تنظيمات كردية إيرانية معارضة تتداول سيناريوهات حرب واشنطن المحتملة مع طهران

بعضها يتوقع تكرار ما حصل لنظام صدام في كردستان عام 1991

مقاتلتان من العصبة الثورية لكادحي كردستان إيران أثناء فترة الاستراحة في أحد المعاقل بجبال قرداغ في السليمانية (تصوير: كامران نجم)
TT

مع تزايد احتمالات تعرض ايران لضربات عسكرية اميركية او ربما اميركية ـ اسرائيلية مشتركة بسبب اصرار طهران على مواصلة برنامجها النووي وسعيها لامتلاك الاسلحة النووية، تتناقل الاوساط السياسية لاسيما أوساط المعارضة الكردية الايرانية العديد من السيناريوهات بخصوص طبيعة الضربات العسكرية المحتملة ضد ايران والتحولات السياسية التي ستشهدها البلاد بل والمنطقة بأسرها بعد ذلك، فيما يستعر الحديث في الأوساط الاعلامية والشعبية عن احتمالات تكرار السيناريو الذي حدث في كردستان العراق ربيع عام 1991 غداة هزيمة قوات النظام السابق في حرب تحرير الكويت.

وبموازاة ذلك تتبادر الى الاذهان العديد من التساؤلات حول طبيعة الدور الذي يمكن ان تلعبه المعارضة الكردية الايرانية بكل اطيافها فيما لو صح حدوث احد تلك السيناريوهات التي تتحدث عن تعرض ايران وعلى نحو مكثف وفي زمن قصير جدا الى ضربات قاصمة وماحقة، ستستهدف في المقام الاول ركائز البنى التحتية ومفاصل الاقتصاد ومصادر الطاقة والآلة الحربية للنظام، وما اذا كانت الولايات المتحدة قد عمدت الى تأهيل قوى المعارضة الايرانية الكردية تحديدا او مدتها بأية مساعدات مالية او عسكرية، وبالاخص الفصيلين الاساسيين اللذين يتمتعان بنفوذ جماهيري واسع في كردستان ايران وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني الذي يتخذ والمنشقون عنه مناطق كويه التابعة لمحافظة اربيل معاقل له، وعصبة الشغيلة الكردستانية (الكوملة) التي تتخذ مع المنشقين عنها مناطق محافظة السليمانية معاقل لها، او اذا كانت واشنطن قد اتفقت مع هذه الفصائل على القيام بدور سياسي او عسكري معين فيما لو تفجرت انتفاضة شعبية من الداخل بهدف اسقاط النظام وغيرها من التساؤلات التي حاولت «الشرق الاوسط» الحصول على اجابات شافية لها من كبار المسؤولين في الاحزاب الكردية المعارضة ورصد استعداداتها للقيام بأي دور من ذلك القبيل.

وخلال جولتها لجبال منطقة قرداغ الشاهقة والمطلة على مدينة السليمانية وتحديدا سفوح وقمم منطقة زرجوز، حيث المعاقل القيادية والقواعد العسكرية لعصبة الشغيلة الكردستانية ـ الكوملة والفصائل المنشقة عنها ومقاتليها وعوائلهم، لم ترصد «الشرق الأوسط» أي مشهد او مظهر من مظاهر الاستعدادات العسكرية التي توحي باحتمال وقوع حرب او قتال من اي نوع على المدى القريب. فالمدافع المضادة للجو كانت مغطاة بشكل محكم ونقاط التفتيش العديدة التي تفصلها مسافات قريبة جدا اقتصر الوجود فيها على مقاتلين او ثلاثة كانوا منشغلين بمهامهم الروتينية ويحملون أسلحة خفيفة، فيما كانت محطات التلفزة الفضائية والإذاعات المحلية والعالمية الناطقة باسم تلك الاحزاب تبث برامجها الاعتيادية في وضع لا يتناسب مطلقا مع الغليان الشعبي المتنامي حاليا في ايران لاسيما في الاقاليم الكردية جراء الغلاء المعيشي الفاحش وتردي الاوضاع الاقتصادية وتفاقم المشاكل السياسية واتساع نطاق البطالة وتعاظم المعارضة الجماهيرية لطبيعة وشكل النظام الحاكم المصر على التعاطي مع القضية الكردية وقضايا الشعوب الايرانية الاخرى بمنطق القوة ولغة الحديد والنار.

ويقول ابراهيم علي زاده السكرتير الاول للحزب الشيوعي العمالي ـ تنظيم كردستان ان الولايات المتحدة اتصلت بحزبه مرارا بغية إقامة علاقات بين الطرفين، لكن الحزب رفض اي شكل من اشكال العلاقة مع اميركا انطلاقا من ايمانه بأن من شأن ذلك الإضرار بمصالح الشعب الكردي في ايران. وفي رؤيته وتأويله للتهديدات المتبادلة بين طهران وواشنطن واحتمالات تعرض ايران لضربات عسكرية اميركية، قال علي زاده «نحن نعتقد بأن احتمالات تعرض ايران لضربات عسكرية اميركية ضعيفة جدا، لأن الاساليب التي اتبعت ضدها مثل الضغوط الدبلوماسية والحظر الاقتصادي كانت فاعلة وأتت بنتائج سياسية طيبة ومن الممكن جعلها أكثر فاعلية عبر تشديد الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية على ايران»، وتابع زاده قائلا «ولو حدث أن تعرضت ايران لضربات محدودة خلافا لتوقعاتنا فاننا نعتقد بأنها ستكون ضربات محدودة تستهدف المواقع الاستراتيجية فقط وسيكون من شأنها تعزيز موقع النظام الحاكم بلا شك، ذلك ان الولايات المتحدة لم تجد حتى الآن البديل المناسب للنظام الحالي على عكس ما حصل في افغانستان والعراق». وشدد زاده على ان حزبه لن يشارك في اي سيناريو تفوح منه رائحة ما حدث في كردستان العراق عام 1991، لاسيما وانه اوقف العمل المسلح في كردستان ايران بغية إتاحة المزيد من المجال امام تنامي واتساع نطاق ما سماه بالمد السياسي والثقافي والاجتماعي المعارض للنظام في مدن كردستان كي يؤتي أكله، حسب تعبيره، مؤكدا أن انتهاج الخيار المسلح في الوقت الراهن سيلحق أفدح الاضرار بذلك المد الشعبي المعارض وسيحفز النظام على عسكرة كردستان وممارسة المزيد من الضغوط المختلفة على الشعب الكردي، لكنه اضاف أن حزبه سيبقى يلوح بالخيار المسلح كورقة ضغط ومطرقة متأهبة ضد النظام ويحتفظ بحق استخدامه حتى يحين الوقت المناسب.

