الرئيس الجديد لمكتب الجامعة العربية ببغداد: أولوياتنا المصالحة الوطنية.. والاتفاق على مناطق عمل مع إيران وسورية وأميركا

هاني خلاف لـ «الشرق الأوسط»: الشيعة يرحبون بدورنا طالما كان هناك اعتراف بالأوزان المختلفة

TT

فيما قال إن العمل مع الأطراف الإقليمية والدولية وإحياء المصالحة الشاملة سيكون «على رأس أولوياتنا»، أعرب الرئيس الجديد لمكتب الجامعة العربية ببغداد، السفير هاني خلاف، عن أمله في اتفاق على مناطق عمل مع سورية وإيران وتركيا وأمريكا، وجميع الأطراف الإقليمية والدولية ذات الصلة بالشأن العراقي، قائلاً في حوار مع «الشرق الأوسط» إن دولاً عربية مستعدة للتعامل بنظرة إيجابية مع الأوضاع الأمنية الجديدة بالعراق، وما يمكن أن يترتب عليه من إرسال سفراء عرب لبغداد. وأكد خلاف، الذي شغل العديد من المواقع الدبلوماسية القريبة من الملف العراقي والإقليمي بالمنطقة، رغبة الجامعة العربية في تحريك الأمور أكثر ممَّا كانت عليه، قائلاً إن أمينها العام، عمرو موسى، أخطره، قبيل إعلان تعيينه الخميس الماضي، استعداد الجامعة للاستجابة لأي طلبات لوجستية لأي تحرك ميداني له بالعراق أو بدول الجوار.

وأعرب السفير خلاف، وهو دبلوماسي مصري سابق، ويعمل حالياً مستشاراً في وزارة القوى العاملة والهجرة المصرية، عن أمله في تركيز عمل الجامعة العربية في المرحلة المقبلة، بالعراق، على البعد التنموي والبعد الاقتصادي، وإيصال المساعدات العربية والدولية لعموم العراقيين بعيداً عن أي اعتبارات سياسية أو طائفية. وأكد خلاف، الذي كان والده مُدرساً للأدب في العراق، وتتلمذ على يديه عراقيون يشغلون حالياً مواقع في الحياة السياسية والأدبية ببلاد الرافدين، على ضرورة تأمين قنوات تواصل للاقتراب من جميع الفئات العراقية، بغض النظر عن انتماءاتها، لأجل إيجاد لغة خطاب واقعية بعيداً عن العبارات الطنانة. وفيما يلي تفاصيل الحوار الذي جرى في القاهرة: > ما الذي تأمله، وما الذي يمكن أن تفعله، بصفتك ممثلاً للجامعة العربية في بغداد.. وما تصوركم للأرضية التي ستعمل عليها هناك، ومن أي نقطة يتم البدء بمرحلة جديدة للعمل بالعراق؟

ـ قرار تمثيلي للجامعة العربية أعلن منذ ساعات (أول من أمس)، وبالتالي هناك عدد من الاتصالات لا بد من إجرائها أولاً، قبل الإدلاء بأي انطباعات. لا أريد الخوض في اجتهادات شخصية، لما سيمكن أن يكون عليه الحال بالعراق. دعنا نبني الأمر على بيانات ومعلومات دقيقة.. وقد يكون هذا سابقاً لأوانه.. أنا كنت مساعداً لوزير الخارجية (المصري) حتى شهر سبتمبر (أيلول) 2007، وبعدها نقلتُ تخصصي كلية. وكان الملف العراقي أثناء فترة عملي بالخارجية المصرية، حاضراً في ذهني بتفاصيله كلها، لكن في الوقت الحالي لا بد من تنشيط الذهن مجدداً بدراسة الوضع هناك في الفترة الأخيرة. في نفس الوقت لديَّ تصورات مبدئية أريد أن أستشير الأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، حولها، وكذلك الطاقم السياسي بالجامعة. و(أستشير) عددا من سفراء الدول العربية المندوبين الدائمين بالجامعة العربية، قبل أي بدء للتحرك للعمل على الساحة العراقية. لكن عموماً، أستطيع أن أقول إن أهم أفكار مبدئية لديَّ، هو أنه إذا كانت الأحوال الأمنية والأحوال السياسية بالعراق، يجري تطويرها حالياً، فإننا نريد أن نركز أكثر على البعد التنموي والبعد الاقتصادي.. كيف تصل المساعدات العربية والمساعدات الدولية إلى عموم العراقيين بطريقة أكثر عملية وبطريقة لا تصب فيها أي اعتبارات سياسية، ولا تنطلق من اعتبارات عرقية أو طائفية أو غيرها.. قد يكون هذا أحد مداخلي التي أختارها، ولكن قد تكون هناك أولويات أخرى.. أريد أن أطرح اجتهاداً شخصياً، ولكن قد تكون هناك اعتبارات سياسية تلح على الدول العربية، فلابد أن أطلع على الأشياء الأخيرة التي تمت من قبل المندوبين الدائمين ومن جانب وزراء الخارجية العرب، لكي نتمكن من طرح تصور كامل.

> هل يمكن أن تقولوا لنا، من وجهة نظركم، ما يمكن أن يكون عليه مثل هذا «التصور الكامل» لحل مشاكل العراق وتبعاتها؟ ـ أنا لست في حل الآن لأعطيك كل التصورات وكل الخرائط وكل الأفكار، ولكن أنا أجتهد.. > حسناً.. إذن كيف ترون، كمواطن عربي، خارطة العراق.. كيف ترون هذا البلد العربي في سياق الوضع الإقليمي بالمنطقة، وفي سياق ما يقال عن محاولات لنفوذ إيراني وشيعي على خلفية احتلال أجنبي واعتلال داخلي.. ما العمل الذي تأملون القيام به هناك؟

ـ الهدف الذي نُجمعُ عليه جميعاً سواء بدءاً من سنة 2007 أو بعد ذلك أو قبل ذلك، وسواء في قمة الرياض بالمملكة العربية السعودية، أو ما بعدها، أننا أكدنا على ضرورة التخلص من النظرتين العرقية والطائفية في التعامل مع العراق والعراقيين، وضرورة تخليص العراقيين أنفسهم من هذه النظرة. لابُدَّ من تأمين قنوات التواصل.. قنوات الدخول ومسالك الاقتراب من كل الفئات والشرائح السياسية والدينية والطائفية والعرقية.. لابُدّ من تأمين قنوات خصبة للتواصل معها.. قنوات تعترف بخطاب واقعي وجديد.. لا داعي لتكرار الاكليشيهات والعبارات الطنانة وغيرها. > وكيف يمكن في تصوركم الوصول إلى لغة «الخطاب الواقعية الجديدة» هذه التي تأملونها؟

ـ لا بد من الدخول بمدخل يتسم بالواقعية أولاً.. أعني أن يعترف (العراقيون) بالأمر الواقع، ويرىون الأمور كما هي بحجمها الحقيقي وفي نفس الوقت يحاولون تطويرها بطريقة (تساعد على الحل).. ينبغي أن يشاركوا هم في التطوير أيضاً، وألا يكون التطوير مفروضاً عليهم. > وهل من السهل تحقيق ذلك.. وبخاصة أن بعض المراقبين يرون أن تحقيقه ما زال بعيد المنال، رغم ما تقول تقارير إنه تحسن ملموس بالوضع الأمني العراقي في الفترة الأخيرة؟

ـ أنا أعتقد أنه لو أتيحت لنا (كجامعة عربية)، فرصة كافية للتعرف إلى مختلف الاقترابات التي تمت من جانب مجموعة الخليج على سبيل المثال، عندما التقوا أخيراً برئيس إيران (محمود أحمدي نجاد)، وعندما زارهم أيضاً (رئيس الوزراء العراقي) السيد نوري المالكي، وعندما نُقْدِمُ الآن على خطوة جديدة ميدانية الطابع؛ هي مكتب للجامعة العربية ببغداد، لا بد أن تكون هناك مادة جديدة، وليس القرارات التي سبق إصدارها (من الجامعة العربية) فقط. الجامعة العربية أصدرت قرارات كاملة، ومن الناحية المثالية متكاملة جداً؛ ولكننا نحتاج لطريقة لإيصال مضمون هذه التوجهات أو التوقعات التي تأملها الجامعة للعراقيين، بحيث تعطيهم فرصة لأن يشاركوا فيها أيضاً.. > ما هي الأولويات التي ترون أنه يمكن أن تكون على رأس جهود الجامعة العربية بالعراق في المرحلة المقبلة؟

ـ من أولوياتنا تجديد المحاولة لإحياء المصالحة الوطنية العراقية الشاملة، تدخل فيها جامعة الدول العربية، دخولاً كبيراً وفاعلاً، وأيضاً محاولة التفاهم على مناطق للعمل يُتَّفَقُ عليها مع الإيرانيين والأتراك والأميركان والبريطانيين والسوريين.. أعني كل الأطراف الإقليمية والدولية؛ علينا أن نتفق مع بعضنا بعضا في آلية دول جوار العراق أو خارجها.

> يأتي توليكم لرئاسة مكتب الجامعة العربية بعد نحو عامٍ من ترك الرئيس السابق للمكتب، المغربي، مختار لماني.. ألا ترون أنها فترة غياب طويلة للجامعة العربية عن العراق، حدثت خلالها الكثير من التغيرات والتطورات؟

ـ أنا سأحل محل السيد لماني بعد فترة انقطاع طويلة.. بعد فترة غياب لرئاسة المكتب لمدة سنة تقريباً.. اليوم استجدت كثير من الأمور.. (الدور) الإيراني، والأميركي، واتفاقية الأمن الأميركية ـ العراقية، واستعداد دول عربية كثيرة للتعامل مع الأوضاع الأمنية الجديدة بنظرة إيجابية، وبالتالي إرسال سفراء عرب هناك إلى بغداد.. وفي نفس الوقت هناك الوثيقة التي أبرمها العراق مع الأمم المتحدة في مؤتمر دولي بشرم شيخ، العام الماضي، للإصلاح في العراق، لم تتم متابعتها بطريقة جيدة من جانبنا نحن العرب.

> وما الذي يمكن عمله لتفعيل هذه الوثيقة؟

ـ هذه الوثيقة كبيرة، وتنظم حياة الإصلاح السياسي والتنموي في العراق ولا بد أن يكون لنا دور في هذا الشأن وتحريكه وإمداده أيضاً ببعض ما لدينا من إمكانات.

> لكن في حديث سابق مع لماني، اشتكى من نقص إمكانات مكتب الجامعة العربية ببغداد، لدرجة أنه لم تكن لديه القدرة على إرسال فاكس للمقر الرئيسي بالقاهرة.. هل ستكررون مثل هذه التجربة الصعبة التي لم تسجل الجامعة من ورائها نجاحات لافتة بالعراق، أم أن التجربة ستكون هذه المرة مختلفة؟

ـ أظن، إن شاء الله، أن هناك توجها لدعم هذا الوجود الميداني العربي في بغداد، دعماً خاصاً.. أُتيحت الفرصة في القمة العربية الأخيرة بدمشق، وزِيدت ميزانية مكتب الجامعة العربية في بغداد. والأمين العام عمرو موسى، نفسه، أخبرني بصراحة في لقاء الأسبوع الماضي، قبيل الإعلان عن تعييني، أن هناك استعدادا للاستجابة لأي طلبات لوجستية أو أي طلبات لأفراد (عاملين) أو أجهزة (معدات مكتبية)، أو تحرك في دائرة دول الجوار.. قال لي: أي تحرك ميداني في العراق أو بدول الجوار، اخْطرْنا به؛ ونحن موافقون عليه مسبقاً. لدى الأمين العام استعداد لتحريك الأمور أكثر ممَّا كانت عليه.. وحين التقى أخيراً ببعض القيادات العراقية غير الرسمية، كان هناك أيضاً تشجيع من جانب شيعي بأنهم يرحبون بدور للجامعة العربية طالما كان هناك اعتراف بالأوزان المختلفة للأطراف المختلفة.

> ومتى سيكون سفركم إلى بغداد لمباشرة المهمة الجديدة؟

ـ في الوقت الحالي، وحتى نهاية شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، أنا ملتزم في مصر مع وزيرة القوى العاملة والهجرة، كمعاون لها.. ولدينا ارتباطات كثيرة ينبغي أن أكون موجوداً فيها، قد لا يكون السفر قبل نهاية سبتمبر. تقريباً في فترة شهرين أو شهرين ونصف، لكن هذا لا يمنع من أنني قد أسافر عدة مرات إلى العراق في زيارات قصيرة.

> والدكم، المرحوم عبد المنعم خلاف، كان يعمل لفترة طويلة بالعراق، فهل يوجد انطباع ما تكوَّنَ لديكم، منذ وقت مبكر، عن العراق والعراقيين؟ ـ والدي بالفعل كان مدرساً للأدب العربي في الأربعينات والخمسينات لكثير من العراقيين. وهؤلاء أصبح كثير منهم قياداتٍ اليوم في الأدب والشعر والفنون والنضال السياسي وغيره.. لا شك أن هذه الخلفية ستفيدني في مهمتي بالعراق أيضاً.. والدي كان يذكر كثيراً في كتاباته العراق والعراقيين بكثير من الإيجابيات.. لكن إذا كان لديّ اطلاع، من تاريخ والدي، على تفاصيل الحياة العراقية الجميلة، فإن صعوبات الحياة العراقية اليوم، شيء آخر يختلف تماماً عن الماضي. هاني خلاف في سطور > من مواليد القاهرة في 24 سبتمبر 1947، خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة عام 1969، وله مؤلفات ودراسات سياسية واقتصادية منشورة عن مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بـ«الأهرام»، و«دار الهلال». > عمل مساعداً لوزير الخارجية المصري للشؤون العربية والشرق الأوسط ومندوب مصر لدى الجامعة العربية (2004–2007)، وسفيراً لبلاده لدى ليبيا (2000-2004)، ويوغوسلافيا الاتحادية (1997–1999).

> متزوج من الدكتورة صفاء الباز، مساعدة وزير الصحة والسكان المصري، وله ولد وبنت يعملان في السلك الدبلوماسي بالأمم المتحدة.

> كان عضواً بالوفد المصري في الاجتماع الوزاري الموسع لدول جوار العراق بشرم الشيخ (2004)، ورئيس وفد بلاده في المؤتمر الموسع لدول جوار العراق على مستوى كبار المسؤولين ببغداد (2007).

> ترأس وفد مصر في المؤتمر الدولي بجنيف حول اللاجئين والنازحين العراقيين (2007). ترأس وفد بلاده في الاجتماع الأول للجنة الفنية الخاصة بالطاقة المنبثقة عن آلية دول جوار العراق المنعقد باسطنبول (2007).