أرز لبنان يواجه آثار ظاهرة الاحتباس الحراري .. وجفاف التربة والذوبان السريع للثلج يحد من مقاومته

الخبراء يحذرون من أن الخطر ليس بعيدا

TT

قريبا يقرع ناقوس الخطر، فغابات الارز اللبناني لم تعد بمنأى عن ظاهرة الاحتباس الحراري وان كان بعض اشجار الارز يرقى الى آلاف السنين. واذا كان هذا يمنحها قدرة على تحمّل الضغوط المناخية، فإنه لا يعني، بالضرورة، منحها حماية مطلقة.

يجمع الخبراء البيئيون على ان ظاهرة الاحتباس الحراري بدأت تؤثرعلى لبنان. وعلى هذا الصعيد لعلّ ابرز ما تعرضت له غابات أرز لبنان ما أصاب محمية ارز تنورين-جاج قبل بضعة اعوام من يباس، ما استدعى معالجة سريعة للحشرات التي فتكت بها.

ويقول المسؤول في «محمية أرز الشوف» نزار هاني لـ «الشرق الاوسط»: «ان الحرائق التي بتنا نشهدها بكثرة في العامين الماضيين ليست الا انعكاسا مباشرا لهذه الظاهرة». وفيما نفى وجود دراسات علمية وأرقام تؤكد انعكاس هذا الامر على ارز لبنان، قال ان الحرائق والذوبان السريع للثلج من شأنهما أن يهددا ما تبقى من غاباتنا. فذوبان الثلج مؤشر مباشر لظاهرة الاحتباس الحراري وهو يؤدي بعد فترة معينة الى اختلال في الدورة الطبيعية للحياة البيولوجية. انه موضوع طويل الامد فبعد 50 سنة ستواجه غاباتنا خطرا كبيرا اذا استمرت هذه الظاهرة».

وقال ان «المجلس العالمي لصون البيئة الذي يضم 10 آلاف عضو من جمعيات ومنظمات تعنى بالبيئة و10 آلاف خبير من العالم سيجتمع في سبتمبر (ايلول) في اسبانيا لدرس وضع الارز من بين المواضيع البيئية التي يتناولها سنويا».

وتحدث الخبير اللبناني في علم حشرات الغابات الاستاذ المحاضر في جامعتي اليسوعية والاميركية في بيروت الدكتور نبيل نمر الى «الشرق الاوسط» عن هذه الظاهرة، فقال: «هناك 12 موقعا للارز في لبنان يبلغ مجموع مساحتها 2200 هكتار. وفي أواخر التسعينات فوجئنا بظاهرة يباس الارز في تنورين. وبعد دراسات وجدنا ان السبب حشرة الارز المنشارية الموجودة عادة في الدول الباردة. ولكنها تكاثرت في محمية تنورين بشكل غير طبيعي. وتبيّن ان امد حياة هذه الحشرة قد انخفض من 5 سنوات الى سنة واحدة بسبب جفاف التربة وارتفاع الحرارة والذوبان السريع للثلج. كل هذه العوامل أدت الى عدم مرور الحشرة بفترة سبات طبيعية، فكانت النتيجة انها تكاثرت خلال فترة قصيرة فيبست الاشجار. وهذا من ابرز الانعكاسات المباشرة للاحتباس الحراري. فعمدنا الى استقدام طوافات لرش المحمية بنوع محدد من المبيدات». وأعطى مثلا آخر وهو «دودة صندل الارز» التي تختلف عن دودة الصندل التي تصيب عادة الصنوبر. واوضح ان «هذه الدودة تعيش عادة على الساحل والارتفاع المتوسط. أما اليوم فبتنا نشاهدها على المستويات المرتفعة كما في محمية اهدن (في الشمال) التي تبدأ من ارتفاع 1200 متر وتصل الى 1800 متر. والسبب الذي يكمن وراء التمدد غير الطبيعي لهذه الحشرة هو تدني الحرارة بشكل سمح لها بالتأقلم في المناطق المرتفعة، فضلا عن انحسار فترة الصقيع. وهذا مؤشر واضح لظاهرة الاحتباس الحراري».

وأضاف: «بدأت المشكلات المتأتية عن الانحباس الحراري تظهر في التسعينات ووصلت الى ذروتها عامي 1998 و1999 حين ارتفع معدل الحرارة السنوي عالميا. واذا كان الارز مقاوما بطبيعته للحرائق، فإننا نخشى تقلّصه وهذا ما يعرف بظاهرة الهجرة، ذلك انه يتقلّص وينحسر تدريجيا في الاعالي لانه يتأثر سلبا بقلّة المياه وارتفاع درجات الحرارة التي تتسبب بتكاثر الحشرات. لذلك من اليوم وحتى 10 سنوات هناك احتمال كبير لمواجهة مشكلات لا نتوقعها، ذلك ان بعض الحشرات سريعة التأقلم ولا تتطلب اكثر من سنة واحدة حتى تتكاثر في ظروف معينة».

وأشار الى ان وزارة البيئة أقامت ورشة عمل في تنورين للبحث في «استعمال المصائد الجاذبة للحشرات في غابات الارز اللبناني. وقد بحثنا في سبل مواجهة 3 من اهم انواع الحشرات الورقية التي تأكل ورق الارز، وهذه تهدّد تركيا والجزائر ايضا وتؤدي الى يباس الارز او الحد من نموّه، وهي حشرة الارز المنشارية، وعث الارز اللبناني، وصندل الارز».