تركيا: حزب العدالة الحاكم ينجو من الحظر وأردوغان يتعهد بحماية العلمانية

المحكمة الدستورية غرمته 15 مليون دولار والاتحاد الأوروبي يرحب بقرار رفض حظره

TT

حسمت المحكمة الدستورية التركية أمس حالة الترقب وعدم اليقين السياسي في تركيا، برفضها باغلبية ضئيلة أمس دعوى اغلاق حزب العدالة والتنمية الحاكم، بتهمة انه يقود البلاد بعيدا عن نظامها العلماني نحو اسلمة المجتمع. وكانت الدعوى التي رفعت الى المحكمة لها اثرها البالغ على الاسواق المالية التركية، بسبب الازمة التي كانت ستحدث لو قررت المحكمة اغلاق الحزب.

لكن المحكمة رغم قرارها، الذي حافظ على الحكومة، التي يرأسها رجب طيب اردوغان، وجهت رسالة تحذير قوية الى الحزب بفرض عقوبات مالية عليه عن طريق حرمانه من نصف التمويل الذي يحصل عليه من الخزانة العامة. وفي اول رد فعل اعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ان حزبه الحاكم سيواصل السير على طريق حماية القيم الجمهورية ومن بينها العلمانية. ورحب رئيس البرلمان كوكسال توبتان العضو في حزب العدالة والتنمية بالقرار على الفور، معتبرا انه سيكون له «تأثير ايجابي جدا من اجل الحد من التوتر»، الذي اثارته هذه القضية.

ورأى ان «هذا القرار يبعث على الارتياح»، مضيفا ان قرار القضاة «سيرفع مستوى الديمقراطية في تركيا»، التي تسعى الى الانضمام الى الاتحاد الاوروبي.

وذكرت شبكة «ان تي في» الاخبارية التلفزيونية التركية ان تصفيقا دوى في مقر حزب العدالة والتنمية في انقرة فور الاعلان عن القرار. واكتفى رئيس اركان الجيش التركي يشار بويوكانيت بالقول «ان قناعات القوات المسلحة حول العلمانية لم تتغير».

وفي تفسير القرار قال هاشم كليتيش رئيس المحكمة الدستورية ان القرار الذي صدر عن المحكمة يشكل تحذيرا لهذا الحزب، وهو تحذير جاد، معربا عن امله في ان الحزب سيقيم نتيجة قرار المحكمة وان كل الاجراءات الضررورية ستتخذ.

واشار رئيس المحكمة ان 6 قضاة من اصل 11 قاضيا كانوا يريدون اغلاق الحزب، بينما كان القرار يحتاج الى تصويت 7 قضاة لصالح الاغلاق، وذلك حسب قواعد المحكمة.

وجاء قرار المحكمة بعد ثلاثة ايام من المداولات، كما رفضت طلب المدعي العام منع 71 من اعضاء الحزب من الانتماء الى حزب سياسي لفترة معينة. وكان المدعي العام قد تقدم بهذا الطلب في مارس (اذار).

وكان من شأن اتخاذ قرار باغلاق الحزب الاضرار بصورة تركيا التي تسعى لعضوية الاتحاد الاوروبي، لان الحزب فاز باغلبية قوية في الانتخابات الماضية. ونادى الزعماء الاوروبيون بحسم الخلاف السياسي في الانتخابات وليس في قاعات المحاكم.

ولدى اعلانه قرار المحكمة قال كليتيش ان القضاة لم يكونوا مرتاحين في تدوالهم لهذه القضية، وانها عكست الحاجة الى اصلاحات قضائية ودستورية تعكس الديمقراطية التركية. كما ناشد رئيس المحكمة الزعماء السياسيين في البلاد لايجاد توافق بينهم وخفض التوتر.

وفي رد فعل داخلي على قرار المحكمة نقلت قناة تلفزيون «سي.ان.ان. ترك» عن وزير العمل التركي فاروق جليك قوله أمس، ان حكم المحكمة الدستورية بعدم اغلاق حزب العدالة والتنمية الحاكم انتصار للديمقراطية التركية.

