علماء يشككون في تحقيقات «المباحث الأميركية» حول هجمات الجمرة الخبيثة

أصدقاء العالم المنتحر مقتنعون ببراءته

TT

على مدى سبعة أعوام ظل العالم بروس إيفنز مع مجموعة من المتخصصين في بكتيريا الجمرة الخبيثة يقيمون في معمل طبي تابع للجيش بمنشأة «فورت ديتريك»، ويعيشون في سجن غريب، حيث كانوا يعملون مستشارين لمكتب التحقيقات الفيدرالي في التحقيق في هجمات الجمرة الخبيثة المميتة التي وقعت عام 2001، ومع ذلك فقد كانوا جميعا متهمين محتملين بالتورط في تلك الهجمات.

قال أحد المشرفين السابقين على إيفنز، بينما كان العلماء يتناولون الغداء تبادلوا المواقف غير السارة التي تعرضوا لها مع رجال مكتب التحقيقات الفيدرالي، وتساءلوا عما إذا كان عليهم أن يوّكلوا محامين جنائيين للدفاع عنهم. وفي الأغلب يُنظر إلى هؤلاء الباحثين على أنهم مصدر تهديد، أجريت معهم الكثير من المقابلات وتم تفتيش معاملهم ومصادرة أجهزة الكومبيوتر والأجهزة الخاصة بهم. كان الادعاء الفيدرالي يخطط لرفع لائحة اتهام ضد إيفنز ولكنه انتحر الأسبوع الماضي. وقد أكد مسؤولون مطلعون في مقابلات أجريت معهم أمس أن إيفنز كانت لديه المهارة ويمكن الوصول للأجهزة التي يمكن عن طريقها تحويل بكتيريا الجمرة الخبيثة إلى بودرة ومن ثم يمكن استخدامها كسلاح مميت. وأشارت وثائق في المحكمة وشرائط إلى مخاوف من أن يكون، إيفنز، الذي مات عن 62 عاما، كانت لديه نزعة للقتل ورغبة في الانتقام. ومع ذلك، ما زال أصدقاء العام إيفنز مقتنعين ببراءته، وأشاروا إلى أنه لم يكن لديه الدافع ولا الوسائل التي يمكنه من خلالها عمل البودرة المميتة والتي أرسلت عن طريق البريد إلى منافذ بيع الجرائد ومكاتب بالكونغرس في نهاية فصلي الصيف والخريف عام 2001. ويقول جيفري آداموفيكز، وهو المدير السابق لشعبة علم البكتيريا بمعهد الجيش الأميركي للأبحاث الطبية المختص بالأمراض المعدية: «لا أعتقد أنه المسؤول، أقول لمكتب التحقيقات الفيدرالي «أعطني الدليل». ويضيف: «الكثير من الأساليب التي اتبعوها كانت تهدف لعزله عن الدعم الذي يحظى به». وفي المقابل، تجد المحققين واثقين بصورة كبيرة من تورط إيفنز لدرجة أن البعض منهم يناقش ما إذا كان عليهم أن يغلقوا ملف التحقيق في هجمات الجمرة الخبيثة وكيف يمكن أن يقوموا بذلك. ويتضمن ذلك فض هيئة المحلفين التي كانت قد شكلت في واشنطن، والكشف عن العشرات من الوثائق التي تشكل الأسس التي اعتمدت عليها الحكومة في قضيتها ضد إيفنز. وما زال هناك الكثير من الكلام حول الأمور القانونية، ولكن يقول مصدر حكومي إنه من الممكن غلق التحقيق في تلك القضية بدءا من يوم غد، حيث يعتقد مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل أنهم قد توصلوا إلى المسؤول عن الحادث وأنه قد مات، مما يعني وقف إقامة الدعوى. وأضاف المصدر أنه من المحتمل ألا تكون هناك اتهامات ضد الآخرين. وبمجرد أن تغلق تلك القضية، سيكون على مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل مواجهة العديد من التساؤلات، وستكون هناك جلسات علنية، أمام لجان الرقابة بالكونغرس والتي منعت من المشاركة في القضية على مدى الأعوام الخمسة الماضية.

