كوريا الشمالية تغرق.. جوعاً

الأمم المتحدة تحذر من أن البلاد لم تتعرض لأزمة مشابهة منذ أواخر التسعينات

TT

أعلنت الأمم المتحدة أمس تعرض كوريا الشمالية مجدداً لنقص حاد في المواد الغذائية نجمت عنه معاناة الملايين من أبنائها من الجوع بسبب قلة المحاصيل الزراعية وخفض الواردات الغذائية. وأشار جان بيير دي مارجري، مدير برنامج الغذاء العالمي، الذي يعتبر برنامج المساعدات الرئيس التابع للأمم المتحدة في كوريا الشمالية، إلى أن البرنامج سيستأنف عملياته الطارئة داخل البلاد خلال الأسبوعين القادمين للمساعدة في إطعام ما يزيد على 5 ملايين نسمة على مدار الخمسة عشر شهراً المقبلة بتكلفة تقدر بـ500 مليون دولار. ووصف دي مارجري الوضع في مؤتمر صحافي عقده في بكين بأنه «خطير للغاية».

وقرار استئناف عمليات الطوارئ التي تراجعت في العام 2005، بناءً على طلب من حكومة كوريا الشمالية، جاء في أعقاب مسح أجرته الأمم المتحدة الشهر السابق كشف النقاب عن أقسى موجة جوع وأكثرها انتشاراً داخل كوريا الشمالية منذ عقد. وتم إجراء هذا المسح بعد اعتراف حكومة كوريا الشمالية رسمياً، في خطوة غير معتادة، عن تفاقم أزمة الجوع داخل البلاد وناشدت تقديم مساعدات دولية لها. يذكر أن إنهاء حالة العزلة المفروضة على كوريا الشمالية عن الدول المجاورة وتشجيعها على التعاون مع المنظمات الدولية، كان من بين الأهداف الكبرى لمفاوضات سداسية الأطراف الجارية والرامية لتفكيك برنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية. وفي مقابل تدمير منشآتها البحثية وأسلحتها النووية، صدرت وعود لكوريا الشمالية بتلقي مساعدات اقتصادية ضخمة وبناء علاقات أفضل بينها وبين الولايات المتحدة وجيرانها الآسيويين. وبعد خمس سنوات من المحادثات المتقطعة أوقفت كوريا الشمالية العمل في وقت سابق من هذا العام في مفاعلها النووي الرئيس، وهو منشأة تعتمد في عملها على البلوتونيوم تقع بالقرب من العاصمة، وتعهدت بتوفير معلومات كاملة عن برنامجها النووي بأكمله. وبدأت المفاوضات حول كيفية التحقق من هذه المعلومات. كما أقدمت على نسف برج التبريد الخاص بالمفاعل في الشهر السابق أمام جمهور دولي من الصحافيين والدبلوماسيين.

بيد أن حكومة كوريا الشمالية اعترضت على عدم تلقيها مساعدات الطاقة التي وُعدت بها، والمؤلفة من مليون طن من زيت الوقود، بسرعة كافية تبرر كشفها عن المزيد من المعلومات. وكانت الولايات المتحدة قد تعهدت أخيرا بتقديم 500 ألف طن من المواد الغذائية إلى كوريا الشمالية على امتداد الشهور الستة المقبلة، بحيث يتم توزيع الجزء الأكبر منها عن طريق برنامج الغذاء العالمي كجزء من جهوده الطارئة داخل البلاد. وأعلن دي مارجري أن أول دفعة من المساعدات الغذائية، والمكونة من 37 ألف طن من القمح، وصلت إلى موانئ كوريا الشمالية منذ أسبوعين ومن المتوقع وصول المزيد من الشحنات قريباً. وعلى النقيض من توجهها المعتاد سابقاً، أبدت كوريا الشمالية استعدادها السماح لعمال المساعدات التابعين للأمم المتحدة بحرية أكبر في مراقبة وصول الإمدادات الغذائية الجديدة، بحسب ما قال دي مارجري. وتفاوضت واشنطن بشأن إقرار قواعد إشرافية أكثر مرونة كشرط لتقديم مساعداتها المتمثلة في 500 ألف طن من المواد الغذائية. وأزمة الغذاء المتفاقمة نجمت بصورة رئيسة عن الفيضان الذي تعرضت له البلاد العام السابق وأسفر عن تدمير الحقول الزراعية، ما أدى بدوره إلى نقص المحاصيل الغذائية، وبالتالي اشتعال أسعار المواد الغذائية. وتراجعت الواردات بدرجة هائلة خلال هذا الربيع، خاصة من كوريا الجنوبية والصين، ونجم عن ذلك حدوث عجز يقدر بـ 20 في المائة، أو 1.6 مليون طن، في الإمدادات الغذائية اللازمة لإطعام سكان كوريا الشمالية البالغ إجمالي تعدادهم 23 مليون نسمة. وقال دي مارجري ان الأزمة تسببت في وصول أسعار السلع الرئيسة، مثل الأرز والقمح والبيض، إلى ضعفي أو ثلاثة أضعاف، بل وأحياناً أربعة أضعاف سعرها. وأضاف أن سكان أكثر المناطق تضرراً بالأزمة، خاصة الأطراف الشمالية الشرقية من البلاد، تحولت إلى العشب والطحالب البحرية والنباتات البرية كمصدر للطعام. وأشار إلى أن المسح الذي أجراه فريق تابع للأمم المتحدة الشهر السابق توصل إلى أن ما يزيد على نصف الأسر التي شملها المسح خفضت عدد وجباتها اليومية من ثلاث إلى اثنتين بسبب نقص الغذاء. وأضاف: «آخر مرة كان فيها الجوع بمثل هذه الشدة والانتشار بأنحاء البلاد كانت في أواخر التسعينيات».

والعمليات الطارئة التي نفذها برنامج الغذاء العالمي كانت توفر الاحتياجات الغذائية لثلث سكان البلاد حتى العام 2005 عندما طلبت بيونغ يانغ من البرنامج تقليص جهوده نظراً لتحسن الإنتاج الزراعي داخل البلاد. ومنذ ذلك الحين قلص البرنامج مساعدته وأصبح يطال قرابة 1.2 مليون شخص من خلال ما أُطلق عليه مساعدات تنموية طويلة الأمد. اما الآن، فقال دي مارجري إن استئناف عمليات الطوارئ سيعيد توزيع الغذاء على ما يتراوح بين 5 و6 ملايين نسمة بحلول سبتمبر (أيلول)، وهي فترة تعتبر حرجة لأن محاصيل هذا الخريف لن تكون قد دخلت إلى نظام التوزيع الحكومي. وطلب دي مارجري تبرعات عاجلة تقدر بحوالي 20 مليون دولار من أجل تيسير عمل البرنامج الجديد.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط»