واشنطن أبلغت باراك أن خيار مهاجمة إيران قائم.. لكن الأولوية للدبلوماسية

ربط إسرائيل بشبكة الإنذار الأميركية الحديثة لإسقاط الصواريخ الإيرانية

الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد خلال مباحثاته مع وزير خارجية الهند براناب مخاريجي مساء اول من امس في طهران على هامش اجتماعات دول عدم الانحياز (ا ب)
TT

أكد المسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش لوزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك خلال هذا الأسبوع أن الولايات المتحدة لم تستبعد تماما الخيار العسكري في التعامل مع إيران، على الرغم من القلق الإسرائيلي من أن واشنطن بدأت في تخفيف قبضتها على طهران. وفي الاجتماعات التي عقدت يومي الاثنين والثلاثاء، أخبر المسؤولون في الإدارة الأميركية باراك أن خيار مهاجمة إيران بسبب برنامجها النووي ما زال خياراً مطروحاً، على الرغم من أن المسؤولين بالولايات المتحدة يعطون أولوية للحل الدبلوماسي. وفي الوقت نفسه، أعلن المسؤولون الأميركيون أن هناك اختلافا طفيفا بين وجهتي النظر الأميركية والإسرائيلية، حيث تفضل إسرائيل القيام بعمل عسكري خوفا من حصول طهران على التقنية اللازمة للحصول على القنبلة النووية. وأفاد أحد المسؤولين الكبار في وزارة الدفاع والذي رفض الكشف عن هويته بسبب حساسية المباحثات، بقوله: «هل هناك اختلاف في وجهات النظر؟ نعم يبدو ذلك».

ويعتقد المسؤولون في الولايات المتحدة وإسرائيل أن إيران تعمل على تخصيب اليورانيوم بهدف بناء ترسانتها من الأسلحة النووية. وتقول إيران إن برنامجها النووي سلمي يخدم أهداف الطاقة المدنية. وقال جيوف موريل، السكرتير الصحافي في البنتاغون في مقابلة صحافية، إن المسؤولين في الولايات المتحدة أوضحوا دائما للمسؤولين الإسرائيليين أن واشنطن تفضل محاولة زيادة الضغط على طهران من خلال العقوبات الاقتصادية. ويقول موريل: «إن الخيار العسكري ما زال متاحا دائما، لكنه ليس خيارنا المفضل. وقد أوضحنا ذلك لهم وللعالم في بياناتنا العلنية واجتماعاتنا الخاصة». وغادر باراك إسرائيل متوجها إلى واشنطن وسط الإعلان عن تقارير في الصحافة الإسرائيلية أنه سوف يحاول التحدث مع إدارة بوش بشأن المخاوف الإسرائيلية المتعددة حول السياسة اللينة التي تبديها واشنطن تجاه طهران. وأصدرت وزارة الدفاع الإسرائيلية بيانا يوم الثلاثاء جاء فيه أن باراك أخبر وزير الدفاع روبرت غيتس بأنه «يجب الحفاظ على السياسة التي تقضي بالإبقاء على جميع الخيارات مطروحة على طاولة المفاوضات». وشعر المسؤولون الإسرائيليون بالقلق خلال شهر ديسمبر(كانون الاول) عندما أفاد تقرير مهم للمخابرات الأميركية بأن إيران تخلت عن جهودها لصنع قنبلة نووية. كما أشار المسؤولون في إسرائيل إلى شعورهم بالقلق من بيان الأدميرال مايكل مولين، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة حول أن الهجمات الإسرائيلية على إيران من شأنها زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط وزيادة العبء على القوات الأميركية.

وفي خطوة نادرة خلال الشهر الجاري نحو التقرب إلى إيران، شارك دبلوماسي أميركي كبير في المحادثات الدولية التي عقدت في جنيف بشأن البرنامج النووي الإيراني. كما قدم المسؤولون الأميركيون عرضاً بفتح مكتب تمثيل دبلوماسي محدود في طهران. ووقعت هذه الأحداث في وقت يحتدم فيه النقاش داخل إسرائيل فيما يتعلق بمدى فعالية الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران قبل انتهاء فترة ولاية الرئيس بوش.

وأفاد مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية بأن إسرائيل «دولة مستقلة ونفهم مدى تخوفهم من التهديد الذي تشكله إيران. ونحن نأخذ هذا التهديد على محمل الجد أيضا». لكن المسؤول الذي رفض الإفصاح عن هويته أفاد بأن الإدارة «تتبنى استراتيجية تعتقد أنها هي الأصوب».

