موسم أصيلة الـ30 يبدأ فعالياته اليوم بندوة «تحالف الحضارات» بمشاركة سياسيين ودبلوماسيين ومثقفين

رسالة ملكية إلى المشاركين في فعالياته بحضور الأمير سلمان بن عبد العزيز

TT

تنطلق اليوم في مدينة أصيلة المغربية فعاليات الدورة الثلاثين لموسمها الثقافي الدولي، الذي رأى النور عام 1978، وذلك تحت الرعاية السامية للعاهل المغربي الملك محمد السادس، وحضور الرئيس السيراليوني السابق، الحاج احمد تيجان كبه، والأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أمير منطقة الرياض، بينما استبعد مصدر مطلع في مؤسسة منتدى أصيلة، المنظمة للموسم الثقافي، حضور خوسيه لويس ثباتيرو، رئيس الحكومة الإسبانية، بسبب وفاة والدة زوجته، مشيرا إلى انه من المتوقع ان يبعث ثباتيرو رسالة إلى المنتدى، يتلوها ميغيل انخيل موراتينوس، وزير خارجية إسبانيا.

وسيتميز الافتتاح الرسمي للموسم اليوم بتلاوة رسالة الملك محمد السادس، الموجهة الى المشاركين في ندوة «تحالف الحضارات في الفضاء العربي ـ الأفريقي – الايبيرو – لاتينو – اميركي»، ضمنهم أكثر من 10 من وزراء خارجية دول أفريقيا، إضافة إلى وزير خارجية إسبانيا، ووزير الدولة البرتغالي في الخارجية، ووزير خارجية بورغواي، ونائب وزير خارجية تشيلي، ووزيرة ثقافة كولومبيا، ورئيس مجلس نواب البيرو، ونخبة من المثقفين والمفكرين ينتمون لمختلف أنحاء العالم. ويهدف المشرفون على الجامعة من اختيار ذلك الموضوع، ضمن ندوات الدورة 23 لجامعة المعتمد بن عباد الصيفية، إلى حث المشاركين الممثلين لصفوة النخب الثقافية والفكرية والسياسية من مختلف البلدان، على التناظر حول إشكالية مفادها أن الشعوب المنتمية للفضاءات المذكورة، تشعر بأنها مقصية من النقاش الجاري حاليا حول مفاهيم تحالف وصراع الحضارات، إذ يبدو للوهلة الأولى وكأن النقاش منصب في المقام الأول على ردم الهوة بين الشرق والغرب، على اعتبار أن الفضاءات المنسية في المشرق وأميركا اللاتينية وأفريقيا، منشغلة بمشاكل المعاناة من الفقر والجهل والتهميش واستفحال الفوارق الاجتماعية والاستبداد والظلم، وانسداد الأفق مع توالي النزاعات والفتن والحروب، كما ورد في ورقة تقديم الندوة.

ومن الواضح أن اختيار الموضوع، ليكون مجالا لنقاش خصب، حر وعميق بين المشاركين بالعروض الأساسية، التي ستكون أرضية ينطلق منها تبادل الأفكار وفحص الطروحات الفكرية، هو اختيار يبرره كون المشرفين على الجامعة، مقتنعين بأن مقاربة موضوع يعني عالما أصبح معولما، لا يمكن أن تنفرد بها (المقاربة) حضارة أو ثقافة بمفردهما، أو شعب دون آخر، فالجميع مطالب أن يخوض في هذا الخضم، بحثا عن شاطئ النجاة، من صراع يبدو لاعقلانيا، تدفع قوات وأهواء ومصالح نحو تأجيجه بين الحضارات والثقافات، ما يحول قطعا دون إغنائها وإخصابها، وتبادل الأخذ والعطاء في ما بينها، لتصبح فعلا ذات صبغة سلمية وإنسانية، من حق جميع الشعوب أن تدعي امتلاك نصيب منها.

