رئيس المكسيك يعلن كسر احتكار الأدوية وتصنيعها في مختبرات بلاده

مكسيكو سيتي تستضيف المؤتمر الـ17 للإيدز وتخرق المحرمات

أحد المصابين بالايدز يرتاح على سريره في ملجأ للمصابين بالمرض في شمال مكسيكو (أ ب)
TT

اعطى الامين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون وعداً بأن «يقوم بكل ما في وسعه ليحقق التزامات المنظمة بالعمل لوقف انتشار فيروس فقدان المناعة (الإيدز) وتأمين الادوية للمصابين بالفيروس، وذلك بحلول العام 2010».

وعد بان كي مون جاء في كلمته التي ألقاها على منصة الاوديتوريوم الوطني خلال المؤتمر العالمي السابع عشر لمواجهة الايدز الذي افتتح مساء اول من امس في مكسيكو سيتي وسط اجواء احتفالية شبيهة بالمهرجانات العالمية وبمشاركة أكثر من 25 ألف مشترك من أنحاء العالم. لكن هذا الوعد لم يحل دون الاشارة الى العجز عن الالتزام بخفض الفقر وخفض الاصابة بالملاريا والتدرن، وذلك مقابل تحسين الغذاء وتعزيز الصحة والتقدم في التعليم.

الا ان بان كي مون لم يقفل بوابة الامل والتزم مواصلة السعي لتأمين التمويل. فقد أشار الى التقديمات الدولية على صعيد الكفاح ضد الفيروس، كما تحدث عن ضرورة اصدار التشريعات لحماية الاشخاص المصابين والمجموعات الضعيفة للمثليين والعاملات في تجارة الجنس والمدمنين على المخدرات من التمييز والاضطهاد واعتماد قوانين ضد كراهية افراد هذه المجموعات. وشدد على ان هذه القضية ستبقى اولوية لديه وخاطب الحضور قائلا: «تستطيعون الاعتماد علي».

لكن وعد الامين العام الذي يحاكي آمال وهواجس أكثر من 33 مليون مصاب بالايدز يقفون رغم معاناتهم على عتبة الانتظار المتفائل، كان له وقعه الخاص على الاطفال والمراهقين المصابين بالايدز والذين كانوا الى جانب البالغين في المؤتمر. وكانوا اكثر شجاعة واكثر قدرة على التعبير من هؤلاء البالغين. فقد عرضت ممثلة المراهقين التي اتت من الهندوراس كارن دوناوا غونزالس في مداخلتها خلال افتتاح المؤتمر خوفها من المستقبل بوضوح ووضعت الخطوط العريضة لما تطمح اليه. قالت: «انا واحدة من الاطفال المصابين بمرض فقدان المناعة (الايدز). ونحن لدينا احلامنا وطموحنا. منا من يريد ان يصبح طبيبا او مهندسا او فنانا. مثلا انا اريد ان أغني. نحن ايضا نريد ان نتزوج وننجب اطفالا. واحلامنا لن تتحقق الا عندما نضمن اننا سنحصل على الدواء ويتم قبولنا في المدارس ونعيش في بيئة تخلو من العنف والتمييز. أكثرنا يتامى. واليتيم يجهل مصيره، كيف سيكون مستقبله اذا اضيف الايدز الى اليتم؟». والدا كارن مصابان بالايدز. والدها افقده المرض بصره. هي تريد ان تشعر بحضن العائلة. تريد ان تهيء نفسها لمشاعر جديدة تراود المراهقين وهم على عتبة الشباب. تقول: «اشعر ان فراشات تطير في اعماقي. وارغب بأن أجد من يسمع آرائي واحتياجاتي». حال الصغير ارنستو ليس افضل. فهو يقول انه في العاشرة من عمره ومصاب بالايدز. وهو يحب الدرس واللعب مع رفاقه. لكن ادارة المدرسة طردته. كما ان الأمهات يرفضن السماح لأطفالهن باللعب معه. يؤكد انه يستطيع ان يأكل مع الاخرين من دون ان يصيبهم بالعدوى ويطالب فقط بأن يحظى بحياة طبيعية.

