السوريون يرون فوائد اقتصادية من اتفاق سلام مع إسرائيل

الفوائض المالية تحولت إلى عجز بمليارات الدولارات .. وتوقعات بنضوب النفط خلال عامين

الرئيس السوري لدى اجتماعه مع رئيس مجلس الكنائس الأميركي في دمشق أمس (أ.ب)
TT

دمشق ـ مثل معظم السوريين، لا يحب سامر الزيات إسرائيل. وقد أصيب ببعض القلق عندما أعلنت سورية أواخر شهر مايو (أيار) أنها تجري مفاوضات غير مباشرة حول تسوية سلمية مع خصمها القديم.

ولكن الزيات، وهو مصور سينمائي يبلغ من العمر 35 عاما، يقول إنه يرى أن الوصول إلى اتفاق سلام مع إسرائيل أمر ضروري وحتمي، ليس لأسباب سياسية فقط، ولكن لأن الاقتصاد السوري الضعيف يحتاج إلى أكبر قدر ممكن من المساعدة.

يضيف: «لقد حل بنا التعب، والدولة تختنق». وكان يلعب الطاولة مع صديق له على أحد المقاهي حيث تسود رائحة التبغ بنكهة التفاح من حوله. ويكمل: «لقد عانينا منذ فترة طويلة بسبب المقاطعة السياسية والعقوبات».

ويجد هذا الشعور صدى لدى الكثيرين. فقد ارتفعت الأسعار هنا بدرجة كبيرة بعد أن خفضت الحكومة السورية الدعم على الوقود في شهر مايو (أيار)، مما زاد من اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الدولة الاشتراكية اسما. وأصبحت الخيارات المتاحة قليلة. وبدأ احتياطي البترول الذي كانت سورية تعتمد عليه لفترة طويلة، في الاختفاء. وتحول الفائض الضخم في الميزانية منذ عقد مضى إلى عجز قيمته عدة مليارات من الدولارات. وأصبحت الدولة التي كان يمكنها عدم الاكتراث بالعقوبات الغربية مجبرة الآن على التحرر الاقتصادي والانفتاح. ولكن أيا من هذه العوامل لم يغير من اقتناع سورية بأن أي اتفاق سلام يجب أن يتضمن عودة هضبة الجولان، وهي الأرض التي استولت عليها إسرائيل عام 1967. ولكن غموض المستقبل الاقتصادي جعل هناك مميزات إضافية لاتفاق السلام، الذي يمكن أن يساعد على جذب الاستثمار الأجنبي مع نهاية معاملة سورية كدولة منبوذة في الغرب.

يقول غيمار ديب المحامي السوري والخبير الاقتصادي الذي يعمل مع الأمم المتحدة في سورية، إن الوصول إلى تسوية مع إسرائيل «سيرفع حملا ثقيلا عن كاهلنا». فسيؤدي إلى رفع العقوبات، مما يتيح لسورية جذب استثمارات جديدة، والحصول على إمدادات تكنولوجيا متطورة وفرص تدريبية.

وأضاف ديب: «إن الفقر يتزايد، وكذلك يتزايد عدم المساواة، وأعتقد أن الشارع محبط. إنهم يريدون سلاما مع كل جيراننا».

وليس من الواضح أن الحكومة السورية ترى ان الأزمات الاقتصادية عنصرا في المفاوضات مع إسرائيل. وعلى الرغم من أنها بدأت في إحداث بعض التغييرات الاقتصادية منذ عدة أعوام، إلا أن التقدم بطيء، وقد كانت المخاوف السياسية الاستراتيجية هي أهم أولويات الرئيس السوري، بشار الأسد، ووالده حافظ الأسد، الذي حكم البلاد من عام 1970 وحتى وفاته عام 2000.

وكذلك ليس واضحا إذا كانت هذه المفاوضات ستنجح. ويواجه الآن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت اتهامات يمكنها الإطاحة به، ويقول البعض إن سورية ربما لا ترغب في تقديم «التضحيات» التي ستطالبها بها إسرائيل.

