بن عيسى يدعو إلى تشكيل لجنة لبلورة اقتراح ملك المغرب بشأن «الفضاء» الحضاري

لإجراء دراسة معمقة ومسح شامل له

محمد بن عيسى أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة يتوسط ميغيل انخل موراتينوس وزير خارجية اسبانيا وانريكي ايغليسياس رئيس الأمانة الدائمة الإيبيرو ـ أميركية، ووزير خارجية الباراغواي السابق في أصيلة («الشرق الأوسط»)
TT

اقترح محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي السابق، تكوين نواة خلية، تعكف على بلورة الاقتراح الذي ورد في رسالة العاهل المغربي، الملك محمد السادس، الموجهة إلى ندوة «تحالف الحضارات في الفضاء العربي الأفريقي الايبيرو ـ لاتينو ـ اميركي»، المدرجة ضمن فعاليات الدورة الثلاثين لموسم أصيلة الثقافي الدولي، حيث دعا الملك محمد السادس، فعاليات منتدى أصيلة للانكباب على إنجاز دراسة معمقة وإجراء مسح شامل للفضاء الحضاري العربي الأفريقي والإيبيرو ـ لاتينو ـ أميركي، بمختلف عناصره.

وذكر بن عيسى الفكرة، في معرض تعقيبه على الجلسة الأولى، من جلسات الندوة التي انطلقت مساء أول من أمس، وترأسها ميغل أنخل موراتينوس، وزير الخارجية الإسباني، حيث تم في البداية، الاستماع ومشاهدة الخطاب المسجل، الذي بعث به خصيصا للندوة جورجي سامبايو، الرئيس البرتغالي السابق، وممثل الأمين العام الأممي المكلف تفعيل مبادرة تحالف الحضارات، والذي وصف أصيلة بكونها أصبحت، من خلال الندوة الحالية وتلك التي سبقتها في نفس الموضوع، أرضية للحوار، وشبهها بالحاضرة الأسطورية، مشيرا إلى أن الحضارة البشرية قد تشهد أزمات خطيرة في المستقبل، إذا لم يتم تلافيها بإجراءات وقائية من قبيل الدعوة إلى تحالف الحضارات، الذي يسعى إلى إشاعة ثقافة وقيم الحوار والاحترام المتبادل وعدم استعلاء حضارة على أخرى، مثلما يحرص على رفض نهج التطرف. ووصف سامبايو، الذي كان يتحدث بلغة فرنسية سليمة وأنيقة، الفضاء المتوسطي بأنه شكل في الماضي بوتقة الحضارات واستدامة التحاور، مشيرا الى ان أصيلة جزء منه، ولذلك برمجت في مواسمها الماضية فعاليات رائدة عن تحالف الثقافات وحوارها كمظهر من مظاهر تحالف الحضارات، حيث تم التركيز على فضائل احترام التعدد والتنوع الثقافي والحكم الرشيد. ودارت مداخلات الجلسة الأولى التي امتدت حوالي ثلاث ساعات، بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، حول المحور الأول المتعلق بالبرامج التعليمية وتأثيرها في تحالف الحضارات، على اعتبار أن التربية بمفهومها الشامل في البيت والمدرسة، تعد من بين الركائز الأساسية لفلسفة تحالف الحضارات، فالأسرة والمدرسة هما المؤسستان اللتان تطبعان سلوك الأفراد وتكيفان وجدانهم وأسلوب عرض الأفكار والأحكام لديهم.

