بيل كلينتون وصف أوباما بـ«الذكي» واعتبر أن مردود رحلته الخارجية سيظهر في مرحلة لاحقة

عاد من حملة زوجته الانتخابية إلى العمل الخيري.. والمؤتمر الديمقراطي تجاهله تماما

TT

بات الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون أكثر عزلة من زوجته، بعد انتهاء حملتها للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية، بل إن أصدقاء وحلفاء له عبروا عن استيائهم من الغضب الذي أبداه، والكلمات التي لم يحسن انتقاءها، وحملوه جزئيا مسؤولية هزيمة السيناتور هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية. وعلى ضوء علاقته الضعيفة للغاية بالسيناتور باراك أوباما، فقد هُمش كلينتون خلال حملة أوباما، وهو لا يعرف حتى الأشياء الأساسية، مثل دوره في اجتماع الحزب الديمقراطي. وهذا موقف غير مسبوق للسياسي الديمقراطي الذي حقق أكبر نجاح بين أفراد جيله، وهذا جزء من السبب وراء وجوده في كيغالي آخر محطة في رحلته الأفريقية، التي يسعى من خلالها لزيارة بعض الأماكن التي تنشط فيها مؤسسته الخيرية، في محاولة لاسترجاع دوره كسياسي عالمي بارز. وفي نفس الوقت، بدأ كلينتون مناقشة موسم الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي، التي انتهت قبل شهرين. وفي أول مقابلة مطولة معه بعد هزيمة زوجته، قال كلينتون إنه سعيد لعودته للعمل في مؤسسته الدولية. واضاف: «تلك هي حياتي في الوقت الحالي، يحدوني الحماس كي أعود إليها مرة أخرى، ليس هناك وضع يجعلني أكثر سعادة». وخلال المقابلة التي أجريت معه في الفندق الذي يقيم فيه، واستمرت لأكثر من 45 دقيقة، وصف كلينتون دوره في الحملة الرئاسية لعام 2008 بأنه شرف وميزة، مشيرا إلى أنه أحب هذا الدور، ولكنه رفض أن يناقش أيا من الأخطاء التي يمكن أن يكون قد ارتكبها. وأضاف: «في العام المقبل، سنكون أنا وأنت وكل شخص أكثر حرية، ولدينا مساحة أكبر كي نقول ما نعتقد أنه الحقيقة»، فيما يتعلق بالانتخابات التمهيدية. وعندما سُئل كلينتون عن أوباما، كان ثناؤه عليه قليلا جدا ووصفه بأنه ذكي وسياسي جيد. ولكنه تحدث بصورة مطولة حول الدور الذي يعتقد أن هذا السباق سوف يلعبه في الانتخابات العامة، اذ يرى أن هذا السباق سيكون عاملا مهما فيها إن لم يكن عاملا حاسما. وبدا كلينتون متحررا في ملابسه، اذ كان يرتدي تي شيرت أصفر اللون وسروالا كاكيا ويحمل سيجارا في يده، بعد يوم طويل زار فيه مدينة نائية في شرق رواندا، ليقابل عددا من المزارعين المحليين حصلوا على مساعدات من مؤسسته. تمشى كلينتون في القرية، وهناك قابل ولدا يبلغ من العمر أربعة عشر عاما، مصابا بالإيدز ويحصل على الرعاية من إحدى الهيئات الصحية المحلية التي تتعاون مع مبادرة كلينتون الصحية. وبعد أن تناول الغداء مع الرئيس الرواندي بول كاغامي، استقل طائرة مروحية إلى جنوب الحدود الأوغندية ليشارك في بدء بناء مستشفى حديث. قال كلينتون، وهو يحفر في الأرض باستخدام المجرفة، إن تلك «الأرض ترمز للصحة والأمل والسلام والوحدة».

كان يتصرف بطريقة كلاسيكية، وهكذا بدا وهو يومئ برأسه وينصت بانتباه إلى سكان القرية وهم يصفون تأثير أعماله، وكذا كان وهو يسألهم حول ما يحتاجون إليه، مظهرا خبرته في العديد من القضايا، مثل وقاية الغوريلا ورعاية الأطفال، من مرض الإيدز. وأشار المحافظ السابق لآيوا توم فيلساك، الذي يرافق كلينتون في رحلته إلى ان مواقف كلينتون تجاه القارة السمراء نموذج يحتذى. يقول فيلساك: «الدرس الذي نأخذه هنا هو: تلك هي الصورة التي يجب أن تكون عليها السياسة الخارجية».

