شاهد في قضية حمدان: بن لادن سعى للشهرة في أميركا عبر مقابلة تلفزيونية

جون ميلر التقى زعيم «القاعدة» عام 1998

سالم أحمد حمدان لدى مثوله للمحاكمة في غوانتانامو
TT

كانت الشاحنة تتحرك عبر المناطق القبلية النائية من أفغانستان عندما ظهر فجأة رجال ملثمون مدججون بالسلاح من جانب الطريق. وناضل فريق العمل التابع لقناة «إيه. بي. سي» الإخبارية من أجل تجنب الرصاص الذي تساقط عليهم. وسرعان ما طوق الرجال الشاحنة التي تضم الفريق وأمطروهم بوابل من الأسئلة وطلبوا منهم إبراز الأوراق الرسمية التي بحوزتهم. وعلم أفراد الطاقم أن إجراءات الأمن تصبح مشددة دوماً عندما يوشك بن لادن على الحضور. آنذاك، كان المراسل جون ميلر على وشك إجراء لقاء مع الرجل الذي أصبح فيما بعد أكثر رجل مطلوب إلقاء القبض عليه على مستوى العالم. وأدلى مراسل «إيه. بي. سي» السابق بشهادته هنا في غوانتانامو يوم الثلاثاء في إطار جلسة المحاكمة العسكرية للسائق السابق لبن لادن، سالم أحمد حمدان، حول لقائه بزعيم تنظيم «القاعدة» عام 1998. وأثناء المحاكمة، جرى عرض لقطات قصيرة من اللقاء داخل قاعة المحكمة، بما في ذلك جزء تم عدم بثه أخبر فيه ميلر بن لادن بأنه: أشبه بالنسخة شرق الأوسطية من تيدي روزفلت. ولم يتضح رد فعل زعيم «القاعدة» إزاء هذه الملحوظة. وأخبر ميلر، الذي يعمل حالياً متحدثاً رسمياً باسم مكتب التحقيقات الفيدرالية، هيئة المحلفين بأنه ألقى بهذا التعليق بصورة رئيسة من أجل تشجيع بن لادن على الاستمرار في الحديث بحيث يتمكن المصورون من الحصول على لقطات أفضل له. وأضاف في وقت لاحق أن المقارنة جاءت في إشارة إلى قتال بن لادن ضد الغزاة السوفيات داخل أفغانستان في الثمانينات.

يذكر أن حمدان يواجه اتهامات بالتآمر لتنفيذ هجمات إرهابية وذلك في إطار أول محكمة عسكرية تقام في الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. وأثناء المحاكمة، جلس المتهم الذي ارتدى زياً أبيض اللون في هدوء بينما أخذ ميلر الأحداث الكبرى التي مر بها على امتداد 11 يوماً قضاها داخل المناطق المقفرة من باكستان وأفغانستان، وهي مهمة حملت جميع خصائص العمليات السرية، رغم كونها مهمة صحافية. وانتهت المهمة بإجراء ميلر واحداً من أوائل اللقاءات التي عقدها بن لادن مع مراسل تلفزيوني غربي. وأخبر ميلر هيئة المحلفين المؤلفة من ستة ضباط عسكريين بالقول «نكاد نكون قد عدنا بالوقت إلى الماضي، حيث انتقلنا من مدن بها فنادق ضخمة وهواتف وأجهزة فاكس وحواسب آلية إلى مدن صغيرة تقع على الحدود ثم إلى مدن صغيرة بالمناطق القبلية. وكانت اتصالاتنا تواجه أعطالا بصورة متكررة». كان هذا اللقاء بين ميلر وبن لادن قبل ثلاث سنوات من وقوع هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ضد برجي مركز التجارة العالمي ومقر البنتاغون. يذكر أن بن لادن أصدر في الفترة الأخيرة قبل الهجمات فتوى يحث فيها المسلمين على قتل الأميركيين، لكن الرأي العام الأميركي في تلك الفترة لم يكن يعلم الكثير بشأن هذا الثري المنفي وشبكة «القاعدة» التي يتزعمها. وأملاً في الحصول على سبق صحافي، لجأت القناة إلى الاستعانة بأحد مستشاريها وهو فنسنت كانستراتو، الذي سبق له العمل رئيساً لقسم مكافحة الإرهاب داخل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، بهدف تلقي مساعدته في الوصول إلى بن لادن. واشار ميلر إلى أنه من خلال مصادر خاصة به، تمكن كانستراتو من إرشادهم إلى شخص يعيش في لندن يدعى خالد. وبالفعل، توجه ميلر برفقة فريق عمل مؤلف من أربعة أشخاص إلى لندن في 17 مايو (أيار) 1998. وقام خالد بدوره بإرسالهم إلى إسلام أباد، العاصمة الباكستانية، حيث فوجئ ميلر بشخصين يطرقان باب غرفته في الفندق الذي أقام به.