وفي هذا الصدد، أشار موراتينوس إلى أن المجموعة الرفيعة المستوى لتحالف الحضارات، اجتمعت العام الماضي، واتفقت على أن التربية هي القاعدة الأساسية للمبادرة. وضمنت المجموعة هذا المبدأ في تقريرها المرفوع إلى الأمين العام للأمم المتحدة، حيث تم النص على أن التربية ركيزة التحاور بين الثقافات، وهو المبدأ الذي تبنته دول الاتحاد الأوروبي، والمتجلي ضمن برامج من قبيل «إيراسموس»، وهو برنامج جامعي يهدف إلى توحيد أنظمة الدراسة والتكوين بين الجامعات الأوروبية، بشكل يتيح لأي طالب الانتساب إلى جامعة في دولة ثم إكمال دراسته إذا شاء في إحدى الكليات والمدارس العليا التابعة للمنظومة الجامعية في بلد أوروبي آخر. وانتقل «إيراسموس» في صورة أخرى إلى أميركا الجنوبية، حيث تبلور ما يطلق عليه برنامج «بابلو نيرودا» على اسم شاعر التشيلي الكبير، الفائز بجائزة نوبل للآداب، والذي يسعى من بين مقاصده إلى تمكين شباب القارة الأميركية الجنوبية، من الثقافة ليصبحوا مواطنين عالميين. وأضاف رئيس الدبلوماسية الأسبانية، وهو ضيف معتاد على مواسم أصيلة الثقافية، أن البرنامج الأوروبي الجامعي، يشمل حيزا مخصصا لطلبة بلدان المغرب العربي، داعيا الدول إلى تحسين منهجيات التعليم المطبقة عندها، مبرزا أن بلاده إسبانيا أدمجت تلك المبادئ ضمن خطتها القومية الخاصة بالتربية والتعليم. ويرى إنريكي إيغليسياس، رئيس الأمانة الدائمة الإيبيرو ـ أميركية، ووزير خارجية باراغواي السابق، أن مبادرة تحالف الحضارات ستأخذ وقتا طويلا، ولا يمكن أن تنهض بها سوى الأمم المتحدة، مؤكدا أن الأسرة والمدرسة هما عمادا المبادرة، ولذلك دعا إلى اعتماد منهجيات دراسية جديدة مقارنة في دراسة الحضارات، معترفا أن ذلك ليس بالأمر السهل، متسائلا كيف يمكن كتابة تاريخ بلدان من وجهة نظر الغير، ثم من هو ذلك الغير الذي علينا احترامه في جميع الأحوال، مسجلا الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه وسائل الاتصال الحديثة من قبيل الانترنت والرياضة. وشاطرت باولا مارسيلا مورينو ثاباتا، وزير الثقافة الكولومبية، إيغليسياس، نفس الإحساس بصعوبة استنباط المنهجيات الدراسية المتوافقة مع توجهات مبادرة تحالف الحضارات، ومن وجهة نظر الوزيرة، يجب إشراك كل الأطراف الاجتماعية المساهمة والمعنية بهذا البناء التاريخي، مما يعزز الذاكرة المشتركة، مشددة القول على أن التربية شاهد على انبثاق ما سمته المتدخلة «الوعي اليقظ»، مشيرة إلى أن كثيرا من عناصر الحضارة العربية الأفريقية، انتقلت إلى دول أميركا الجنوبية حيث استقرت وانصهرت في الحضارات المحلية.

وتساءل جواو غوميش كراينو، وزير الدولة البرتغالي في الخارجية، عما إذا كانت الدول المساندة لتحالف الحضارات وعددها حوالي التسعين، جاهزة ومستعدة للتعامل مع متطلبات تحالف الحضارات، ملاحظا أن إنجاز مهمات الحوار والتعددية الثقافية يجب أن تتولاها الحكومات، ذلك أن الحكم السديد ينبني على التنوع الثقافي، مبرزا أنه «أمامنا تحدٍّ سياسي واقتصادي كبير يتمثل في ضمان التنمية المستدامة، إضافة إلى معضلات أخرى مثل التغيرات المناخية»، معربا عن مشاطرته الرأي القائل إن المسألة التربوية في صميم مبادرة تحالف الحضارات، والتي قال إنها جاءت في وقتها.

واعتبر أحمد أنيس، الرئيس بالنيابة لجامعة رفاح الدولية (باكستان)، أن التربية مجال يصعب فيه الوصول إلى إجماع، لكنه أقر بوجود قواسم مشتركة مثل قناعة الجميع بأن التربية هي مفتاح النجاح في الحياة ووسيلة لترسيخ القيم الإنسانية، مبدياً ملاحظة بخصوص طرق ومنهجيات التعليم المتباينة من نظام إلى آخر، حيث يوجد اتجاهان تربويان؛ أحدهما يرى أن دور المدرسة ينحصر في تلقين المهارات وليس القيم كما يرى الاتجاه الثاني.

وانتقد فكتور بورجيس، وزير الخارجية السابق لجمهورية الرأس الأخضر، وسائل الإعلام، لقاء استغلالها الدعوات إلى التحالف والتحاور بين الحضارات، كونها لا تبرز إلا صوت الأقوى، مشيرا إلى أن الحوار ساد منذ القديم، وما بلاده إلى نتاج انصهار وذوبان واختلاط أجناس وثقافات في بعضها بعضا، مشيرا إلى ان الأنظمة التربوية الحديثة باتت تركز على قضايا حديثة مثل البيئة، دون أن تستوعبها بنفس القدر سائر المجتمعات، ولذلك فإن تحالف الحضارات يتطلب من وجهة نظره تدريباً على ترسيخ المفاهيم والقيم الجديدة، معترفا أن النصر في هذه المعركة ليس مضمونا. واشار إلى الفرق في تعريف التربية ومعناه، في اللغة الإنجليزية «التمدرس»، بينما معناها في اللاتينية ترسيخ القيم، متسائلا عمن يتولى هذا الدور: المدرسة التقليدية أم تلك المعتمدة على التكنولوجيا الحديثة، وبالتالي كيف يمكن إحداث تغييرات في سلوك الأفراد لانخراطهم في مشروع جماعي مثل تحالف الحضارات وتوقف ممثل حكومة الأندلس (إسبانيا) غاسبار ثارياس، عند البعد المتوسطي في مشروع تحالف الحضارات، مشيرا إلى أن إسبانيا وتركيا صاحبتي المبادرة، بلدان متوسطيان، مثلما هو المغرب القريب من الأولى لكن هذا الطابع المتوسطي، لا يلغي أو يقلل من النظرة نحو الأفاق البعيدة في أميركا اللاتينية، مؤكدا على الطرح المتعدد الأطراف في التعاون الدولي الذي هو أساس المبادرة.