الا ان هذا المشهد يظهر إلى أي مدى بات الرئيس السابق في عزلة مع عالمه الخاص. كان فيلساك من أشد المناصرين لهيلاري كلينتون، بعد أن فشل في محاولته للترشح للانتخابات الرئاسية، وما زال حليف كلينتون حتى الوقت الحالي. وفي اميركا، يرى الجميع وحتى الحلفاء أن كلينتون في فترة نقاهة. ويقول هوارد ولفسون، مستشار الاتصالات البارز بحملة هيلاري كلينتون للانتخابات التمهيدية: «إذا كان ثمة شيء وحيد نتعلمه من العشرين عاما الماضية، هو ألا ننظر إلى بيل كلينتون على أنه خارج اللعبة، وأعتقد أن تلك الرحلة تمثل تذكرة قوية للعمل الرائع الذي يقوم به حول العام على مدى الثمانية أعوام الماضية، وسوف يستمر في القيام بنفس الدور».

ربما يكون كلينتون واعيا جيدا للطريقة التي تصرف بها نائب الرئيس السابق آل غور، بعد أن خسر في عام 2000، ولذا فقد أحضر طاقما لتسجيل الأفلام الوثائقية، تحت رعاية صديقه منتج الأفلام ستيف بينغ لتتبع الرحلة التي يقوم بها. والآن بعد مضي نحو شهرين على آخر ظهور له في الحملة الرئاسية مع زوجته، بدأ كلينتون في التحدث إلى الصحافيين، بعد أن كان يشعر بالغضب منهم خلال الحملة، عندما شعر مع مساعديه بأنهم يتربصون به.

يقول كلينتون إنه حتى لو فاز أوباما، فسيكون على من صوتوا له القيام بالكثير. ويضيف كلينتون: «إذا فاز (أوباما)، فسيكون لدينا الكثير من المشاكل، سيكون لدينا الكثير الذي يجب علينا القيام به». وردا على سؤال حول نظرته لرحلة أوباما خارج البلاد، قال كلينتون إنها من المحتمل أن تساعده على المدى الطويل، إن لم يكن في الوقت الحالي. وأضاف: «أعتقد أن الفائدة التي من الممكن أن يحصل عليها السيناتور أوباما من تلك الرحلة، قد تظهر فيما بعد خلال الحملة الرئاسية بصورة ليست صريحة». ويقول كلينتون إنها ستكون مفيدة لأوباما «ففي بعض المناظرات سيمكنه أن يقول لمحدثه هل تعرف، هذا ما قاله لي كابتن قابلته في العراق، أو هكذا لاحظت الأمر في أفغانستان».

ويضيف كلينتون أن مسألة ما اذا كانت الفاعليات الكبيرة التي يقوم بها أوباما خارج البلاد قد ساعدته أم ضرته سياسيا امر يبقى مفتوحا. لكنه قال «يجب ألا تشجعه أو تثبط من عزمه ردود الفعل على الرحلة. عليه أن يستوعبها جيدا. يجب أن تكون تلك الرحلة ميزة له في ذاتها. ويجب ألا يهتم أحد بأن تلك الرحلة لديها أثر سياسي بسيط جدا في المدى القريب، فمعظم الناخبين ليس لديهم مساحة لها في الوقت الحالي». وتمكنت رحلة كلينتون من جذب أعداد غفيرة في المناطق التي ذهب إليها، على الرغم من أنه لم تسلط عليها الكثير من الأضواء، مقارنة بما كانت تحظى به زياراته الدولية فيما مضى، ويمكن القول بأنها كانت غير مرئية مقارنة بالرحلة التي قام بها باراك أوباما.

وحتى في أفريقيا، تلك القارة التي خصص لها كلينتون الكثير من جهده، كان واضحا اهتمام الأفريقيين بأوباما، وهو ابن لأب أفريقي. تجمع بعض العمال قبل فجر السبت في مطار كيغالي، حيث كان من المقرر أن يصل كلينتون ليستقل طائرة مروحية، حول تلفزيون لمشاهدة أحد البرامج حول أوباما، الذي كان يبعد عنهم في هذا الوقت آلاف من الأميال. وداخل الفندق سأل العمال هناك الصحافيين ما إذا كانوا يعرفون أوباما. وكان أحد رواد الفندق الأفريقيين يرتدي تي شيرت لباراك أوباما. رحلة كلينتون هذه رحلة طويلة، فبعد أن وصل إلى إثيوبيا، طار إلى رواندا يوم الجمعة، وسيسافر إلى ليبريا والسنغال يوم الأحد ليلقي خطابا حول ما قامت به مؤسسته من أجل تخفيض أسعار أدوية علاج الملاريا ونقص المناعة المكتسبة، كما سيقوم بعد ذلك بزيارة مدينة مكسيكو ليلقي كلمة مهمة في مؤتمر دولي حول الإيدز. يذكر ان ابنته تشيلسي، التي أخذت إجازة من عملها للمشاركة في حملة أمها، تصطحبه في تلك الرحلة. * خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»