ماكين.. تقوده عواطفه ويصعب التنبؤ بردود فعله

«الواجب والأمانة والوطن» ليست مجرد شعارات وطنية ولكنها عقيدة يحيا بها

TT

اعترف المرشح الجمهوري جون ماكين في كتابه «أمر يستحق القتال لأجله» الذي نشر عام 2002 بأن عقله دائم القلق. وقال في كتابه: «عندما لا أكون مشغولا بالسياسة وطموحاتي، آمل في أن يتاح لي المزيد من الوقت كي أنعم النظر فيما قمت به وما عجزت عن القيام به خلال حياتي المهنية». ملاحظة ذات مغزى، أو على الاقل هكذا تبدو. لكن هذه الكلمات ليس لجون ماكين، بل لمساعده مارك سولتر، الذي يمكن القول أنه الوجه الآخر لجون ماكين. هذا الكتاب مثل غيره من الكتب الأربعة لجون ماكين، كتبها ماكين مع مارك سولتر، كما تفيدنا أغلفتها. قال سولتر في مقابلة أجريت معه مؤخرا في مكتبه بمقر جون ماكين بمدينة «كريستال سيتي»: «إنه صوته، ولكني أنا نسبت إلى عقله كي أفضي بعض الحقائق النفسية حوله. وأتوصل إلى نتائج معينة مبينة على ملاحظاتي حوله».

ليس هناك شخص أقرب لماكين من سولتر الذي يرافقه منذ العام 1989. ولكن على الرغم من ذلك، فان سولتر يضطر في بعض الأحيان الى أن يخمن ما يمكن أن يفكر فيه ماكين، وخاصة في ما يتعلق بالمواضيع الحساسة. ويقول سولتر: «هناك بعض الأشياء تدور في رأس ماكين ولا تظهر لأحد إلا نادرا، وفي بعض الأحيان قد لا تظهر على الإطلاق».

ومع ذلك، فإن بعض ما يدور في عقل ماكين ليس غريبا ولا خفيا، فهناك سجل مفصل حول المبادئ والمعتقدات التي تحكم تفكير ماكين في السياسة وتدل على سياساته، يتضح ذلك في الكتب الخمسة التي كتبها مع سولتر وعشرات الخطابات التي تعاونا معا في صياغتها على مدى عقدين تقريبا، ومقابلات لا تحصى. ويكشف هذا السجل عن رجل معقد، نظرته للعالم لا يمكن تلخيصها في مجرد قول مقتبس. إنه شخص مناضل مقاتل، وغالبا ما يكون في حالة حرب مع نفسه. عاش حالة من النضال طوال حياته «كي اثبت لنفسي أنني كنت الذي كنت أريد أن أكونه دائما»، كما كتب. هناك الكثير من التأثيرات التي شكلت تفكيره، بدءا من جده الشهير إلى أبيه، وكلاهما كانا ضابطين بارزين في الأسطول الأميركي، منتهيا برحلاته وقراءاته في التاريخ والأدب. ويعد ماكين رجلا من أميركا غير العصرية، فبالنسبة له شعار «الواجب والأمانة والوطن» ليس مجرد شعار وطني، ولكنه عقيدة يحيا بها. وهو يسعى إلى تطبيق ما يعتقده على الحياة السياسية. لخص ماكين ما يفكر فيه، في خطاب ألقاه في جامعة «جونز هوبكنز» في عام 1999، حيث قال موجها النصح للخريجين: «أقبلوا على الحياة العامة عازمين على قول الحق والنأي بالحلول المقترحة لحل المشاكل عن الحزبية والدفاع عن الصالح العام ضد المصالح الخاصة والتضحية بالطموحات الشخصية من أجل الوطن والمثل التي تجعل منه بلدا عظيما. حافظوا على وعودكم لأميركا وبذلك تحافظون على شرفكم».

ولكن من الصعب الحفاظ على تلك التفكير العقلاني المتفتح، وعندما يفشل في ذلك فإن نقد ماكين لنفسه يمكن أن يكون مدمرا. بعد أشهر من خطابه في جامعة «جونز هوبكنز» كان ماكين يسعى للفوز بمنصب الرئيس لأول مرة، وحينئذ خالف معتقداته الشخصية. وبعد أن خسر ماكين ترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية، كتب هو وسولتر كتاب «أمر يستحق القتال لأجله»، وخلاله كانت الفرصة سانحة أمام ماكين كي يعترف ببعض قصوره. ويؤكد النقد القاسي للذات الذي يمارسه ماكين على نفسه ما يقوله زملاؤه وأصدقاؤه عنه. فقد وصفه غاري هارت، وهو سيناتور سابق عن كولورادو ومرشح لانتخابات 1984 و1988، قائلا: «إنه رجل يخدم الجميع ومن الممتع أن تكون بصحبته. وأعتقد أن تفكيره عميق رغم أن مشاعره تقوده كثيرا. ولا يعني ذلك أنه لا يفكر بطريقة منطقية. لكن ذلك يعني أنه طيار مقاتل. وهو يتصرف بحسب الظروف والأحوال من حوله».

وقد اتفق مع ذلك مسؤول كبير في إدارة كلينتون رفض الإفصاح عن هويته لتجنب إغضاب ماكين، وكان يعمل مع ماكين خلال أزمة البوسنة وكوسوفو حيث تحدى ماكين معظم زملائه من الجمهوريين لدعم العمليات الأميركية ضد صربيا، وقال: «في السنوات العديدة التي قضيتها في واشنطن، فإن جون ماكين كان هو أكثر السياسيين العاطفيين الذين قابلتهم. إنه مليء بالعواطف. ولا يفهم الناس ذلك. ولذا فإنهم يواصلون الحديث عن حالته المزاجية. إنه يتصرف بعاطفة ولذلك فمن الصعب توقع ردود أفعاله».

ولا ينفك ماكين يبحث عن التحفيز والمعلومات. ويقول سولتر: «إنه قارئ نهم ويطلب المعرفة باستمرار». ويسخر ماكين من درجاته الأكاديمية غير الجيدة (حل الخامس قبل الأخير في دفعته في أنابوليس) لكنه فخور بما تعلمه من خلال القراءة والسفر. كما انه يستخدم جلسات مجلس الشيوخ كجلسات تدريب ومعرفة. ويقول سولتر: «إنه ما يستمتع به حقا هو أن يرى شاهدين يعارض كل منهما الآخر، ويجلس ليشاهد نزاعهما، ويرى من منهما لديه الحجة الأقوى».

ويدافع ماكين عن التعلم من الصراع. وعندما سئل عن وجهة نظره في المقارنة بين حملة أوباما التي تدار بسلاسة وحملته التي تم فيها تغيير العديد من الشخصيات، قال: «إنني سعيد بالطريقة التي ندير بها الحملة الانتخابية. أريد أن أرى مارك (سولتر) وستيف وريك وتشارلي وغيرهم يجادل بعضهم بعضا. وإذا فزت بهذه الحملة، فإن رجال التاريخ سوف يقولون: كان عبقريا، يعمل في ظل ظروف قاسية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط»