ترجيحات بعرقلة أحزاب شيعية وسنية وكردية لتمرير قانون الانتخابات في العراق

المجلس الأعلى يخشى فقدان مقاعده في مجالس المحافظات الحالية.. والحزب الإسلامي من فوز «الصحوة»

TT

أسفر الصراع حول أحقية السيطرة على مدينة كركوك الشمالية الغنية بالنفط مرة أخرى عن فشل جهود البرلمان العراقي أول من أمس في تمرير قانون يسمح بإجراء انتخابات محلية هذا العام، ما أدى بدوره إلى تأزم الموقف وإثارة الشكوك حول ما إذا كانت الأحزاب الشيعية والسنية الكبرى تتعمد العمل على عدم عقد الانتخابات. ورغم الاجتماع الذي انعقد بين عدد من كبار القيادات العراقية ومسؤولين أميركيين وآخرين تابعين للأمم المتحدة سعياً وراء التوصل إلى تسوية بشأن كركوك، فشل أعضاء البرلمان حتى في تحقيق النصاب القانوني من أعداد الحضور خلال الجلسة البرلمانية الطارئة التي عقدت الأحد. من جانبهم، تعهد المسؤولون العراقيون بإجراء محاولة أخرى، وذلك بعد أيام من الموعد المفترض لبدء الإجازة الصيفية لأعضاء البرلمان والتي تستمر على مدار شهر. على الجانب الآخر، يسود اعتقاد بين المسؤولين الأميركيين بضرورة الانتخابات، التي كان من المقرر في بداية الأمر عقدها في أكتوبر (تشرين الأول)، من أجل ضمان استقرار العراق على المدى البعيد. يذكر أن العرب السنة كانوا قد قاطعوا آخر انتخابات والتي أجريت في يناير (كانون الثاني) وأدت إلى تشكيل مجالس بلدية هيمن عليها الشيعة والأكراد. وساعد غياب السنة عن الحكومة في تأجيج حركة التمرد التي قادها السنة بمختلف أنحاء وسط وشمال العراق. وشهد جنوب البلاد الذي يهيمن وضعاً مشابهاً، حيث قاطعت الحركة الشيعية التي يتزعمها عالم الدين مقتدى الصدر المناهض للغرب انتخابات عام 2005، ثم انتابها الغضب إزاء هيمنة خصومها السياسيين على الأقاليم الجنوبية. وكان من شأن الوضع المتأزم الراهن تسليط الضوء على الانقسامات والمواقف المتصلبة من جانب العرب والتركمان والأكراد في شمال العراق، والتي غالباً ما تهدد بإشعال أعمال العنف. وشهدت مدينة كركوك في الأسبوع الماضي حادث تفجير نفذه انتحاري ضد متظاهرين أكراد، إلى جانب وقوع أعمال عنف عرقية، ما نجم عنه إجمالي 25 قتيلا. ومثلما الحال بالمناطق الشمالية الأخرى، يتصارع العرب والأكراد والتركمان على بسط السيطرة على كركوك، التي قام حزب البعث بقيادة الرئيس الاسبق صدام حسين بطرد الأكراد منها وتوطين العرب بدلاً منهم على امتداد فترة تجاوزت 35 عاماً. من ناحيتهم، يعتبر الأكراد كركوك بمثابة «القدس» بالنسبة لهم، ويرغبون في ضمها إلى الإقليم الكردي الذي يتمتع بوضع أشبه بالاستقلال الذاتي. من ناحيتها، تعهدت تركيا المجاورة بحماية التركمان من سكان المناطق الشمالية بالبلاد وتنظر إلى تهديد الأكراد بضم كركوك تحت سيطرتهم باعتباره استفزازا لها. من ناحية أخرى، أزاحت الأزمة البرلمانية الحالية النقاب عما يعتقد المسؤولون العراقيون والغربيون أنه تردد من قبل الأحزاب السنية والشيعية الأقوى داخل