ورأى زاده أن ايران مازال أمامها العديد من الفرص للمساومة والمراوغة فيما هو مطلوب منها اميركيا وأوروبيا مثلما هناك العديد من الفرص أمام الغرب لممارسة ضغوط أشد على طهران، مؤكدا أن التهديدات الايرانية بمحو اسرائيل من الوجود ما هي إلا مساومات رخيصة وعرض للعضلات غايتها الاساسية استقطاب تعاطف الرأي العام في منطقة الشرق الاوسط، وبالتالي تعزيز موقع النظام الحاكم أولا وترويع الشعوب الايرانية والإيحاء لها بان النظام الاسلامي باق ولا يمكن القضاء عليه بسهولة.

اما فاروق بابا ميري عضو المكتب السياسي والرجل الثاني في العصبة الثورية لكادحي كردستان ايران، فقد اعرب عن اعتقاد حزبه بان اميركا جادة جدا في تهديداتها ضد ايران وانها وصلت الى قناعة تامة بضرورة تحجيم الدور السلبي لايران في المنطقة، عبر القضاء على ماكنتها العسكرية وبناها التحتية ومرتكزاتها الاقتصادية، مستبعدا احتمالات تكرار السيناريو الذي حدث في العراق.

وأوضح بابا ميري أن حزبه لم يدخل بعد في أي حوار جاد مع الولايات المتحدة، وانه يفضل استراتيجية القضاء على النظام عبر ثورة شعبية داخلية عارمة من خلال الاجتياح العسكري الاميركي لإيران، خصوصا وان النظام نفسه كان قد قفز الى مساند السلطة عبر ثورة شعبية. ومضى يقول «لو تكررت تلك الثورة ثانية لتخلصت ايران والمنطقة من المد الاصولي الى الابد»، معربا عن الاعتقاد بأن النظام سيزول في نهاية المطاف بفعل ثورة داخلية مدعومة بعمل عسكري محدود من الخارج لاسيما وان النقمة الجماهيرية والغضب والرفض الشعبي باتا على اشدهما بفعل الاضطهاد المنقطع النظير الذي يمارسه بحق الشعوب الايرانية، موضحا أن العامل الاساسي الذي ساعد في بقاء وديمومة النظام الحالي هو غياب البديل المناسب له.

هذا الرأي أيده أيضا عمر اليخانزادة الذي يتولى مؤقتا رئاسة عصبة كادحي كردستان ايران، قائلا «ان الولايات المتحدة جادة في سعيها لمنع النظام في ايران بشتى السبل من امتلاك السلاح النووي، لكنها تواجه بعض العقبات التي تحول دون تمكنها من توجيه ضربات قاصمة الى المفاعل النووي الايراني في الوقت الراهن»، مؤكدا أن ايران حصلت من باكستان على جميع المعدات اللازمة لصناعة الاسلحة النووية التي تخطط لامتلاكها منذ 19 عاما». وأوضح اليخانزادة أن حزبه سيشارك في اي انتفاضة جماهيرية قد تندلع في كردستان ايران بفعل تعرض النظام لضربات عسكرية من الخارج وسيفعل كل ما من شأنه المحافظة على المصالح العليا لشعب كردستان ويحفظ علاقات الاخوة بينه وبين الشعوب الايرانية الاخرى، لكنه يركز الآن في اتخاذه الاستعدادات للمرحلة القادمة من التطورات والمستجدات القادمة على العمق الجماهيري للحزب وقواعده مع السعي الدؤوب لتعزيز علاقاته مع الولايات المتحدة والغرب الى جانب العمل لجمع القوى الكردية الايرانية المعارضة في خندق واحد ورص صفوفها قبل الشروع في إحياء النشاط المسلح، الذي قال انه ينبغي ألا ينطلق من اقليم كردستان العراق حفاظا على مصالح وامن الإقليم وشعبه، مشددا على ان حزبه يشترط في علاقاته مع اميركا والغرب الاعتراف الصريح بمشروعية وعدالة قضية الشعب الكردي في ايران والتعاطي معها بجدية.

هذه الأحزاب والقوى والتيارات الكردية المعارضة لإيران والتي تتخذ من جبال قرداغ في السليمانية معاقل لها والتي تنحدر من اصل واحد، يفرقها الكثير من عوامل الخلاف الايديولوجي والمنهجي والاستراتيجي. ولعل العامل الوحيد المشترك الوحيد الذي يجمعها هو دعوتها الى تبني النظام الفيدرالي في كردستان وإيران المستقبل.