وفي الشهر الحالي، ظهر الأسد في اجتماع سياسي إقليمي في باريس بدعوة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي؛ ويقول بعض المحللين إن السوريين ربما يعتقدون الآن أنه يمكنهم الخروج من عزلتهم السياسية والاقتصادية النسبية بدون أن يكون عليهم مصافحة الإسرائيليين. هذا على الرغم من أن إدارة بوش، التي تتهم سورية بمساعدة الإرهاب، أضافت مؤخرا عقوبات على الحكومة وشركائها التجاريين. ولكن يقول بعض المحللين إنهم يعتقدون أن أزمات سورية الاقتصادية يجب أن توضع في اعتبارات الحكومة فيما يتعلق بالسلام الإقليمي.

«إن التحول الذي يجدونه أمامهم الآن هائل»، هذا ما قاله أندرو تابلر، وهو محلل في شؤون سورية ومستشار التحرير لمجلة «سيريا توداي». «يجب أن يتحولوا من دولة تمولها عائدات البترول إلى دولة تمولها الضرائب، ويجب أن يكون لهذا أثر على فكرهم».

لن يكون هذا مفاجئا: فمن المعتاد أن النفط السوري هو الدعامة الأساسية للدخل الحكومي، فهو يوفر 70 في المائة من عائدات التصدير. والآن ينضب البترول سريعا لدرجة أنه أصبح من المتوقع أن تتحول سورية إلى مستوردة للبترول في غضون عامين فقط، وفقا لصندوق النقد الدولي.

وتستورد سورية بالفعل منتجات البترول بأسعار فلكية، وتتكبد دعما كبيرا لتخفيض النفقات على المواطنين. هذا هو السبب الذي أدى بسورية في النهاية إلى البدء في اقتطاع الدعم الهدام على مدى العام الماضي، مما سبب ارتفاع الأسعار وترتب عليه ارتفاع أسعار الغذاء.

وزاد حجم المشكلة بعد أن توالى موسما حصاد سيئان في مناطق زراعة القمح في سورية. وفي مايو (أيار)، رفعت الحكومة من مرتبات ومعاشات القطاع العام، التي كان يبلغ متوسطها 130 دولار في الشهر لمليوني موظف، بنسبة 25 في المائة، مما أضاف عبئا جديدا على الميزانية.

وقد راجعت الحكومة نظام الضرائب، الذي لم يكن فعالا وتم تجاهله عندما كان البترول يلبي احتياجات الحكومة المالية. وقد انخفضت المعدلات، ولكن زادت المبالغ كثيرا، كما قال حسين خضور، وهو محامي في دمشق ورئيس فرع غرفة الفتية الدولية في سورية، وهي مجموعة تجارية.

وقد بذلت جهود أخرى لتوفير مناخ افضل للأعمال، مثل مراجعة قوانين حقوق الملكية الفكرية. ويمكن لأي زائر لسورية رؤية بعض الأنشطة الاستثمارية الجديدة، حيث افتتحت عشرات المطاعم والفنادق الفاخرة في العاصمة على مدى العامين الماضيين.

«في الثمانية عشر شهر الماضية، كان هناك تحرر سريع»، هذا ما قاله عبد السلام هيكل، المسؤول عن الجمعية السورية لرجال الأعمال الشباب. «لقد أدرك الناس أن الحكومة لم تعد هي المصدر الوحيد للموارد».

ويضيف هيكل أن هذا النشاط الجديد يخلق فرصا جديدة ويجذب مؤيدين للتوصل إلى نتيجة حقيقة في المفاوضات مع إسرائيل.

ويقول: «أعتقد أن أكبر محفز على التوصل إلى السلام هو كل أعمال التنمية الجارية».

ولكن مازال حتى أكثر الأشخاص تفاؤلا مثل هيكل يعترفون أنه لازالت هناك تحديات خطيرة. ويقول بعض المستثمرين إنهم قلقون من عدم وجود سيادة للقانون ومن انتشار الفساد. ويرى الكثير من السوريين أن أي اعتبار اقتصادي أقل أهمية من الحاجة إلى مواجهة إسرائيل، التي يراها الكثيرون دولة استعمارية شريرة.

ويقول الزيات، المصور السينمائي، إنه يجد أنه «من الصعب للغاية قبول» رؤية علم إسرائيل يرفرف في سورية، وهو يعتقد أن الكثير من السوريين يشاطرونه الشعور نفسه.

ولكنه أضاف: «إذا لم يتحقق السلام، فسيكون خيار الحرب دائما مفتوحا وهذا يروعني. فأنا خائف على مستقبل أبنائي وأسرتي».

* خدمة «نيويورك تايمز»