كيف تعمل المنظمات الإرهابية؟

كان الجهاد بالنسبة لحمدان القادم من اليمن انتقالا من مهنة إلى أخرى وليس مطلباً دينياً

TT

قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، غادر أسامة بن لادن معسكره في قندهار بأفغانستان واتجه إلى الجبال. وسافر معه سائقه سالم أحمد حمدان. وبعد استيلاء القوات الأميركية وقوات التحالف الشمالي على قندهار بعدة أشهر، أصدر بن لادن أوامره لحمدان بأن يذهب لينقل أسرته خارجها. وكانت زوجة حمدان حاملاً في شهرها الثامن في ذلك الوقت، فأخذها ومعه طفلته الصغيرة إلى الحدود الباكستانية.

وفي طريقه للعودة، ألقت قوات التحالف الشمالي القبضَ على حمدان، كما قال جوناثان ماهلير، وهو المؤلف الذي جمع هذه الأحداث في كتابه الذي يصدر قريباً بعنوان: «التحدي بين حمدان ورامسفيلد والقتال على السلطة الرئاسية» وجد معتقِلو حمدان صاروخين أرض جو في صندوق سيارته. وأحالوه إلى الأميركيين وحصلوا على مبلغ 5 آلاف دولار.

أصبح حمدان أخيرا أول معتقل في غوانتانامو يعرض للمحاكمة. تتجادل الحكومة وهيئة الدفاع حول أهميته في «القاعدة» ومدى معرفته بنشاط التنظيم، ولكن تثير الحقائق التي اتفق عليها المحامون سؤالا ذا أهمية لأية دارس للجماعات الإرهابية. لقد التحق حمدان بالعمل لدى بن لادن بعد أن وجد صعوبة في الانضمام للمجاهدين في طاجيكستان. وعلى مدى أعوام، نقلَ زعيمَ «القاعدة» إلى معسكرات ومؤتمرات صحافية. وكان حمدان أحياناً يشعر بالملل، وفقا لشهادة مستجوبيه. قال ماهلير الذي أجرى حوارات مع أسرة حمدان وهيئة الدفاع عنه ومستجوبيه من المباحث الفيدرالية، والرجل الذي قام بتجنيده مع المجاهدين، إن سائق بن لادن لم يكن متديِّناً، فقد كان الجهاد بالنسبة للرجل الفقير القادم من اليمن، انتقالاً من مهنة إلى أخرى وليس مطلباً دينياً.

السؤال المثير للاهتمام هو لماذا نادراً ما يقوم حمدان والأعضاء غير المهمين في الجماعات الإرهابية، والذين يمكنهم الوصول إلى معلومات ترغب الولايات المتحدة في الدفع مقابل الحصول عليها، بإطلاعها على هذه المعلومات؟ ربما تتوفر لعشرات من الأشخاص مثل حمدان اليوم معلومات تؤدي إلى معرفة المزيد عن زعيم «القاعدة» وآخرين. مع العلم بأن بعضاً من هؤلاء المبلِّغين المحتملين فقراءٌ وغير متعلمين، لماذا لا يتخلون عن التنظيم، ويحصلون على النقود ويهربون؟ «المشكلة العامة هي لماذا لا يمكن رشوة الأشخاص الذين لديهم معلومات مفيدة ليفصحوا عنها»، هذا ما قاله ديفيد لايتين، وهو متخصص في العلوم السياسية، في جامعة ستانفورد ويدرس في أسباب ندرة إضعاف الجماعات الإرهابية المتخصصة في الهجمات الانتحارية عن طريق المبلغين والخارجين عن الجماعة. وتوصل لايتين مع إيلي بيرمان، وهو متخصص في العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا في سانتا باربارا، إلى نظرية تفسر لماذا يفضل أمثال حمدان في العالم أن يظلوا مخلصين لأمثال بن لادن. يقول كل من لايتين وبيرمان إن السبب هو أن جماعة مثل «القاعدة» تقتصر بالفعل على أعضائها. ويظن معظم الناس أن الأندية تتكون من مجموعات للاستجمام، ولكن لايتين وبيرمان يستخدمان تعريفا مختلفا. تتكون الأندية من جماعات تميل إلى انتقاء أعضائها. وبخلاف الأحزاب السياسية واجتماعات قراءة الكتب، التي تسمح لأي فرد بالانضمام إليها، تجعل الأندية من الصعب على أيِّ شخص الاشتراك فيها. وبمجرد قبول الاشتراك، يجب على الأعضاء أن يقدموا تضحيات شخصية ليستمروا. في نادٍ للغولف يقتصر على أعضائه، قد تكون التضحية دفع رسوم ضخمة. أما في حالة بعض التنظيمات الدينية، قد يكون على الأعضاء الذين يريدون الانضمام أن يمروا بمراحل طويلة في البداية.

يفسر «نموذج النادي» للجماعة الإرهابية سبب بقاء أمثال حمدان مخلصين لجماعتهم. ففي جميع أنواع الأندية، عندما يبذل الأعضاء التضحيات، الأمر الأكثر احتمالا هو أن يكونوا أشد إخلاصا لزملائهم أعضاء الجماعة. يعتقد بيرمان ولايتين أن السبب هو أن التضحيات التي يقدمها الأعضاء في سبيل الانضمام إلى نادٍ ما تقلل من أهميتهم خارج هذا النادي. إذا كرست أعواماً من أجل دراسة نصٍّ دينيٍّ، يمكن أن تكون هذه المعرفة ختماً يسمح لك بالدخول لهذا النادي، ولكن خارجه لا يساوي جهدك إلا القليل. ويقول لايتين «إذا كان عليك أن تقضي حياتك في قراءة التلمود، فلن تكون جيداً في برامج الكومبيوتر. تمنحك هذه التضحيات رخاءً اجتماعياً، ولكن إذا أخذت رشوة، تصبح قيمتك خارج هذا النادي ضئيلة جداً». وبينما يحتفظ مهندسو برامج الكومبيوتر الذين «يتخلون» عن شركتهم ويذهبون إلى أخرى بقيمتهم، حيث يمكن للمهارات أن تنتقل، يتمتع مجندو «القاعدة» المساعدون باحترام كبير في ناديهم، ولكنهم بلا قيمة خارجه. ربما يفسر هذا مكافأة الجماعات الدينية وجماعات الجرائم المنظمة لأعضائها الذين يكتسبون مهارات ثقافية ولغوية وأخرى تتعلق بالكتب المقدسة، وهي المهارات التي لا يمكن الانتقال بها إلى العالم الخارجي.

* خدمة «نيويورك تايمز»