وقال ميلر : دخلا الغرفة وقاما بالنظر داخل الحمام ووراء الستار الموجود فيه وداخل دولاب الملابس. كانت الزيارة مفاجئة إلى حد ما. وتم إخبار ميلر والمصور المرافق له والمترجم العراقي الذي كان برفقتهما بأن يستعدا بحلول الساعة السابعة صباحاً وأن يرتديا ملابس أفغانية تقليدية. وتم إرسالهم على متن طائرة إلى بيشاور بباكستان برفقة أحد أعضاء «القاعدة» حسبما أشار ميلر في شهادته. وأصر أحد رجال بن لادن على دفع أجرة الطائرة، لكن لم يتم تحديد مصدر هذا المال. وفي صباح اليوم التالي، تم نقل الفريق على متن طائرة إلى مدينة غير معروفة بشمال غربي باكستان تدعى بانو. داخل المدينة، تم ترك الفريق على قارعة الطريق. وأخيراً، جاءت حافلة وخرج منها رجل ذو لحية طويلة بيضاء. وبعد مرور ثلاث ساعات داخل الحافلة، قاد الرجل ميلر والفريق المرافق له عبر المنطقة الحدودية القاحلة إلى داخل أفغانستان. وحث الرجل الفريق على الإبقاء على الكاميرا بعيداً عن الأنظار، نظراً لأن حكام أفغانستان من طالبان فرضوا حظرا على الكاميرات وتصوير البشر. وفي الليل وعند مفترق أحد الطرق، قابل ميلر وفريقه رجلين أحدهما بدا ودوداً ومبتسماً بينما بدا الآخر متجهماً وسارع بمصادرة الكاميرا التي بحوزتهم. وفيما بعد أدرك ميلر أن الرجل المبتسم هو أيمن الظواهري، الرجل الثاني داخل التنظيم والذي لا يزال هو وزعيمه هاربين حتى اليوم. أما الرجل المتجهم فاتضح أنه محمد عاطف المسؤول الأمني الأول داخل التنظيم والذي لقي حتفه في غارة أميركية بعد شهرين من وقوع هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية. وتم نقل الفريق إلى كوخ فوق أحد التلال، حيث أقاموا، وأخبرهم الظواهري أنه: قد لا يكون هذا مستوى الإقامة الذي اعتدتم عليه، لكن هذا الكوخ هنا يماثل فندق ريتز. ستشعرون بالراحة هنا. أنتم لستم سجناء، وإنما ضيوفنا. ومع ذلك، لم يكن بمقدور أعضاء الفريق مغادرة الكوخ. وبعد ذلك، قدم ميلر 16 سؤالاً مكتوباً على ورقة صفراء وظل يتساءل على مدار يومين عن موعد إجراء اللقاء. وبعد تعرضهم لتفتيش دقيق ومصادرة الأقلام التي كانت معهم، تم وضع الفريق في شاحنة زرقاء مرت عبر عدة نقاط تفتيش، حيث خرج رجال ملثمون وأطلقوا النار على الشاحنة. وأخيراً، وصلوا إلى قمة أحد التلال بجنوب أفغانستان حيث يوجد معسكر وبدأ مئات الرجال الملثمين بإطلاق الأعيرة النارية تحية لبن لادن لحظة وصوله. وخلال اللقاء، توقع بن لادن لأميركا مستقبلا أسود. يذكر أن سفارتين أميركيتين بشرق أفريقيا تعرضتا للتفجير بعد ثلاثة شهور من اللقاء.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»