الجماعة الإسلامية تستخدم الموبايل والإنترنت لمصالحة المجتمع المصري

استبعدت إنشاء حزب سياسي لها وبعثت برسائل تهنئة بـ23 يوليو

TT

«وصلتني رسالة على الجوال موقع عليها من الجماعة الإسلامية، تهنئني بالعيد الستين لثورة يوليو.. كان هذا أمراً غريباً من جماعة اعتادت في السابق مخاصمة كل من يختلف مع منهجها، بل وتكفيره أحياناً». ووصلت مثل هذه الرسالة القصيرة للدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية، والنائب بالبرلمان المصري، في إطار محاولة تبذلها الجماعة الإسلامية مستخدمة الجوال والانترنت، لمصالحة المجتمع المصري، بعد سنوات استخدمت فيها العنف المسلح ضد الدولة، مجددة دعوتها للمتشددين الإسلاميين، في إشارة لتنظيم القاعدة، لـ«لغة التحاور لا المواجهة وتخوين الآخرين»، لكن محاميها، منتصر الزيات استبعد، إنشاء حزب سياسي للجماعة في الوقت الحالي، قائلاً إن «بعض العقول داخل الجماعة مازالت لا تستطيع أن تستوعب التغيرات التي تمر بها الجماعة الإسلامية». وحاول الدكتور زهران، جاهداً اقتفاء أثر رسالة الجوال، من خلال الرقم المرسلة منه، لكن جهوده باءت بالفشل، رغم أنه تأكد بطريقته، هو وآخرون وصلتهم رسائل مماثلة، من أن الجماعة الإسلامية هي بالفعل التي أرسلت التهاني، رغم كونه رجلاً يسارياً يؤمن بالقومية العربية، ولا علاقة له، لا في السابق ولا في الحاضر، بالتيارات الدينية الأصولية المتشددة، أو التي كانت متشددة وتنتهج العنف ضد الدولة المصرية، مثل الجماعة الإسلامية، التي بدا من خطابها، بعد نحو 10 سنوات من إجرائها مراجعات فكرية عميقة، أنها تبذل محاولات لكسر عزلتها بـ«لغة التحاور، لا المواجهة».

وباعتباره أستاذا في العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، قال الدكتور زهران لـ«الشرق الأوسط»، إن الجماعة الإسلامية تحاول الالتحام بالمجتمع.. «هم بيحاولوا كسر العزلة عنهم.. حتى يستطيعوا الالتحام مع المجتمع. لا بد (لهم) من انتهاج طريق سلمي.. وهم (قيادات وأعضاء بالجماعة) يحاولون تقديم أنفسهم بطريقة جديدة، لخلق الثقة مع الناس.. أعتقد أنهم لهذا السبب تناولوا، بطريقة مختلفة، موضوعاً يحتل مساحة كبيرة في وجدان الشعب المصري، من خلال حديثهم اللافت عن ثورة 23 يوليو».

وفي حديثه عن فكرة إنشاء الجماعة الإسلامية حزباً سياسياً تعبر من خلاله عن أفكارها وتوجهاتها، أوضح زهران أن «أي مجتمع يريد أن يتطور للأمام، عليه أن يختار الطريق الديمقراطي بكل تبعاته، لأن الديمقراطية تؤدي لأفول نجم الخطاب المتطرف، مثلما حدث مع التيار النازي في ألمانيا، الذي تراجع بعد أن تحدث كثيراً، من دون أن يلتف حوله غالبية الألمان، وكذلك مثل الخطاب المتطرف للسياسي الروسي (زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي، فلاديمير) جرينوفسكي.. الديمقراطية تستوعب المتطرف، وتهضمه داخلها.. التطور الديمقراطي يبعد شبح العنف المسلح عن المجتمع».

ورغم ان ما أعلنه عديد من قيادات وأعضاء بالجماعة الإسلامية كان لافتاً للنظر في أوساط سياسيين وخبراء وغيرهم، وبخاصة في الأسبوعين الأخيرين، إلا ان محامي الجماعات الإسلامية، منتصر الزيات، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن البعض داخل الجماعة الإسلامية «كان لديه مثل هذه الآراء المنفتحة على الآخرين، قبل موضوع المراجعات، الذي ظهر للنور قبل نحو 10 سنوات..»، لكن تلك الأفكار المنفتحة لم تكن لتجد طريقها، في ذلك الوقت.. لم يكن البعض في الجماعة الإسلامية ممن كان يتبنى مثل هذه الآراء، يستطيع أن ينشرها أو أن يعممها، لأن اللغة التي كانت سائدة في ذلك الوقت كانت لغة التقاطع لا التواصل».

وعن تفسيره لمثل هذه الرسائل التي تبعث بها الجماعة الإسلامية بين الحين والآخر، في محاولة لخلق حالة من النقاش وتبادل الرأي والتفكير حول أمر من الأمور، مثل ارتفاع الأسعار في البلاد، وتصدير الغاز المصري لإسرائيل، وتصرفات حركة المقاومة الإسلامية حماس، وغيرها من قضايا عامة داخلية وخارجية، قال الزيات، إن الجماعة تحاول إعادة بناء الثقة مع المجتمع، وعما إذا كانت الجماعة ما زالت عند رأيها الرافض لتأسيس حزب سياسي باسمها، قال: «هم (الجماعة) أدرى بهذا الموضوع، هم يسيرون في خطوات هادئة.. ما زالوا في بداية التطبيع مع الناس، وما زالت هناك قيود عليهم في الحركة. إعادة الثقة مع المجتمع تأخذ وقتاً». وأضاف: «(فكرة تأسيس حزب) ما زالت أمرا بعيدا، لسببين، الأول هو أن الدولة لديها فيتو ضد أي جماعة ذات توجه إسلامي (الدستور المصري يحظر العمل السياسي على أساس ديني)، ومن جهة أخرى ما زالت بعض العقول داخل الجماعة الإسلامية لا تستطيع أن تستوعب التغيرات التي تمر بها الجماعة». ومع إن مصادر بالجماعة قالت لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن فكرة إقامة حزب لها غير واردة، ولا يوجد حديث حالياً بشأنها، شنَّت أطراف متبنية لفكر التحاور مع الآخرين داخل الجماعة الإسلامية حملة انتقادات للذين يعيبون منهجها الجديد في التحاور والانفتاح على الآخرين، من خلال التليفونات المحمولة والانترنت، مشيرة إلى أن غالبيتهم، بحسب مصادر بالجماعة، متشددون يرفضون لغة الحوار.

وأضافت مصادر الجماعة الإسلامية إن حديثها الأخير الذي تناولت فيه زعماء مثل عبد الناصر ونجيب والسادات وغيرهم، بعيداً عن لغة التخوين وبعيداً عن النظرة الأحادية، فتح باب الهجوم عليها من حركات، (في إشارة لتنظيم القاعدة)، ما دفعها للرد عليها بوصفها (الحركات) تستسهل تخوين الآخرين و(تستسهل) وصمهم بالعملاء للغرب وإسرائيل. كما تساءلت الجماعة الإسلامية على موقعها على الانترنت أخيراً: «أين قبولنا للحق ولو كان على ألسنة مخالفينا.. أين تأدبنا واحترامنا وتوقيرنا لعلمائنا ورموز دعوتنا.. أين حسن الظن بإخواننا، وأين ولاؤنا لمن يحمل فكرنا ورسالتنا (..) إلى متى نثبط ونضع المعوقات أمام من يريد تحريك مياهنا الراكدة في برك الخصام والانفصال والعزلة، وأمام من يريد تصفية أجوائنا الملبدة بغيوم العصبية والعشائرية والحزبية».