ويقول خبير في الأسلحة البيولوجية على إطلاع بالتحقيقات التي يجريها مكتب التحقيقات الفيدرالي إن إيفنز كانت لديه بالفعل المهارة التي تمكنه من عمل بودرة بكتيريا الجمرة الخبيثة التي استخدمت في الهجمات. وكان إيفنز متخصصا داخل المعمل التابع للجيش في إعداد المستحضرات لجرثومات بكتيريا الجمرة الخبيثة لاستخدامها في الاختبارات التي تجرى على الحيوانات، حسبما قال الخبير، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأن التحقيقات ما زالت سارية.

وكان من بين الأشياء التي كان يقوم بها إيفنز استخدام الأجهزة والعمليات التي من المحتمل أن يكون قد استخدمها الإرهابي الذي قام بعمل بودرة الجمرة الخبيثة. ويضيف الخبير أنه من المعروف أن إيفنز كان يستطيع الوصول إلى بكتيريا الجمرة الخبيثة التي استخدمت في الهجمات، وقد تطابقت تلك مع العينات التي عثر عليها داخل معمل إيفنز. ولكن، لا يتفق آخرون، ومنهم علماء وزملاء سابقون لديهم خبرة في الدفاع البيولوجي، على أن إيفنز يمكنه عمل بودرة الجمرة الخبيثة، حتى لو كان لديه الحافز كي يقوم بذلك. ويقول ريتشارد سبرتزل، وهو عالم بيولوجي عمل مع إيفنز: «لا تتعامل شعبة البكتيريا بمعهد الجيش للأبحاث الطبية المختص بالأمراض المعدية مع بوردة الجمرة الخبيثة، ولا أعتقد أن هناك من لديه المعلومات حول تجهيزها. كي تقوم بذلك يجب أن تكون لديك الفرصة والقدرة والحافز، ولم يكن لديه أي من تلك».

ويقول عالم آخر عمل مع إيفنز إنه من الممكن فنيا عمل بودرة الجمرة الخبيثة في «فورت ديتريك»، ولكن من غير المحتمل أن يكون أي شخص قد قام بذلك دون أن يتم رصده. ويضيف العالم: «نحن نعرف بعضنا بعضا، ونعلم الطريق التي يدار بها المعمل، ولذا سيكتشف أحدنا ما يحدث، خاصة وأن تلك الجرثومات ليست من الأشياء التي نجهزها ونعمل عليها».

ويقول العلماء والمساعدون والأشخاص الذين ظلوا لأعوام يقومون بأبحاث في إطار تحقيقات هجمات الجمرة الخبيثة، إنه يجب على سلطات تطبيق القانون الكشف عن جوانب القضية في أسرع وقت ممكن، حيث يريدون من تلك السلطات أن توضحوا لهم كيف أن إيفنز، الذي كان يعيش فيما يبدو حياة طبيعية ويذهب للكنيسة ويشارك في العمل الطوعي، يمكن أن يكون مسؤولا عن إحدى أكثر الجرائم بشاعة في الولايات المتحدة. وشككت السلطات أمس في تقارير عن أن إيفنز كان يعمل من أجل تحقيق مكاسب مالية معتمدا على براءات الاختراعات والاكتشافات العلمية التي كان يقوم بها. وكانت التجارب التي أجراها إينفز، بالمشاركة مع آخرين في منشأة «فورت ديتريك»، قد كللت ببراءتي اختراع ينظر إليهما على أنهما محوران مهمان في تطوير لقاح الجمرة الخبيثة المعدلة وراثيا والذي أنتجته شركة «فاكسجين»، وهي شركة بولاية كاليفورنيا حصلت على الكثير من العقود الحكومية بعد هجمات الجمرة الخبيثة التي وقعت في عام 2001. ولكن مصادر مطلعة تقول إنه من غير المحتمل أن يكون إيفنز أو أي من العلماء الآخرين قد جنوا مكاسب مالية كبيرة من إنتاج لقاح شركة «فاكسجين»، حيث تقيد الحكومة الكسب الذي من الممكن أن يجنيه الفرد من الاختراعات التي يتوصل إليها في المعامل التابعة لها، وتشترط ألا تتجاوز 150.000 دولار في العام. وتقول جاي هولي، التي كانت تعيش جوار عائلة إيفنز حتى انتقلت مع زوجها للعيش في نيويورك قبل شهر، إنها لا تصدق أن جارها الذي كان مولعا بتقليم العشب يمكن يعرض حياة آخرين للخطر من أجل مكاسب مالية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»