ملك البحرين يقترح إنشاء مرصد وطني يوحد بين السنة والشيعة و«يرشد الخطاب الديني»

العفو عن عشرات المتهمين والمحكومين في قضايا أمنية وغالبيتهم بأعمال الشغب

الملك حمد بن عيسى خلال استقباله علماء الدين («الشرق الأوسط»)
TT

فيما طوى ملك البحرين أمس صفحة 225 متهما ومدانا يشكلون غالبية المحتجزين في قضايا المواجهات الأمنية وأعمال الشغب التي شهدتها البحرين أخيرا، تستعد البحرين لحوار، هو الأول من نوعه، يجمع بين الطائفتين الرئيسيتين في البلاد: السنة والشيعة.

واقترح الملك حمد بن عيسى آل خليفة إنشاء مرصد وطني يحقق الوحدة الوطنية بين جميع البحرينيين، ومن المقرر أن يستكمل علماء السنة والشيعة في البحرين خلال الأيام القليلة تفاصيل إنشاء هذا المرصد وتعيين هيئة دائمة له وآلية العمل وإطلاق عدد من المبادرات التي تعزز رؤية ملك البحرين في وحدة مواطني بلاده. وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن العاهل البحريني سيعاود الالتقاء بالعلماء البحرينيين مرة ثانية خلال الأسبوعين المقبلين، وهو ما اعتبرته المصادر تأكيدا على حرص الملك حمد على سرعة إيجاد حلول عملية تساعد على اللحمة الوطنية للبحرينيين كافة «من دون النظر لأي انتماءات طائفية لهم».

وبحسب المصادر فإن مبادرة الملك حمد بن عيسى وجدت صدى طيبا وتجاوبا من كافة الفعاليات الدينية البحرينية من السنة والشيعة، وهو ما ستتضح صورته بشكل أكبر خلال الأيام المقبلة عبر مجموعة من المبادرات تخفف من الاحتقان الطائفي الذي أفرزته مواقف بعض من الفعاليات في كلتا الطائفتين، وهو ما أدى إلى تدخل ملكي لـ«إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح وأن البحرينيين تعايشوا بسلام طوال تاريخهم بدون النظر لطائفة الآخر منهم» وفقا للمصادر. ومن المنتظر أن تقوم لجنة ثلاثية تتكون من الدكتور محمد جابر الأنصاري مستشار ملك البحرين للشؤون الثقافية، والدكتور محمد علي الستري، والدكتور فريد المفتاح، بالتنسيق لتأسيس هذا المرصد.

وطرح الملك حمد، خلال لقائه بنحو 50 عالم دين وإماما وخطيب جمعة، مشروع تأسيس مرصد وطني يجمع وحدتهم يتم الاتفاق بشأنه لترشيد الخطاب الديني، ويكون «مصدراً خيّراً للتوجيه والارشاد يعكس ما تمثله البحرين ويمثله الإسلام من سماحة وانفتاح وشمول».

كما أمر ملك البحرين أمس، إثر لقائه الاخير مع مجموعة من علماء الدين، بالعفو عن 225 من الاشخاص المتهمين والمدانين بقضايا الحق العام، غير أن هذا الأمر اشترط في من يطلق سراحهم أن لا يكونوا ممن تورطوا فى ارتكاب مخالفات جنائية «تمس أمن الوطن والمواطن»، كما تضمن الأمر الملكي البحريني إطلاق سراح محكومين اخرين دون انتظار مناسبة حلول عيد الفطر المبارك للإفراج عنهم.

وبحسب معلومات توافرت لـ«الشرق الأوسط» فإن قائمة المفرج عنهم تتضمن كافة المحكوم عليهم أو المتهمين في أحداث شغب جرت خلال العامين الماضيين، ومنهم أحد عشر مواطنا بحرينيا أصدرت محكمة بحرينية بحقهم الشهر الجاري أحكاما بالسجن لمدد تصل إلى سبع سنوات، فيما عرفت بقضية أحداث ديسمبر(كانون الاول) والتي تسببت في أعمال شغب ضد قوى الأمن. واستثنت قائمة المفرج عنهم شخصين فقط كانا قد اتهما بقتل رجل أمن في وقت سابق، وما زالت التحقيقات جارية في هذه القضية.