والمؤكد أن هذه الندوة، التي يشارك فيها أكثر من60 مساهما بالعروض والنقاش، ينتسبون إلى مشارب فكرية وسياسية واقتصادية، ستكون زاخرة بالأفكار والتصورات والرؤى المتقاربة والمتداخلة، لكنها حتما على درجة من الموضوعية التي تطبع أجواء ندوات أصيلة.

وغير بعيد عن الفضاء المكاني للندوة الأولى، تقترح جامعة المعتمد بن عباد الصيفية، مائدة مستديرة لمقاربة موضوع يتسم بالطرافة والمتعة، إذ يمتزج فيه الواقع بالموروث الثقافي، والمكون الأسطوري المتجذر في أعماق الإنسان الأفريقي، فالشعوب الافريقية التي تتواصل مع الأرواح والشعائر البدائية الموروثة، تصيبها، كما ورد في تقديم ندوة «أفريقيا والصدفة» الحيرة أمام تعاليم الأديان السماوية، التي جعلت الإنسان مخلوقا يقرر ويتصرف بمشيئة الله وقدرته وإرادته. وستكون المائدة المستديرة مناسبة لرحلة فكرية تستكنه أعماق الإنسان الأفريقي قصد الإطلالة على بنيته الذهنية.

وإذا كانت القارة الأفريقية، هي الحاضنة للكثير من بلدان الجنوب، فإن تلك الكتلة الغنية بثرواتها البشرية والمواد الأولية، يخامرها إحساس متزايد، بأنها شبه مبعدة عن مراكز القرار الدولي في هيئة الأمم المتحدة، ما جعل الصيحات تتعالى من مختلف دول الجنوب الموزعة عبر القارات، تنادي بإصلاح المنتظم الدولي، لتعكس الأمم المتحدة خارطة العالم الجديدة، وليكون التعاون مبنيا على أسس التكافؤ في الحقوق والواجبات، ذلك أن آلية الأمم المتحدة المقربة بين الدول، يمكنها، كما تقول ورقة الندوة الثانية «إصلاح نظام الأمم المتحدة ومستقبل التعاون جنوب جنوب»، المساهمة بشكل فعال في توطيد أواصر التعاون والتقارب بين مختلف الحضارات والثقافات والمناطق الجغرافية. ومن ثمة، بات إصلاح الأمم المتحدة، ضرورة يحتمها التوازن الدولي، وبالنظر كذلك للدور المتنامي لدول الجنوب، وفي طليعتها الدول الأفريقية.

وتتوزع الندوة على ثلاثة محاور، اذ تتناول أولا، التعاون الدولي ومشاريع التنمية في دول الجنوب. ثانيا، التعاون جنوب ـ جنوب بين التطلعات والإكراهات. ثالثا، إصلاح الأمم المتحدة ومقاربة التعاون جنوب ـ جنوب.

وسيتحدث إلى الندوة، بشكل غير مباشر، صوتان قويان هما: الرئيس السنغالي عبد الله واد، وأمين عام الأمم المتحدة، بان كي مون، إلى جانب أكثر من أربعين مشاركا، من مفكرين وباحثين ووزراء حاليين وسابقين وخبراء دوليين على صلة بالموضوع.

وتحرص جامعة المعتمد بن عباد الصيفية في سائر دوراتها على أن يشكل العالم العربي، محور ندواتها الساخنة، إذا جاز التعبير. وفي هذا السياق، فإن المبرر العلمي لندوة «النخب والسلطة والديمقراطية في الوطن العربي»، التي ستدوم ثلاثة أيام (من 12 إلى 14 من الشهر الجاري، يعود الى كون العالم العربي يشهد تحولات عميقة، طالت كافة المرافق الأهلية والحكومية، كما يعرف المسار الديمقراطي مستجدات في منظومة وأساليب الحكم ومؤسسات المجتمع المدني. ومن المؤكد أن المسألة الديمقراطية، تقع في صميم جوهر التحولات الجارية بشكل متفاوت في البلدان العربية، حيث ظهر معطى جديد، يتمثل في كون «السلطة» التقليدية، بدأت تنحو نحو انتهاج الديمقراطية، معتمدة على النخب التي تكونت في أحضانها أو تلك التي أصبحت مضطرة للتعامل معها. وبعبارة أخرى، فإن الديمقراطية بمعناها المتجدد القائم على الحكامة الجيدة والمشاركة الفاعلة، لم تعد منحة أو منة من السلطة أو النخب، بل شيء مشترك تصنعه النخب الاقتصادية والاجتماعية وحتى الجماهيرية، ومن جانب آخر المجتمع المدني بآلياته وهيئاته الأهلية التي يتعاظم تأثيرها على أصحاب القرار، في مختلف الأنظمة، بما تتيحه العولمة من تعاضد بين تفريعات وتعبيرات المجتمع المدني.

