باحثان مغربيان لـ «الشرق الأوسط»: الطبقة الاجتماعية المغربية الوسطى لم تمت

أكدا على دعوة العاهل المغربي للاهتمام بهذه الشريحة

TT

أجمع باحثان في علم الاجتماع والاقتصاد اتصلت بهم «الشرق الأوسط»، على أهمية الدور الأساسي الذي تقوم به الطبقة الوسطى في ضبط التوازن داخل المجتمع المغربي، وأكدا على أن دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس، في خطاب ذكرى عيد الجلوس، للاهتمام بهذه الشريحة الاجتماعية جاءت في وقتها تماما، وتستجيب لتطلعات المواطنين.

وقالت الدكتورة نزهة الحريشي، مستشارة اقتصادية سابقة لدى رئيس الوزراء السابق، ومديرة الشركة المغربية لتأمين الصادرات، إن الأبعاد التي تكتسيها هذه المسألة تتوزع بين السياسي والاقتصادي، بمعنى الحفاظ على الاستقرار داخل البلد، وبالتالي خلق سوق داخلي مهم من خلال الرفع من مردودية الطبقة الوسطى وتحسين أوضاعها المعيشية.

ولاحظت الحريشي أن الإحصائيات الرسمية تؤكد انخفاض الفقر في المغرب، ولكن في نفس الوقت هناك ارتفاع ملحوظ في حدة الفوارق الطبقية، ولذلك ألح العاهل المغربي على ضرورة تقوية الطبقة الوسطى، اعتبارا لدورها في دعم النسيج الاجتماعي المغربي.

وبخلاف الكثيرين ممن يقولون بإنتهاء أو موت الطبقة الوسطى في المغرب، بفعل تراكم القروض عليها، أكدت الحريشي أن الطبقة الوسطى حاضرة بقوة في المجتمع المغربي، وأنها «بالعكس، استفادت من القروض في تحسين مستوى استهلاكها، ونمط معيشها اليومي»، مشيرة إلى أن مسألة تدبير الوفاء بأداء القروض تبقى رهينة لذكاء المستهلك وكيفية تعامله معها، وفق موارده المادية. وأكدت «أن إيجابيات القروض أكثر من سلبياتها»، حسب قولها.

وأضافت الحريشي أن السياسة العمومية في المغرب، سوف تأخذ هذه الإشارة الواردة في خطاب العاهل المغربي، بعين الاعتبار، وسوف تهتم أكثر بالطبقة الوسطى، ولاسيما في ضمان السكن الاجتماعي، كأحد انشغالاتها الكبرى، والتي تستنزف منها مبالغ مالية طائلة تعد بملايين الدراهم.

والمهم، تقول الحريشي، إن هناك الآن دينامية انطلقت في المجال الاقتصادي والاجتماعي في البلد، حيث بدأ النمو يسجل معدلات هامة، وأن توزيعا عادلا لعائدات هذا النمو من شأنه أن يعمل على تقوية الطبقة الوسطى، وتحسين مستواها الاقتصادي والاجتماعي».

وعن الفئات التي تتكون منها الطبقة الوسطى في المغرب، أشارت الحريشي إلى بعض الوظائف والحرف، مثل المحامين والأساتذة والصيادلة وغيرهم ممن نالوا قسطا وافرا من التعليم والتكوين، مما جعلهم يتبأون بعض المناصب ذات الدخل القار. وتوقفت الحريشي عند المهن الحرة المدرة للربح، مثل التزيين المنزلي والديكور، وغيرها من الأعمال التي تقوم على الخلق والخيال والابتكار، أو الجهد المهني، وقالت بالحرف: «إن مستوى عيش عامل مكلف صيانة الكهرباء أفضل من موظف في البنك».

واستنتجت الحريشي من خلال الوضعية الراهنة للاقتصاد المغربي، «أن توسيع الطبقة الوسطى أمر ممكن جدا، في ظل الأوراش المفتوحة للتنمية الاقتصادية، وأن الضرائب يمكن أن تلعب دورا مهما في تقوية هذه الفئة، عن طريق عدالة ضريبية وتوزيع عادل للثروات الناتجة عن النمو الاقتصادي والاجتماعي».

وأوضح الدكتور عبد الغني مطيع، وهو أستاذ جامعي، وباحث مهتم بالشأن الاجتماعي، أن الطبقة الوسطى هي التي تضبط التوازن بين الطبقة الفقيرة والطبقة العليا، وأن المطلوب الآن في الظرف الراهن، أن يكون هناك تكامل بين الطبقات الاجتماعية في المغرب، لتقليص حدة الفوارق المسجلة في هذا المجال، ودعا أصحاب رؤوس الأموال إلى المساهمة في دعم بعض المشاريع ذات الطبع المهني والاجتماعي، مشيرا إلى أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، جاءت بالفعل لتملأ الفراغ بين الطبقتين العليا والسفلى.

ودعا مطيع أصحاب المقاولات ورؤوس الأموال إلى الانخراط في مشاريع ذات بعد تكويني واجتماعي، وإلى الانفتاح على المحيط الجامعي، واعطى نموذجا لذلك، مثل أن يتكفل صاحب شركة ما بتدريب عدد من الخريجين الجامعيين، لمدة من الوقت، في أفق إدماجهم في سوق الشغل، كأسلوب من أساليب التقليص من حدة البطالة، وكخطوة نحو التقليص من الهوة التي تفصل بين الطبقات الاجتماعية في المغرب. وقال مطيع إن دور القطاع الخاص دور أساسي وحيوي في توسيع الطبقة الوسطى، عن طريق خلق فرص الشغل لفائدة الشباب، وهذا في رأيه أفضل من «الرهان على الوظيفة العمومية التي يتجه إليها الكل، بغية الركون إلى المكتب، دون مردودية، في انتظار راتب آخر الشهر، مما يضاعف من كتلة الأجور في المغرب». وانتقد مطيع بعض الممارسات المضرة باقتصاد البلاد، ومنها ما يسمى بعملية «النوار» (مبلغ مالي معين متفق عليه بين بائع العقار والمشتري، يتم دفعه تحت الطاولة، ولا يصرح به في السجلات الرسمية)، مما يحرم المغرب من روافد مادية مهمة، يمكن أن تصب في صالح تنميته الاقتصادية والاجتماعية.

وكان خطاب عيد جلوس العاهل المغربي الملك محمد السادس قد أكد إرادة المغرب الراسخة «في ضرورة أن يكون الهدف الاستراتيجي لكافة السياسات العمومية، هو توسيع الطبقة الوسطى، لتشكل القاعدة العريضة وعماد الاستقرار والقوة المحركة للإنتاج والإبداع»، مشيرا إلى العزم الوطيد على جعل الفئات الوسطى، مرتكز المجتمع المتوازن، مجتمع وصفه العاهل المغربي بأنه «مجتمع منفتح لا انغلاق فيه ولا إقصاء، مجتمع تتضامن فئاته الميسورة باستثماراتها المنتجة ومبادراتها المواطنة، وما تدره من شغل نافع، مع غيرها، في المجهود الوطني للنهوض بأوضاع الفئات المعوزة وتمكينها من أسباب المواطنة الكريمة».