البلاد إزاء عقد انتخابات قد تخسر فيها أمام قوى جديدة ناشئة. وأوضح النائب فوزي أكرم عن التيار الصدري أن في «حال عدم تمرير هذا القانون، سيكون الخاسر الأكبر من لا يحظون بممثلين داخل المجالس البلدية في الوقت الحاضر. ويجري إبرام الكثير من الاتفاقات السياسية خلف الأبواب المغلقة تضر بمصالح الشعب العراقي». يذكر أن التيار الصدري يأمل بالفوز بصوت أكبر داخل المحافظات من خلال مرشحين مستقلين عندما يتم إجراء الانتخابات في نهاية الأمر. وقد حاولت مختلف الأطراف المعنية بالأزمة تسويتها منذ انسحاب الأعضاء الأكراد إلى خارج البرلمان في 22 يوليو (تموز) بسبب محاولة التخفيف من سيطرتهم على كركوك من خلال قانون الانتخابات. من ناحيتها، حذرت المؤسسة العسكرية الأميركية من أن «القاعدة» داخل العراق قد تستغل التوترات القائمة بالبلاد، رغم اعتقاد المسؤولين العسكريين بأن الجماعة الإرهابية قد لحق بها الضعف. وأشار العميد توني توماس، القائد الأميركي الثاني في المنطقة، إلى أن «الكثير من السكان يشعرون بالغضب»، منوهاً بأن ما يحدث في المدينة سيخلف تداعياته على مختلف أنحاء البلاد التي يتصارع فيها العرب والأكراد على رسم الحدود بين الشمال الكردي وباقي العراق. يذكر أنه حال إرجاء عقد الانتخابات حتى العام القادم، فإنها قد لا تتم قبل الصيف نظراً لأن اللجنة الانتخابية العراقية سيتعين عليها تسجيل جميع من بلغوا الثامنة عشرة من العمر، والذين ربما تصل أعدادهم إلى مليون نسمة. وحذر دبلوماسيون غربيون ومسؤولون حكوميون من أن بعض الأحزاب الكبرى، خاصة المجلس الاعلى الإسلامي العراقي، شيعي، والحزب الإسلامي العراقي، سني، ربما يفضلان تأجيل الانتخابات. ويرى هؤلاء المسؤولون أن الحزب الشيعي يخشى من فقدان مقاعد داخل المجالس التي يسيطر عليها بجنوب العراق، بينما واجه الحزب السني تحديا لهيمنته داخل وسط البلاد من جانب القبائل وقوات «الصحوة» التي ثارت ضد «القاعدة» في العراق. أما الأكراد فلهم أسباب خاصة بهم تدعوهم أيضاً للعمل على إرجاء الانتخابات. يذكر أنه داخل محافظة نينوى، تسيطر كتلتهم على محافظة ينتمي غالبية سكانها إلى العرب السنة. من ناحيته، نوه أحد الدبلوماسيين الغربيين إلى غياب عدد من المسؤولين البارزين باعتبار ذلك مؤشرا على عدم الاكتراث، مثل طارق هاشمي، نائب رئيس الجمهورية وأبرز مسؤول سني بالبلاد والذي يغيب عن البلاد لإجراء جراحة صغيرة في تركيا. وأيضاً، الرئيس الكردي جلال طلباني الذي توجه إلى الولايات المتحدة لإجراء جراحة في الركبة. على الجانب الآخر، ينفي المجلس الإسلامي العراقي الأعلى والحزب الإسلامي العراقي والأكراد محاولتهم تعطيل تمرير قانون الانتخابات. وصرح الشيخ جلال الدين الصغير ، أحد الأعضاء البارزين بالمجلس الاعلى «نحن لا نرغب في وجود أزمة بالبلاد». أما عبد الكريم السامرائي، عضو البرلمان عن الحزب الإسلامي فقال «حال إرجاء الانتخابات سنخسر».

* خاص بـ«الشرق الأوسط» ـ خدمة لوس أنجليس تايمز