باكستان تقر بأن بعض أفراد مخابراتها يتعاطفون مع طالبان

إسلام آباد: لا يوجد «اختراق» لأجهزتنا الأمنية وسنحدد هؤلاء ونتخلص منهم

باكستانية تمر بجانب حملة ملصقات تدعو إلى التصدي لـ«طلبنة باكستان» (أ. ف.ب)
TT

بعد المزاعم الأميركية بشأن تورط عناصر في جهاز المخابرات الباكستاني مع مسلحين إسلاميين في عمليات التفجير التي استهدفت السفارة الهندية بأفغانستان الشهر الماضي، اعترفت باكستان يوم الجمعة باحتمالية أن يكون هناك بعض المتعاطفين مع طالبان داخل صفوف مؤسستها الاستخباراتية التي تتمتع بنفوذ قوي. ولكن أكدت الحكومة الباكستانية، التي رفضت على الفور التقارير التي أفادت بتورط جواسيس تابعين لها في عمليات التفجير، أنه لا يوجد أي دليل على أن أفرادا من جهاز المخابرات الباكستاني قد ساعدوا مسلحي القاعدة في حادث السفارة الهندية بكابل، الذي وقع في السابع من يوليو (تموز) الماضي وقتل فيه نحو 60 شخصا. ولكن في ليلة الجمعة، كان لمسؤولين باكستانيين بارزين رد فعل مختلف نوعا ما تجاه مزاعم مسؤولين استخباراتيين أميركيين بشأن تواطئ المخابرات الباكستانية في الحادث، وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» أول من أورد تقرير حول هذا الأمر يوم الخميس الماضي. من جانبها، قالت وزيرة الإعلام الباكستانية شيري رحمن، المقربة من رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني والتي تصطحبه في زيارة رسمية إلى واشنطن خلال الأسبوع الجاري: «لا يوجد دليل على تورط المخابرات الباكستانية». ولكنها أضافت: «من المحتمل أن يكون هناك أفراد في المخابرات الباكستانية يتعاطفون آيديولوجيا مع حركة طالبان، ويقومون ببعض الأعمال التي لا تلتقي مع سياسات ومصالح الحكومة الباكستانية...علينا أن نحدد هؤلاء وأن نتخلص منهم».

وكان المتحدث باسم الجيش الباكستاني أطهار عباس قد وصف تلك المزاعم بأنها «خبيثة ولا أساس لها من الصحة»، وقال إن جهاز المخابرات الباكستاني يتسم بالنظام لأعلى درجة ويلعب دورا هاما في محاربة ظاهرة التسلح. ومع ذلك، يزعم مسؤولون أميركيون أن جهاز المخابرات الباكستاني قد قدم تمويل ودعم ويحتمل أن يكون قد درب أعضاء في شبكة متطرفة ذات صلة بحركة طالبان يترأسها أمير الحرب جلال الدين حقاني، وأن شبكته تلك مسؤولة عن تفجير السفارة الهندية وهجمات أخرى. وكانت العلاقة غير المستقرة بين الحكومة الباكستانية الجديدة والمؤسسة الاستخباراتية الباكستانية ذات النفوذ القوي نقطة محورية في زيارة جيلاني لواشنطن، وهي الزيارة الأولى له منذ أن تولى منصبه قبل أشهر. ويقول وزير الدفاع الباكستاني أحمد مختار، الذي سافر مع جيلاني إلى واشنطن، إن الرئيس بوش قال لرئيس الوزراء الباكستاني أن وكالات الاستخبارات الأميركية مترددة في مشاركة المعلومات الحساسة مع جهاز المخابرات الباكستانية خشية أن يقوم الأخير بنقلها لمسلحين. وقال وزير الدفاع إن بوش سأل جيلاني عن المسؤول عن المخابرات الباكستانية، فبينما كان رئيس الوزراء الباكستاني في طريقه إلى الولايات المتحدة أعلنت حكومته أن جهاز المخابرات الباكستاني، الذي يترأسه جنرال ويضم الكثير من رجال الجيش، سيبدأ في إيفاد تقاريره إلى وزارة الداخلية. ثم أُلغي هذا القرار، الذي أغضب جهاز المخابرات الباكستاني، خلال ساعات. ولا يعتقد الكثير من المحللين الباكستانيين أن جيلاني، يمكن أن يكون له سيطرة حقيقية على المؤسسة الاستخباراتية، والتي تتمتع بنفوذ في الساحة السياسية الباكستانية وزاد نفوذها خلال حكم العسكريين. ويقول محلل عسكري: «هذه الحكومة أضعف من ذلك، تكون هناك حاجة إلى تخطيط وتنسيق كي تتمكن من قيادة مؤسسة قوية مثل جهاز المخابرات الباكستاني، ولم يحدث هذا الأمر حتى الآن».