وتتوزع الندوة عبر المحاور التالية: دور النخب في العمل الديمقراطي بالوطن العربي، النخب والسلطة والممارسات الديمقراطية، وأخيرا «مآل التجارب الديمقراطية في ظل تجاذبات العولمة».

وستمتد الندوة على مدى ثلاثة أيام، دعي لها أكثر من أربعين مشاركا.

وعلى صعيد اخر، وبما ان القرن الحالي، يشهد تغيرات جذرية في المنظومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بدرجات وفي مختلف أنحاء المعمور، فإن العولمة بسائر تجلياتها، تمثل الخيط الرابط بين العناصر والأطراف المتفاعلة في ذلك التغيير الكوكبي الشامل، لكنها (العولمة) لا يمكن أن تمارس حضورها ودورها، من دون الاستناد الى سلاح الإعلام، الذي يواكب خطواتها، ما جعل التطورات المتلاحقة الحاصلة في جسم هذا الأخير، إحدى علامات عصرنا، مستفيدا (الإعلام) من الأبحاث السيكولوجية وعلم سبر أغوار الرأي العام، ورصد التحولات الاجتماعية ودراسات عن منظومات القيم، حيث انصهرت معطيات المعرفة الأكاديمية مع ابتكارات التكنولوجيا، فتيسر للعالم إعلام، يمكن القول عنه إنه جلده صار يتبدل يوميا. وانطلاقا من ذلك، التقت رغبة مؤسسة منتدى أصيلة، منظم المواسم الثقافية، مع رغبة جريدة «الشرق الأوسط»، التي تحتفل بالذكرى الثلاثين لتأسيسها، ليشتركا في تنظيم ندوة «الإعلام في القرن الواحد والعشرين»، لاعتبارات من بينها أن «الشرق الأوسط» كانت السباقة في الوطن العربي للانفتاح على الآخر، عربيا وأجنبيا، بل اختارت بيئة أوروبية لإطلاق تجربتها، والأهم من هذا أن المطبوعة، التي صدر عددها الأول من لندن، رفعت شعار «جريدة العرب الدولية»، ووفقت بمهنية بين الشعار ومضمونه، فهي تخاطب المواطن العربي في أي مكان، وتنقل إليه ما يجري في بلده، بعدل ومساواة، ومن دون انحياز لنظام على حساب آخر. ولعلها المطبوعة الوحيدة التي لم تخاصم نظاما من دون سبب، أو فرطت في صوتها إرضاء لأحد.

وبهذا الاعتبار، فالندوة، هي تحية لمطبوعة رائدة بالمعنى المهني والصحافي والفكري، ستناقش خلالها أربعة محاور، أولها «دور الصحافة العربية خارج الوطن العربي في تجسير هوة المعرفة في ما بين العرب («الشرق الأوسط» نموذجا)». وثانيها «مصير الصحافة الورقية أمام الإعلام الإلكتروني والهوة الرقمية بين الشمال والجنوب». ويقف المحور الثالث عند إشكالية الإعلام واستقلالية التمويل. بينما يناقش المحور الرابع موضوع حرية الإعلام وأزمة ثقافة الحوار.

ويشارك في الندوة حوالي خمسين متدخلا، عربا وغربيين، يمثلون فعاليات وأجيالا ومنابر وتوجهات وأساليب إعلامية وصحافية. وتدوم الندوة ثلاثة (من 16 إلى 18 أغسطس). وارتباطا بموضوع الإعلام، ولأنهما أداتا اتصال مؤثرتان في أوسع الجماهير، خصصت جامعة المعتمد بن عباد، ندوة «السينما والتلفزيون السياسي في الوطن العربي» من 21 إلى 23 أغسطس(اب)، لتكون مسك ختام فعاليات اصيلة الثقافية. وتقارب الندوة، من خلال مساهمات المشتغلين والمهتمين بالقطاع، التطورات التي راكمها التلفزيون والسينما، منذ أصبحت الصورة والصوت وسيلتي التعبير عن المواقف والنوايا والأهداف والأحاسيس والانفعالات، ما جعلهما تقتحمان العوالم والنفوس بيسر وسهولة، عبر الوسائل والمؤثرات والحيل الفنية.

فمع تدشين عصر البث بالأقمار الصناعية، اخترق التلفزيون والسينما، الحصون المنيعة والمناطق النائية في كوكبنا الأرضي، ولم تعد وظيفتهما مقتصرة على الترفيه والمتعة، بل وسيلة لتكييف الرأي العام وتوجيهه، بل وخداعه وتضليله أحيانا، عبر التوظيف السياسي الذي يخدم مصالح قوي غامضة أو منافع لوبيات، مثلما أن التلفزيون، أصبح نافذة الأفكار الجديدة والقيم التي يروجها نسيج المجتمع المدني المنتشر، ينقل أيضا أراء وتصورات ومواقف الرأي العام، وخاصة في الوطن العربي، حيث أصبح الكثير من الفضائيات المصدر الرئيس والنافذ لجماهير المشاهدين، كما تلاحظ الورقة التقديمية للندوة التي يشارك فيها نقاد ودارسون ومشتغلون ومواكبون لتطور وصناعة هاتين الوسيلتين الجبارتين.

لا تكتمل لوحة موسم أصيلة، من دون الإشارة إلى الفعاليات الفنية والتشكيلية والموسيقية التي تحرص دائما على أن تكون المكونات الرئيسة والمزينة للطبق الشهي الممتع الذي يقدمه الموسم لزواره وضيوفه. ولا بد من الوقوف عند لحظات ثقافية وأدبية قوية، خلال الدورة الحالية، حيث ستوزع على المستحقين من المبدعين، ثلاث جوائز أدبية رفيعة بقيمتها المادية والمعنوية. اثنتان ستكونان كما جرت العادة من نصيب الشعر، إحياء لذكرى شاعرين أحبا أصيلة وحضرا مواسمها إلى أن التحقا بدار الخلود، وهما الشاعران الكونغولي تشيكايا أوتامسي، الذي تمنح الجائزة التي تحمل اسمه، إلى شاعر من القارة السمراء، والعراقي بلند الحيدري، الذي يتبارى الشعراء الشباب للفوز بجائزة تحمل اسمه، تشجيعا لمواهبهم المعلنة.

ومن الأسماء الأدبية التي يتذكرها موسم أصيلة، الروائي المغربي الراحل محمد زفزاف، الذي أحدثت جائزة باسمه، ينالها الروائي الذي يستحقها.

يشار إلى أن الجوائز الثلاث، تمنحها لجان من النقاد والأدباء والدارسين المشهود لهم بالمصداقية والحضور في المشهد الثقافي العربي والأفريقي.

تلك لقطات من المشهد العام، أما ما هو عسير على الوصف والنقل في مواسم أصيلة، فهو تلك الأجواء المواكبة التي يصنعها القادمون إليها من مختلف البلدان والثقافات، بعضهم نسج علاقات وصلات بفضل مواسم المدينة، وبعضهم يفتح أجندته ليشحنها بأسماء وعناوين ومواعيد. كل أولئك، يصنعون أمسيات وسهرات ومسامرات أصيلة في أيام موسمها، حيث تتدفق العواطف الإنسانية الصادقة، ويعود كل إلى بلده حاملا أجمل والذكريات وأمتعها وأدفأها.