لكن مصطفى اوزيزرك نائب رئيس حزب المعارضة الرئيسي قال انه يحترم قرار المحكمة، لكنه لاحظ ان اغلبية القضاة فيها (6 من 11) اقروا فعليا بان الحزب الحاكم مركز نشاط معاد للعلمانية. واضاف قائلا اذا استخلص الحزب الحاكم الدرس من قرار المحكمة فلن تكون هناك مشكلة، واذا لم يستخلص فان تركيا ستدخل ازمة مرة اخرى.

وقالت شبكة سي ان ان القضاة صوتوا باغلبية 10 الى واحد مع حرمان حزب العدالة والتنمية من نصف التمويل الحكومي، وهو ما يعني خسارته نحو 15 مليون دولار اميركي هذا العام.

وكان امام قضاة المحكمة الدستورية التركية، في نظرهم للقضية التي رفعها المدعي العام ضد الحزب بتهمة ممارسة انشطة ضد العلمانية، 3 خيارات، هي قبول الطلب او رفضه او حرمان الحزب من التمويل العام. وهذه العملية القضائية هي الاولى التي تطول حزبا حاكما في تركيا، والوحيدة من نوعها في العالم في اطار نظام ديمقراطي. وجاء الحكم في مناخ أمني متوتر تجلى في اعتداء مزدوج الاحد في اسطنبول اسفر عن 17 قتيلا ولم تعلن اي جهة مسؤوليتها عنه.

وحظرت المحكمة الدستورية منذ انشائها في 1962 وحتى الآن 24 حزبا سياسيا، مستهدفة بشكل خاص الاحزاب الاسلامية والمؤيدة للاكراد.

وكان المدعي العام قد اعتبر في شكواه ان «الجمهورية العلمانية لم تشهد مثل هذا الخطر من قبل»، متهما حزب العدالة والتنمية باستغلال الديمقراطية من اجل فرض الشريعة.

ورفض حزب العدالة والتنمية، الذي فاز بنسبة 47% من اصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية العام الماضي الاتهامات الموجهة اليه، واصفا اياها بانها «انقلاب قضائي» من اجل الاطاحة به من الحكم.

خارجيا لقي قرار المحكمة ترحيبا، اذ رأى الممثل الاعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا في رفض المحكمة الدستورية التركية حظر حزب العدالة والتنمية الحاكم «نبأ سارا»، معبرا عن امله في ان يعيد هذا القرار «الاستقرار السياسي» الى تركيا.

واعلنت المفوضية الاوروبية الاربعاء انها اخذت علما بقرار المحكمة الدستورية التركية ، داعية تركيا الى مواصلة اصلاحاتها.

وقال مفوض شؤون توسيع الاتحاد الاوروبي اولي رين في بيان «اخذت علما بحكم المحكمة الدستورية في تركيا»، داعيا انقرة «الى ان تستأنف الان بقوة الاصلاحات لتحديث البلاد».

واضاف المفوض «اني اشجع الاطراف المعنية على العمل بهدف تطبيق اصلاحات دائمة مبنية على تفاهم ومنجزة عبر حوار موسع يشمل كل شرائح المجتمع التركي».

وتفاوض تركيا منذ عام 2005 بشأن انضمامها الى الاتحاد الاوروبي، لكن المحادثات تتقدم ببطء، وخصوصا بسبب اصلاحات تعتبر المفوضية الاوروبية انها لا تزال غير كافية.

وانشئ حزب العدالة والتنمية في 2001 ووصل الى الحكم في السنة التالية. وقد نشأ نتيجة انقسام داخل حزب الفضيلة الاسلامي، الذي حظر في السنة نفسها «لقيامه بانشطة مناهضة للعلمانية».

واثار حزب العدالة والتنمية غضب الاوساط العلمانية باصراره على ايصال احد اعضائه الى رئاسة الدولة، ومحاولته تشريع الحجاب في الجامعات عبر تعديل دستوري تم اقراره في فبراير (شباط). والغت المحكمة الدستورية هذا التعديل في يونيو (حزيران).