ويقود الائتلاف الحاكم حزب الشعب الباكستاني بعد أن تمكن من جذب معظم الأصوات خلال الانتخابات البرلمانية التي عقدت بعد مرور ستة أسابيع فقط على اغتيال رئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو في السابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ولكن هناك مشاكل بين حزب الشعب، الذي كانت تتزعمه بوتو، وشريكه في الائتلاف حزب رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف. وهناك خلاف بين الحزبين حول السماح للرئيس برويز مشرف بالبقاء في منصبه بعد الطعن في إعادة انتخابه وحول إعادة القضاة التي فصلهم مشرف العام الماضي بعد أن فرض قانون الطوارئ. ويقول النقاد إن الشقاق الداخلي قد جمد من الجهود التي تستهدف الوصول إلى سياسة متساوقة حيال المسلحين الذين يلوذون بمنطقة القبائل الممتدة على الحدود بين باكستان وأفغانستان. وترى إدارة بوش وحكومات غربية أن سلبية باكستان خلال الأشهر الأخيرة قد أعطت مساحة أكبر للمسلحين كي يقوموا بتنفيذ هجمات على قوات التحالف المنتشرة على مدى الحدود في شرق أفغانستان، مما رفع من نسبة الإصابة بين صفوف القوات. وقتل أربعة جنود غربيين يوم الجمعة في حادث تفجير قنبلة على جانب الطريق في محافظة كنار الأفغانية، بالقرب من الحدود الباكستانية، حسب ما أفادت به قوة تابعة للناتو. كما قتل جندي بقوات الناتو في هجوم منفصل وقع في محافظة أخرى شرق البلاد أيضا. وحتى القرار الخاص بجهاز المخابرات الباكستاني، والذي تم إلغاؤه، لم يكن رئيس الوزراء الباكستاني قد قام بشيء ملموس للتأكيد على السيطرة على المؤسسة الاستخباراتية الباكستانية، التي ساعدت في تكوين وتسليح حركة طالبان في التسعينات من القرن الماضي. ويقول المحلل والمؤلف أحمد راشد، وهو له كتابات كثيرة حول المجموعات المسلحة الإسلامية في باكستان: «في الوقت الحالي، ما زلنا نعاني بسبب المساعدة التي قدمناها لطالبان الأفغانية». وأضاف أن الحكومة الجديدة ليست قادرة على التحرك بصورة كبيرة لتغيير سياسات المخابرات الباكستانية. وأشارت وزيرة الإعلام الباكستانية ومساعدون آخرون لرئيس الوزراء إلى احتمالية أن تكون وكالة الاستخبارات المركزية أمدت البيت الأبيض بمعلومات قديمة حول علاقة جهاز المخابرات الباكستاني بالمسلحين للضغط على الحكومة الباكستانية كي ترسل المزيد من القوات إلى منطقة القبائل. وقال رحمن: «بعض تلك المعلومات منذ أشهر طويلة».

وقال الرئيس السابق لجهاز المخابرات الباكستاني أسعد دوراني أنه لا علم له حول تورط أفراد بجهاز المخابرات في حادث السفارة الهندية، ولكنه دافع عن علاقات الجهاز مع المجموعات المسلحة الإسلامية. وأضاف: «تلك هي طبيعة العمل الاستخباراتي، كي تفهم كيف تدار تلك التنظيمات، فعليك أن تحافظ دائما على روابط معها طوال الوقت...أسالوا حتى وكالة الاستخبارات المركزية».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»