سعد الدين إبراهيم يواجه حكما ثانيا بالحبس في مصر

قصة عَالِم أغوته السياسة فقادته إلى السجن بعد إدانته قضائيا بتهمة الإضرار بأمن البلاد

TT

اصبح الناشط الحقوقي المصري الدكتور سعد الدين إبراهيم (يحمل الجنسية الأميركية)، في مأزق بعد أن صدر في حقه حكم قضائي ثان بالسجن لإدانته بتهمتي الإدعاء الكاذب والإضرار بأمن مصر القومي.

وقضت محكمة جنح الخليفة بالقاهرة أمس بسجنه سنتين مع الشغل، وكفالة 10 آلاف جنيه لإيقاف التنفيذ مع إحالة الدعوى المدنية للمحكمة المدنية المختصة، إلى جانب قضايا أخرى رفعها أعضاء ومؤيدون للحزب الوطني الحاكم، وتنظرها محاكم مصرية، في ما قال شادي طلعت محامي المتهم في تعليق مقتضب له على الحكم «إن الحكم معيب وإنه سيقوم باستئنافه». وقبل سنوات قليلة اختار إبراهيم الذي ظهر في صور مع الرئيس الأميركي جورج بوش، الحياة خارج مصر، ويتنقل دائماً بين قطر والإمارات والولايات المتحدة واسبانيا، ربما هرباً من الملاحقات القضائية والشرطية.. لكن التقارير الإعلامية المنشورة في الولايات المتحدة ، وفي مصر تتحدث عن أنه يبحث عن عودة مشروطة للبلاد تتضمن وقف ملاحقته قضائياً وأمنياً. وسبق للقضاء المصري في مطلع الألفية الثالثة أن أدان إبراهيم، بتهمة «الإساءة لصورة مصر» و«الحصول على أموال من جهات أجنبية بدون إذن حكومي»، وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، لكنه خرج بعد مضي نصف المدة إثر ضغوط أميركية وغربية هائلة على الحكومة المصرية.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إنها انتهت إلى ثبوت التهم الموجهة إلى الدكتور إبراهيم استناداً إلى تقرير وزارة الخارجية في هذا الصدد، مشيرة إلى أنه تأكد لديها أن المتهم طلب من الإدارة الأميركية ربط برنامج المساعدات السنوية المقدمة إلى مصر بتحقيق تقدم في مجرى الإصلاح السياسي، وإن لم يكن هذا هو العامل الوحيد إلا أنه أحد العوامل التي يترتب عليها إضعاف هيبة الدولة واعتبارها.

وكان تقرير وزارة الخارجية قد سبق أن أشار إلى أن الدكتور إبراهيم «نشر مقالات في عدد من الصحف الأجنبية تتناول الأوضاع الداخلية في مصر، تضمنت تقييمه للتطورات على الساحة السياسية في البلاد ودعوة الإدارة الأميركية لربط برنامج معونتها لمصر بتحقيق تقدم في العملية الديمقراطية». وأضاف التقرير «ورغم ذلك فانه يصعب تحديد أو توصيف الحجم الحقيقي لتأثير مقالات الدكتور إبراهيم على علاقات مصر، والتي تتمتع بثقل دولي كبير وعلاقات متشعبة مع مختلف دول العالم، حيث إن وزارة الخارجية لا تحتفظ بأرشيف كامل لما ينشره المواطنون المصريون أو غيرهم من مقالات ودراسات في الخارج، وهو أمر من اختصاص جهات أخرى في الدولة كالهيئة العامة للاستعلامات».

وكان إبراهيم إلى وقت قريب هو العالم الأبرز بمصر، والعالم العربي، في علم الاجتماع السياسي الذي كان يدرسه في الجامعة الأميركية بالقاهرة، وتتلمذ على يديه العشرات من كبار القوم في مصر والدول العربية. لكن عالم الاجتماع الأبرز في العالم العربي أغوته السياسة بقواعدها المفتوحة والمتحركة والخاضعة لـ«المواءمات.. والنسب المئوية».. وقواعد تقوم على منطق «ما لا يدرك كله لا يترك كله».. السياسة جَرَّت العالم المرموق الذي قضى حياته يتعامل وفق قواعد علمية بحتة لا تزيد أرقامها ولا تنقص إلا بمعيار علمي دقيق ـ جرته ـ إلى ساحتها القذرة وقادته إلى السجن ومنه إلى خارج البلاد هرباً مما يراه «اضطهادا».

قبل نحو عشرين عاماً أسس إبراهيم مركزاً بحثياً يعمل في مجال الدراسات الإنمائية والسياسية أطلق عليه اسم «ابن خلدون»، بدأ نشاطه بعقد ندوات ومؤتمرات تقليدية تتناول موضوعات في السياسة والثقافة والاجتماع، حاضر فيها وزراء ومسؤولون، لكن مع «هوجة» التمويل الأجنبي كان عليه أن يقبل شأنه.. شأن الآخرين تمويلاً لعمله البحثي، وكان طبيعياً أن يرتبط التمويل بنوع الموضوعات التي يناقشها، لأن الغرب يمول عملية البحث في قضايا، ولا يمول أشخاصاً، فَقَبِلَ مركز ابن خلدون تمويلاً لمؤتمر حول الأقليات بمصر، ودعا إليه الأقباط، الذين رفضوا رسمياً المشاركة فيه باعتبار أن شروط الأقليات لا تنطبق عليهم، بينما شارك بعضهم بصفاتهم الشخصية، بعد نقل مكان عقده إلى خارج مصر.

بعد ذلك المؤتمر تحول إبراهيم من شخص يمكنه مقابلة رئيس الدولة باعتباره عالماً مرموقاً، سواء كان ذلك بطلب منه، أو باستدعاء الرئيس له ـ تحوّل إلى ناشط يلاحق ممارسات الحكومة المصرية في المجال الحقوقي، متبنياً وجهة النظر الغربية كاملة، من دون أن يضع الاعتبارات الاجتماعية والسياسية التي يعرفها جيداً كعالم في الاجتماع السياسي في اعتباره. من هنا بدأ مشوار الانتقادات والملاحقات لإبراهيم.. الذي واصل نشاطه الحقوقي حتى قابل الرئيس الأميركي بيل كلينتون، ومن بعده الرئيس جورج بوش الابن وشكا لهما من أوضاع حقوق الإنسان في بلاده، بل ذهب إلى حد طلبه ربط المعونة الأميركية لمصر بمدى التقدم في المجال الحقوقي، ووفقاً لتصريحاته عقب لقائه بوش عام 2006 فإنه طالب بالسعي لإلزام الرئيس حسني مبارك بالوفاء بالوعود التي كان قد قطعها على نفسه أثناء حملته لانتخابات الرئاسة عام 2005، والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين، مما قطع الطريق أمامه في العودة إلى المجتمع المصري كعالم اجتماع سياسي، ويبقى ناشطاً حقوقياً تطارده لعنة التمويل الأجنبي، والولاء للغرب، وأميركا التي يحمل جنسيتها.