وفي الاجتماع الذي عقد بينهما، أبلغ غيتس باراك بأن الولايات المتحدة تنوي دراسة تقديم نظام رادار يتيح لإسرائيل تتبع الصواريخ الباليستية التي يمكن أن تطلقها إيران باتجاه إسرائيل، كما تنوي تقديم أسلحة لردع الهجمات الصاروخية من لبنان وقطاع غزة، حسبما أفاد أحد المسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية. واكد باراك في واشنطن، فجر أمس، أن المسؤولين الأميركيين الذين قابلهم في الولايات المتحدة خلال زيارته الحالية، وعدوه بربط اسرائيل بشبكة الإنذار المبكر الأميركية الحديثة، بحيث يصبح بإمكان جيشه معرفة اطلاق صاروخ باتجاه اسرائيل خلال ثوانٍ من إطلاقه. وقال باراك ان هذا الربط سيتم خلال شهرين، مما يعني ان «اسرائيل ستكون أقوى وأكثر قدرة على الدفاع عن نفسها». ولم يتردد باراك في الاشارة الى ان هذا التطور جاء في اطار المجابهة مع ايران، فقال ان الارتباط بشبكة الانذار المبكر للولايات المتحدة سيحسن بشكل جوهري من قدرات اسرائيل الدفاعية في مواجهة الخطر الايراني. ونظام الإنذار المبكر في الجيش الأميركي، هو أحد أدق الأسرار العسكرية. وتحرص الولايات المتحدة على تطويره باستمرار. وحسب مصادر عسكرية اسرائيلية، فإن هذا النظام يعمل على النحو التالي: أجهزة الرصد الأميركية ترصد أية عملية تمهيد (تسخين) لإطلاق صاروخ طويل المدى في أية بقعة تخضعها للمراقبة. فتحدد أولا مكان وجود الصاروخ مع بدء عملية «التسخين» التي يتم فيها التمهيد لإطلاق الصاروخ. وحالما يطلق الصاروخ يتم تحديد اتجاهه. فتطلق الاشارات الى المضادات الدفاعية، أرضاً أو جواً أو بحراً، فتطلق هذه صواريخ «باتريوت» أو «حيتس» المضادة للصواريخ باتجاهه وتلتصق به وتفجره قبل أن يصل الى هدفه بمسافات طويلة. وهي تصلح فقط للصواريخ الثقيلة والطويلة الأمد. وكان باراك قد التقى خلال زيارته للولايات المتحدة مع حميع المسؤولين الكبار، باستثناء الرئيس بوش، وفي مقدمتهم نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع، روبرت غيتس، ووزيرة الخارجية، كوندوليزا رايس، ومستشار الأمن القومي، ستيف هادلي، وقائد هيئة الاركان المشتركة، مايكل مالين، وغيرهم. وأعلن انه اتفق مع هؤلاء المسؤولين، كل في مجال اختصاصه، على ان ايران برئيسها الحالي والنظام المساند له تشكل تهديدا خطيرا على النظام العالمي بأسره. والولايات المتحدة تتفهم القلق الاسرائيلي من التهديدات الايرانية المباشرة لها. كما اتفق مع مضيفيه على ان هذا الوقت مخصص للجهود الدبلوماسية معها، ومن ثم مباشرة تشديد الاجراءات العقابية ضدها، وذلك تفادياً لتوجيه ضربة عسكرية قاصمة لها. ولكن باراك اعترف بأنه لم يستطع تصفية الخلافات القائمة في وجهات النظر بينه وبين نظرائه الأميركيين، وقال: «نحن متفقون على الأمور الجوهرية، ولكن هناك خلافات وهذا طبيعي. وكشف انه طرح عدة اقتراحات تصعيدية على الأميركيين، ولكنه وجد لديهم مصاعب لا تخلو من الاعتبارات الموضوعية». وقال في حديث مع الصحافيين الاسرائيليين المرافقين له: «الرئيس بوش لن يستطيع أن يفعل شيئا بعد الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، حيث سينتخبُ مكانه رئيسٌ جديدُ للولايات المتحدة. ولكنه لن يستطيع الآن أيضا عمل كل ما يريد لمواجهة ايران، وانه ـ أي بوش ـ بدأ يشعر بأن يديه مكبلتان.

يذكر ان وزير الشؤون الاستراتيجية في الحكومة الاسرائيلية، شاؤول موفاز، ومعه قادة أهم أجهزة استخبارية في اسرائيل، بدأ هو الآخر، سلسلة لقاءات مع كبار المسؤولين في واشنطن، في اطار اللقاءات الدورية التي يجريها مع نظرائه الأميركيين، (مرة في كل ستة أشهر)، للتنسيق المشترك بين الطرفين. ويرافق موفاز كل من رئيس «الموساد» (جهاز المخابرات العامة) ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بالجيش الاسرائيلي ورئيس لجنة الطاقة النووية في ديمونة ورئيس مجلس الأمن القومي. ويحمل هؤلاء تقارير اسرائيلية رسمية الى واشنطن تتضمن «معلومات وتقديرات جديدة حول النشاط النووي الايراني». وقال موفاز، وهو في الطريق الى الولايات المتحدة، انه سيبلغ الأميركيين بأن ايران مصممة على تخصيب اليورانيوم رغم كل الجهود الدولية لمنعها من ذلك وانه بالنسبة لإسرائيل، يعتبر تخصيب اليورانيوم خطاً أحمر لا يمكن ان تسمح بتجاوزه. وينبغي أن يكون واضحا لحلفائنا الأميركيين، ان الامتناع عن اتخاذ اجراءات عقابية ضد ايران، من شأنه أن يضر ليس فقط باسرائيل ودول المنطقة، بل انه قد يؤدي الى اضاعة فرصة لانقاذ البشرية من حرب مدمرة.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»