محكمة الجزاء الدولية أطلقت أول فصول محكمة تاريخية: رادوفان كراديتش يواجه القضاء

رفض الرد على التهم وأصر على تمثيل نفسه وبدا مبتسما في حلته الجديدة .. وتحدث عن «اختطافه»

TT

في أول مثول له امام محكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا السابقة، وفي ما يعتبر بداية الفصل الاول من محاكمة تاريخية يتوقع ان تتواصل فصولها طويلا، قال زعيم صرب البوسنة سابقا رادوفان كراديتش انه قرر تمثيل نفسه في المحاكمة حيث يواجه تهم ارتكاب اعمال إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، رافضا في الوقت نفسه الرد على التهم الموجهة اليه والتي تليت خلال الجلسة وقائلا انه يحتاج الى وقت للرد عليها.

وبدأت الجلسة التي نقلتها وسائل الإعلام قاطبة من لاهاي بمثول كراديتش امام المحكمة من دون محام، وقد بدا مختلفا بعدما قص شعره الطويل وحلق ذقنه وارتدى بذلة رسمية غامقة اللون وقميصا ابيض وجلس وحيدا امام هيئة المحكمة يرافقه حارسان وتحدث الى الهيئة بالصربية. وتولى احد القضاة تلاوة قائمة الاتهامات الـ 11 الموجهة اليه وأبرزها ارتكاب جرائم إبادة وجرائم بحق الانسانية والترحيل القسري للبوسنيين واحتجاز وإعدام الآلاف من مسلمي البوسنة. ونقل كراديتش، 63 عاما، اول من امس الى مركز الاعتقال التابع لمحكمة الجزاء الدولية في لاهاي بعدما اعلنت اجهزة الاستخبارات الصربية اعتقاله في 21 يوليو (تموز) وهو متهم بارتكاب جرائم حرب وابادة وجرائم بحق الانسانية ولا سيما في اطار المجزرة التي وقعت في سريبرنيتسا (شرق البوسنة) في يوليو 1995 واسفرت عن حوالي ثمانية آلاف قتيل.

وقال كراديتش لرئيس هيئة القضاة، الفونس اوريه، بلهجة هادئة «لدي مستشار خفي لكنني قررت ان امثل نفسي» حسب ما نقلت وكالة اسوشيتد برس.

وكان الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش الذي توفي في السجن قبل صدور الحكم بحقه عام 2006 قد طلب هو ايضا ان يدافع عن نفسه بنفسه وهو اجراء يؤدي الى تأخير آليات المحاكمة. كذلك، رفض كراديتش أن يصار الى قراءة التهم الموجهة إليه أمامه خلال الجلسة.

وقال «انا لست مهتما بأن يقرأ شخص آخر لي التهم الموجهة إلي. افضل ان اتسلم التهم الجديدة التي اعلنت، وسيكون لدي وقت كاف لدراستها ومن ثم أقوم بمرافعتي الاولى وأقدم ردي» على التهم.

وأكد المدعي العام انه يريد تعديل التهم من دون المزيد من المعلومات. وحدد رئيس هيئة القضاة موعد 29 اغسطس المقبل لتقديم دفوعه وإلا فإن المحكمة ستعتبر أن الرد هو «غير مذنب».

كذلك، عرّف كراديتش عن نفسه مقدما اسمه وتاريخ ومكان ولادته. كما قدم آخر عنوان له على انه منزل عائلته في بالي في البوسنة إلا انه اعطى ايضا عنوان المنزل في بلغراد حيث كان مختبئا من الملاحقة تحت هوية منتحلة.

وعندما سأله القاضي ان كانت عائلته تعرف بمكان احتجازه رد قائلا «لا اعتقد ان هنالك شخصا لا يعرف انني في مركز الاعتقال». كذلك قال كراديتش انه يريد فترة زمنية اطول للنظر في تهمة الابادة الموجهة اليه قبل ان يرد عليها، وبحسب قوانين المحكمة فان لديه ثلاثين يوما ليقرر في الدفوع التي يريد ان يقدمها ردا على الاتهامات الموجهة اليه. وفي حال رفض تقديم دفوعه خلال هذه المهلة، فان المحكمة تعتبر ان رده هو «غير مذنب».

وبعد تلاوة مختصر الاتهامات، طلب القاضي من الادعاء تحضير الادلة والاثباتات خلال ثلاثين يوما. وكان المدعي العام سيرج براميرتس قال للصحافيين انه سيتولى المحاكمة بشكل فاعل وانه سيتعلم من دروس قضية ميلوسيفيتش.

وقال «بالطبع الامر سيستغرق بعض الوقت قبل ان يصبح الادعاء والدفاع مستعدين لبدء المحاكمة، ستكون عملية معقدة الا اننا نعي اهمية ان نكون فاعلين» كما نقلت وكالة رويترز. كذلك أكد الزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة حدوث «مخالفات» خلال عملية اعتقاله واعترض على التاريخ الذي اعلن فيه توقيفه، وذلك لدى مثوله امس امام محكمة الجزاء الدولية.

وقال كراديتش في لاهاي «لم تقدم لكم معلومات صحيحة عن تاريخ اعتقالي (...) ارتكبت مخالفات عدة فيما يتعلق بعلاقتي بهذه الهيئة (محكمة الجزاء الدولية) ووجودي هنا. لقد ارتكبت مخالفات بشأن نقلي الى هنا» متهما بلغراد بـ «اختطافه» حسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.