المؤتمر الذي منح كارن وارنستو منبراً، يواصل اعماله حتى الثامن من الشهر الجاري. وزيارة العاصمة المكسيكية فرصة نادرة للقاطنين الضفة الاخرى من المحيط الاطلسي. لكن الفرح الذي سعى منظمو المؤتمر الى اضفائه على الافتتاح من خلال الغناء والاستعراضات الفنية الفلكلورية لم يحل دون الاقرار بضرورة تكثيف الجهود والميزانيات التي يفترض بالحكومات تأمينها ليس فقط لمعالجة المصابين وانما لتوفير الوقاية الكفيلة بعدم وقوع اصابات جديدة. كذلك لم يحل دون هتافات تطالب بعدم تصوير الايدز وكأنه فوبيا وانما كمرض موجود ويجب مواجهته. كما طالبت هتافات الجمهور المشارك بتأمين منازل للمصابين الذين تتدهور اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية نتيجة تدهور اوضاعهم الصحية.

ابرز الذين اعلنوا تحديهم للوباء كان الرئيس المكسيكي فيليب كالديرون هينوخوزا الذي اعلن انه سيسمح للمختبرات في بلاده بصنع ادوية الايدز لكسر احتكار الشركات الكبرى. وقال: «نحن نواجه الايدز كونه قضية صحة عامة وقضية حقوق انسان في الوقت عينه. لذا سنعتمد سياسة عامة تقضي بتقديم الادوية مجانا الى جميع المرضى في البلاد. لكن لدينا شعورا بالقلق ازاء الاسعار الباهظة لهذه الادوية. لذا قررنا القضاء على الاحتكار والسماح للمختبرات في المكسيك بإنتاج الادوية وبيعها في المستقبل. وسيطبق هذا التدبير تدريجيا تجنبا للانعكاسات السلبية».

كلمات الخطباء عكست ضرورة كسر المحرمات لدى طرح هذه القضية، وذلك انطلاقا من معادلة بسيطة مفادها ان القضاء على الايدز لا يعني القضاء على المصابين به. واهمية مواجهة التمييز ضد المصابين لا تقتصر على الابعاد الانسانية وانما تفرضها المصلحة العامة. فالتمييز يقود الى مزيد من الاصابات وبالتالي يسبب ضررا اكبر للمجتمعات. لذا لا بد من تسمية الامور بأسمائها لعبور الدرب الصحيح والسليم الى التعايش مع المرض بإنتظار العثور على علاج شاف له. وهذه الامور هي مواجهة الايدز لدى المثليين والعاملات في تجارة الجنس والمدمنين على المخدرات بواسطة الابر. وهذه المواجهة تستوجب طرق ووسائل لم يعد يجدي الحياء او الحظر نفعا في تجاهلها.

رئيس المنظمة العالمية للايدز بيدرو كاهن قال: «لا تنفع معارضة زيادة التمويل لمواجهة الايدز. هناك من يقول بإن هذا التمويل يخلق مشاكل تضر بنظم الرعاية الصحية. لكن الوقائع تشير الى اهمال مزمن لهذه النظم. والمسألة تحتاج الى التكامل والتعاون لا الى المنافسة. يجب دفع المزيد من الاموال في قطاعي الادوية والابحاث العلمية». التحذير اطلقه ايضا المدير العام لوزارة الصحة في المكسيك خوسيه كوردوبا فيلالوس الذي قال انه مقابل كل اصابات تتم معالجتها تقع خمس اصابات جديدة في العالم. اما المدير التفيذي لمشروع الامم المتحدة لمواجهة الايدز بيتر بايوت، فقد حرص على الاشارة الى ان المصابين بالفيروس يبلغون ثلاثة اضعاف الحاصلين على العلاج. لكن الواقعية المريرة في طرح جانب من جوانب المرض لا تستدعي السوداوية المطلقة. بايوت يؤكد انه «للمرة الاولى لدينا نتائج على نطاق واسع بشأن القدرة على مواجهة الايدز. وللمرة الاولى يموت عدد اقل عن الاعوام الماضية جراء المرض. وللمرة الاولى يصاب عدد اقل بالفيروس. صحيح ان نهاية الايدز ليست عند مرمى البصر. وصحيح ان بيئة الوباء سريعة التغيير. وصحيح ان المعوقات كثيرة نتيجة الانتكاسة الاقتصادية وارتفاع نسبة عدم المساواة الاجتماعية. وصحيح ان ازمة الغذاء والطاقة تزيد من وطأة الفقر. لكن الصحيح ايضا انه ينبغي عدم تبسيط ما هو معقد وعدم تعقيد ما هو بسيط، والايمان ان التحالف الرائع الذي انجز التطور الحالي يبرهن امكانية تحريك الجبال لدى تضافر الجهور حيال هذا الوباء».