وتطرقت زينب هوابنغورا، وزيرة خارجية سيراليون، إلى بعض العوائق التي تحول دون انتشار مبادرة تحالف الحضارات من قبيل الحروب والصراعات الأهلية مثل التي شهدتها بلادها لمدة 12 سنة. وتساءلت كيف يمكن إشراك جميع الأقليات وتمكينها من الانتفاع من الموارد الوطنية ما دامت الفئة الماسكة بالسلطة مستفردة، مضيفة أن المرأة على الرغم من نمو عدد النساء، تبقى ضعيفة المشاركة في القرار السياسي، كما أن عدم التوازن مستشرٍ بين الشرائح الاجتماعية في بعض البلدان، إلى جانب إقصاء الشباب.

وتساءل نبيل عمرو، الوزير السابق، وسفير دولة فلسطين في القاهرة، كيف يمكن لتحالف الحضارات أن يقوم، ومكون من مكوناته معرض للاندثار، في إشارة إلى وطنه فلسطين، التي ستظل عائقا كبيرا في طريق أي تحالف منشود لتحالف الحضارات، ما لم يوجد حل لها، مضيفا أنه إذا انتهى الصراع على أساس حل عادل، فلا مانع عند الفلسطينيين من التحالف مع إسرائيل، نرسل عمالا إليها ونستقبل ضيوفا قادمين منها، مبرزا أن القضية الفلسطينية، تقف وراء الكثير من أزمات القرن الحالي.

وقال عمرو، متحدثا كفلسطيني، إن حجج الإسلام السياسي، مجمعة بالمطلق على إنهاء تحالف الحضارات. ودعا إلى إنهاء معاناةٍ دامت أكثر من 60 عاماً، معترفا بالمساعدات التي تقدمها أوروبا لشعبه حينما يكون مهددا، لكنه ألح على ضرورة غلق الأبواب التي تنتج العناصر والأسباب السلبية المعرقلة لتحالف الحضارات.

من جهته، قال جاك لانغ، وزير الثقافة الفرنسي الأسبق، والقيادي في الحزب الاشتراكي، إن المداولات الجارية بخصوص تحالف الحضارات، «تظهر أننا نعيش ظرفا معقدا وعصيبا»، رافضا أن يتم ما سماه «تسطيح الإنسانية» لمستواها الأدنى، على يد من وصفهم الأقوياء في هذا العالم، الذين مارسوا الاستعمار بكافة أشكاله.

وأعرب لانغ عن مساندته لحقوق الفلسطينيين الذين قال إنهم لا يعيشون في دولة، مستغربا كيف توجد حكومات لا تعترف بحقوق الشعوب الأخرى، موضحا أنه لا يقصد الحكومة الأميركية بل جهات أخرى أيضا، مضيفا أن الأولى (أميركا) كان يمكنها أن تمضي قدما في نهج سياسة ترسيخ الديمقراطية بدل ما سماه «سياسة الحرب والخداع»، داعيا في ختام مداخلته الوجيزة إلى تمكين الشباب من اكتشاف الجمال في العالم، ورفض الاستعمار والهيمنة.

وطالب ابراهيم عويس، الأستاذ بجامعة جورج تاون الاميركية، الذي واظب على حضور مواسم أصيلة منذ انطلاقها، ولم يتخلف إلا موسمين، بإدماج مادة تحالف الحضارات ضمن البرامج التعليمية، مبرزا أن بناء تحالف الحضارات يتطلب إنجازه وقتا وعبر مراحل.

وعبر حسن نافعة، أمين عام منتدى الفكر العربي (عمان)، وكان آخر متدخل، عن خلافه مع بعض المفاهيم السائدة بخصوص تحالف الحضارات، الذي قال عنه إنه مفهوم غير دقيق، موضحا أن البشرية تعيش حضارة إنسانية واحدة، توجد ضمنها آلاف الثقافات، مشددا القول إنه يستحيل العيش ضمن تحالف الحضارات في عالم شديد الانقسام، مسجلا أن الدعوة ليست جديدة بل سبقت إليها منظمة اليونسكو التي تسعى إلى نشر قيم السلام عن طريق الثقافة والتربية، والفرق الحاصل أنه بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ظهر خطاب سياسي جديد. ولخص المشكل في كون النظام العالمي غير عادل، مستنتجاً ضرورة إيجاد حلول لمعضلات كبيرة بينها الفقر.