واختصر القاضي التهم الـ 11 الموجهة الى كراديتش وبينها ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم ابادة خلال حرب البوسنة (1992 ـ 1995) التي اوقعت اكثر من 100 الف قتيل وأدت الى نزوح 2.2 مليون شخص.

من جانب اخر كشف الزعيم السابق لصرب البوسنة أنه أبرم، خلال توقيع اتفاقات دايتون في 1995 التي وضعت حدا لحرب البوسنة، «اتفاقا» مع المفاوض الاميركي ريتشارد هولبروك في مقابل انسحابه من الحياة العامة. ولدى مثوله أمام محكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا السابقة، قال كراديتش معلقا على «الاتفاق»: «كان علي التعهد بالانسحاب من الحياة العامة والسياسية وفي المقابل تحترم الولايات المتحدة التزاماتها».

واضاف «كان هولبروك يتحدث باسم الولايات المتحدة».

وأكدت اسرة كراديتش مرارا أن هولبروك، المفاوض الاميركي لدى الرئيس اليوغوسلافي حينها سلوبودان ميلوسيفيتش، وعد بانه لن يسلم كراديتش الى محكمة الجزاء إذا تم إبعاده عن الحياة السياسية والعامة، وهذا يفسر سبب إفلات كراديتش من المثول امام القضاء الدولي لفترة طويلة. من جانبها، قالت المتحدثة باسم المحكمة الدولية في لاهاي، نيرمان ايلسيتش، لـ«الشرق الاوسط» ان مثول كراديتش امام قضاة المحكمة يعتبر حدثا تاريخيا وأمرا مهما جدا. وأضافت المتحدثة أن كراديتش له الحق في ان يزوره افراد عائلته او طاقم من المستشارين القانونيين للتحضير لدفوعه، واعربت عن أملها في ان يكون اعتقال المطلوبين الاخرين للمحكمة في اقرب وقت ممكن.

وبحسب مراقبين في لاهاي، ووسائل الاعلام الهولندية، ستكون المحاكمة معقدة، مثلها مثل غيرها من المحاكمات التي قامت بها محكمة الجنايات الدولية. ومن أجل التوصل إلى إثبات هذه الجرائم الخطيرة يتوجب على المدعي العام أن يقدم عددا كبيرا من الأدلة بما فيها إفادات الكثير من شهود العيان. ويأمل المدعي العام أن يكون هناك اجتماع في الأسابيع المقبلة مع السلطات الصربية في بلغراد يؤدي إلى إلقاء القبض على المتهمين الآخرين الفارين.

من جانب آخر، قال محامي كراديتش ان موكله قد ينفذ اضرابا عن الطعام في حال منعه من الدفاع عن نفسه بنفسه خلال المحاكمة.

وقال المحامي سفيتوزار فوجاسيتش «من حقوقه الاساسية ان يدافع عن نفسه» مضيفا ان كراديتش «سوف يصر على الامر حتى لو اضطر لتنفيذ اضراب عن الطعام» كما نقلت وكالة اسوشيتد برس.

وكانت صحيفة صربية قد نشرت على غلافها صورة لكراديتش في شكله الاخير بعد ان قص شعره وحلق ذقنه ويبدو ان الصورة التي نشرتها صحيفة «بليتش» الصربية التقطت له وهو في مركز الاعتقال قبل ايام من نقله الى لاهاي. من جانب آخر، قال وزير الأقليات وحقوق الانسان والمسؤول عن ملف التعاون مع محكمة لاهاي في الحكومة الصربية، راسم لياييتش، إنه من السابق لأوانه الحديث عن مدى مساهمة عملية اعتقال زعيم صرب البوسنة سابقا (رادوفان كراديتش) في معرفة مكان اختباء قائد قوات صرب البوسنة سابقا الجنرال راتكو ملاديتش. وتابع في تصريحات لشبكة «بيتا» الصربية «القول بأن السلطات الصربية كانت تتابع تحركات كراديتش منذ دخوله إلى صربيا غير صحيح». وحول ما إذا كان اعتقال كراديتش سيساعد في إلقاء القبض على ملاديتش أكد أن ذلك «لا يزال مبكرا» إلا أنه أشار إلى أن «عملية إلقاء القبض على الجنرال راتكو ملاديتش وغوران هاجيتش سيتم الاعداد لها من أجل الوفاء بالالتزامات الدولية ومن أجل الاصلاح الداخلي الذي سيقودنا إلى الاتحاد الأوروبي». وعن أسباب نقل كراديتش فجرا إلى لاهاي قال «كان ذلك ضروريا لتجنب الصدامات مع أنصار كراديتش حيث سقط 80 جريحا مساء الثلاثاء الماضي» وأعرب لياييتش عن أمله في أن تنعكس عملية اعتقال ونقل كراديتش إلى لاهاي على تقييم المدعي العام لدى محكمة لاهاي سيرج براميرتس ومجلس الأمن، الذي سيعقد جلسته في ديسمبر المقبل، ومجلس وزراء الاتحاد الاوروبي، لمدى تعاون بلغراد مع محكمة جرائم الحرب في لاهاي». وأضاف ان «اعتقال ونقل كراديتش إلى محكمة لاهاي دليل على أن صربيا ليست مكانا لاختباء المتهمين بارتكاب جرائم حرب، ولا حديقة خلفية لهم، وأننا مستعدون للوفاء بالتزاماتنا». وشدد على أن «الانتهاء من ملف جرائم الحرب سينهي الانقسام داخل صربيا والمزايدات السياسية ويؤسس لحياة طبيعية في صربيا».