وقالت المصادر إن مبادرة العفو الجديدة جاءت رغبة من ملك البحرين «في إحياء أفراح الوطن والمواطنين واعادتها الى قلوب الامهات والاسر باحتضان ابنائها وكذلك بمناسبة اللقاء الوطني المبارك برعاية الملك وحضوره لعدد من المعنيين بالشأن الديني في البلاد من مختلف الاجتهادات والمشارب، وتيمنا بما عبر عنه المشاركون الكرام في ذلك اللقاء التاريخي من روح فياضة لصيانة الوحدة الوطنية تنم عن طيبة اهل البحرين وسماحتهم من منطلق دينهم السمح وما أبدوه من افكار بناءة لمستقبل البلاد وما اتخذوه من قرارات لاستمرار هذه الظاهرة الايجابية برعاية جلالة الملك في حياة الوطن والمواطنين وبما من شأنه تطوير الخطاب الديني بين المسلمين كافة وانفتاحه على الحوار مع الاديان السماوية والثقافات الانسانية تقوية للذات في حوارها مع الاخر».

ويأتي لقاء الملك حمد بالمعنيين بالشأن الديني رغبة في الجمع والتوفيق بين رجال الدين، وتوفير أجواء المصارحة الودية لهم للتلاقي والتوافق فيما بينهم، وضمن لقاءاته مع الفعاليات الوطنية الأخرى في البلاد.

ووجه الملك حمد علماء الدين إلى أهمية ان يكون الخطاب الديني المنطلق من المنابر داعيا ومراعيا للوحدة الوطنية والمحبة والتآخي، لافتا انتباه المجتمعين الى ما يحيط بالمنطقة والبحرين من محاذير تتطلب التمسك بالوحدة الوطنية والتكاتف لسد الثغرات في وجه المؤثرات الخارجية، ومشيرا الى دورهم في توجيه الشباب الذي يستمع بحكم التوجه الديني الى خطاب تلك المنابر، مشددا على مسؤوليتها عن سلوكه سلبا او إيجابا، مؤكدا ان المزيد من التنمية سيأخذ مجراه في البلاد لرفع المستوى المعيشي للمواطنين، «وهو هدف لا يعلو عليه أي هدف اخر، شريطة توافر الامن والاستقرار ونبذ العنف في كافة ربوع البلاد وخاصة في المناطق المعنية بمشروعات التنمية».

وحث الملك حمد المجتمعين على ان يكونوا روادا في تطوير حوار نموذجي بحريني بين المسلمين كافة لما تمتاز به البلاد عبر تاريخها من تسامح وانفتاح، مناشدا الجميع للحفاظ على هذا النموذج المشع والعمل على تنميته والارتقاء به.

وفي كلمته التي ألقاها على علماء الدين، ذكّرهم ملك البحرين باثنين من علماء البحرين السابقين، أحدهما سني والآخر شيعي، مضيفا «عندما كان كل من الشيخ قاسم المهزع والشيخ خلف العصفور يتبادلان رعاية ابناء الوطن إرشادا ونصحا، اذا غاب احدهما حل الآخر مكانه في تسامح وتكامل هما من سماحة الاسلام وطيبة اهل البحرين التي لا تفوقها طيبة وسماحة. وانتم ورثة هذا القبس النير والمؤتمنون على حرمته ودوره».

وخاطب الملك حمد علماء الدين في بلاده قائلا «اني لعلى ثقة بأنكم مؤهلون في هذا البلد المتسامح والمنفتح لتأسيس حوار نموذجي هادف بين المسلمين كافة بمخالف اجتهاداتهم ومدارسهم في وقت هم واخوانهم في الانسانية أحوج ما يكونون الى ذلك. ولقد رأيت انه بمساهمتكم ودعمكم وتعاونكم يمكننا تأسيس مرصد وطني يتم الاتفاق بشأنه يمثل وحدتكم لترشيد الخطاب الديني يكون مصدرا خيرا للتوجيه والارشاد يعكس ما تمثله البحرين ويمثله الاسلام من سماحة وانفتاح وشمول».

وقال لـ«الشرق الأوسط» الأب الروحي للتيار السلفي في البحرين الشيخ عادل المعاودة، إن الملك حمد أبدى حرصاً شديداً على وحدة البحرينيين وعدم فرقتهم، وأن الملك حمد أشار إلى تأثير رجال الدين على ذلك، مضيفا «ولا شك أن العلماء والخطباء والدعاة يحملون مسؤولية كبيرة في هذا الشأن يجب ألا يغفلوها في ظل الحماسة والانفعال مع بعض القضايا».

واعتبر الشيخ المعاودة أن مقترح ملك البحرين (إنشاء مرصد وطني) «من شأنه أن يحول الكثير من الاختلافات إلى مزيد من اللحمة الوطنية». وقال المعاودة «خلال لقاء الملك تم التأكيد على ضرورة الحفاظ على الهوية الدينية التي تميز الشعب والأرض منذ القدم كما أكد جلالته على ذلك»، وأضاف «يجب على الدولة أن تقف أمام مظاهر الفساد الاخلاقي التي بدأت تنتشر في بعض المناطق والمجمعات، فهذا كله يسيء إلى سمعة البحرين».