالة والتنمية، الذي يرأسه رئيس الوزراء التركي الحالي رجب طيب اردوغان مختلفة، اذ ان تركيا خلال سنوات حكمه الخمس شهدت نموا اقتصاديا مطردا، كما ازدادت الاستثمارات الاجنبية فيها، وتقدمت خطوات في ملف انضمامها للاتحاد الاوروبي. وكانت محاولة حزب العدالة والتنمية، السماح بالحجاب في الجامعات، هي القضية الأساسية وراء رفع عدد من الأحزاب العلمانية، على رأسها حزب الشعب الجمهوري دعوى ضده بتهمة محاولة الاضرار بالاسس العلمانية في تركيا. ومنذ ذلك الحين جمعت المحكمة أدلة على ممارسات حزب العدالة في السلطة. ويقول الحزب إن الاتهامات لا أساس لها من الصحة، موضحا أنه إذا كانت هناك اخطاء ارتكبت، فإن الشعب هو الحكم وليس المحكمة الدستورية. ويتوقع المحللون ان تصدر المحكمة قرارها خلال اغسطس (آب) المقبل، كما يتوقعون ان يكون حكم المحكمة هو اغلاق حزب العدالة، والدعوى لانتخابات برلمانية مبكرة. وفي حالة اغلاق الحزب، فإن الحكومة ستحل، كما ان اعضاء الحزب الحاكم في البرلمان سيصبحون مستقلين. وأمام تركيا 5 سيناريوهات محتملة، بعد نظر المحكمة للقضية التي باتت تشغل الرأى العام التركي. السيناريو الأول: ان ترفض المحكمة الدستورية القضية ضد حزب العدالة و71 من قياداته وعناصره، ومن بينهم الرئيس التركي عبد الله غل، ورئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، على أساس عدم وجود أدلة كافية على تهمة ان الحزب مارس نشاطات تهدد الاسس العلمانية في تركيا. اما السيناريو الثاني، فهو فرض غرامات مالية على الحزب، وقطع الدولة دعمها المالي للحزب. ويعني هذا الحكم ان المحكمة ترى ان الحزب كان متورطا في انشطة مناهضة للعلمانية، غير ان هذه الانشطة ليست خطيرة بما يكفي لمنع الحزب. والسيناريو الثالث، اغلاق حزب العدالة والتنمية، لكن مع عدم منع اعضائه من العمل السياسي. وسيؤدي هذا القرار الى تأثيرات على الأسواق التركية وعلى تطورات السياسة الداخلية بالبلاد، إلا أنه يعني ان اعضاء حزب العدالة سيواصلون عملهم في البرلمان، واعادة تشكيل أنفسهم في حزب سياسي جديد. ويذكر ان حزب العدالة والتنمية لدية الاغلبية في البرلمان التركي الحالي. اما السيناريو الرابع، فهو اغلاق حزب العدالة ومنع اعضائه البارزين من ممارسة اي نشاط سياسي. لكن هذا السيناريو يعني انه لا يحق لقادة حزب العدالة والتنمية دخول الانتخابات المقبلة إلا كمستقلين، وهذا يعني ان اردوغان يمكن ان يصبح رئيس الوزراء مجددا، إذا اختير من قبل البرلمان. لكن في هذه الحالة يجب اجراء انتخابات برلمانية مبكرة، يمكن ان تكون في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وهذا ما سيكون له اثر سيئ على الاسواق التركية، وعلى عملية الاصلاح السياسي التي تنتهجها أنقرة للوفاء بشروط الانضمام للاتحاد الاوروبي، على الاقل في المدى القصير. اما السيناريو الخامس، فهو منع اردوغان من ممارسة العمل السياسي، مع أعضاء اخرين بارزين بالحزب. لكن لا يعتقد المحللون ان هذا السيناريو مطروح بجدية لانه يعني ان المحكمة استهدفت شخصا بعينه لا نشاطات الحزب. كما ان الرئيس التركي عبد الله غل استقال من حزب العدالة والتنمية عندما انتخب لمنصب الرئيس التركي، وهو منصب شرفي الى حد كبير، لكنه رمزي ايضا، اذ يجب ان يكون الشخص ممثلا لكل الأتراك وليس محسوبا على هذا الحزب او ذاك. ويتوقع ان يفتح الحظر الذي يهدد الحزب الحاكم في تركيا مرحلة جديدة من التوترات بين الاتحاد الاوروبي وانقرة، من خلال تعزيز موقع المعارضين الاوروبيين لانضمام هذا البلد، ولو ان تعليق المفاوضات غير مرجح في المرحلة الراهنة. ولا ينظر الاوروبيون بارتياح الى نظر المحكمة الدستورية التركية اليوم حظر الحزب الحاكم، فهو اجراء غير معتاد في النظم الديمقراطية الاوروبية، ويرى فيه الاوروبيون انتهاكا للقواعد الديمقراطية، معتبرين ان الاتهامات الموجهة الى حزب العدالة والتنمية ينبغي معالجتها في صناديق الاقتراع وليس امام المحاكم. وباشر المدعي العام في محكمة التمييز عبد الرحمن يالجينكايا هذا الاجراء القضائي ضد حزب العدالة والتنمية في مارس (آذار)، بعد قرار الحكومة رفع الحظر المفروض على الحجاب في الجامعات. واعتبر قرار الغاء هذا التعديل الصادر في يونيو (حزيران) عن المحكمة الدستورية بمثابة اشارة تنبئ بحظر الحزب الذي انبثق من احزاب اسلامية تم حلها بسبب نشاطات مناهضة للعلمانية. وعندما تمت الموافقة على الاجراء ضد حزب العدالة والتنمية في الربيع، لم يتوان المفوض الاوروبي المكلف شؤون التوسيع اولي رين عن التعبير بصراحة عن رأيه. واعتبر اي حظر للحزب الحاكم في تركيا غير مبرر، ولمح الى تهديد بحدوث اضطرابات في مفاوضات انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، التي تتقدم اصلا ببطء شديد منذ بدأت في أكتوبر (تشرين الاول) 2005. وقال انذاك «آمل في ان يأخذ قضاة المحكمة الدستورية في عين الاعتبار مصلحة تركيا على المدى الطويل». ولا شك في ان رد المفوضية في حال صدور قرار عن المحكمة بحظر الحزب اعتبارا من اليوم سيكون له ثقله. وينص التفويض باجراء المفاوضات مع تركيا على انه في حال «انتهاك خطير ومستمر» للحريات والديمقراطية فان الدول الاوروبية الـ27 يمكن ان تعلق هذه المفاوضات بغالبية بسيطة موصوفة. لكن من اجل عدم سكب الزيت على النار قد تكتفي بروكسل والدول الـ27 بالتنديد بأي حظر محتمل بدون اعاقة المفاوضات، او اختيار كحل وسطي تعليق المحادثات فعليا لبعض الوقت بدون قرار رسمي من دول الاتحاد. لكن ثمة امرا مؤكدا وهو ان حظر حزب العدالة والتنمية من شأنه ان يعطي ذرائع لدول في الاتحاد الاوروبي، مثل فرنسا والنمسا او قبرص تعارض بشدة دخول تركيا التكتل الاوروبي.

وفي مطلع الشهر قال مسؤول فرنسي كبير ان الاجراء الحالي «يؤكد شكوكنا حول قدرة تركيا على الانضمام الى اوروبا». لكن يبدو ان فرنسا التي تتولى رئاسة الاتحاد الاوروبي حتى نهاية السنة والحريصة بحكم موقعها هذا على التزام بعض الحياد، لا ترغب في القيام بمزايدات من خلال الدفع الى تجميد المفاوضات. واكد مصدر فرنسي أخيرا ان الاوروبيين سيحتجون، لكن حظر حزب العدالة والتنمية لن يكون له اي تأثير على فتح فصول جديدة في المفاوضات التي تخوضها تركيا، مضيفا «لا نريد ان نكون السبب باندلاع ازمة اكثر حدة مع تركيا».

وفي حال نشوب ازمة، فسوف يقضي ذلك على أي أمل في إمكان تسوية النزاع في قبرص، حيث من المرتقب اجراء مفاوضات اعتبارا من الثالث من سبتمبر (أيلول) بهدف اعادة توحيد الجزيرة المقسمة منذ 34 عاما. وقد طمحت فرنسا على الدوام الى فتح حتى ثلاثة فصول جديدة من الفصول الـ35 التي تشملها المحادثات، ما يرفع عدد الفصول المفتوحة خلال ثلاث سنوات الى احد عشر فصلا، بحسب المصدر نفسه. وفي مجمل الاحوال فان ذلك لن يؤدي الى تغيير جوهري، لان 18 من الفصول الـ35 تبقى فعليا بحكم المجمدة، 5 منها من قبل باريس، التي لا تعتبرها «مرتبطة مباشرة» بعملية الانضمام التي لا ترغب بها في نهاية المطاف.

* المحكمة الدستورية التركية.. 7 قضاة يملكون القرار ـ منعت المحاكم التركية 20 حزبا سياسيا بتهمة الإضرار بالعلمانية

* المحكمة الدستورية التركية هي أعلى محكمة في البلاد، وقد أسسها مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.

* لكي تصدر أحكام من المحكمة الدستورية يجب أن يصوت 7 قضاة من اصل 11 قاضيا على القرار.

* لا يشعر أنصار حزب العدالة والتنمية بتفاؤل إزاء قرار المحكمة المرتقب، إذ أن 8 منهم عينوا خلال رئاسة الرئيس التركي السابق، أحمد نجدت سزر، وهو علماني ومنتقد لحزب العدالة والتنمية.

* تعتبر المحكمة الدستورية التركية، بالإضافة الى الجيش، من المؤسسات العلمانية التوجه والهوى في تركيا. وهي تعتبر في نظر العسكر الحامي الأخير للعلمانية التركية.

* منعت المحاكم التركية حتى الآن 20 حزبا تركيا بتهمة الإضرار بأسس العلمانية التركية، سواء بسبب ميولها الاسلامية، أو علاقتها مع ناشطين أكراد.