بوش: التباين طفيف مع المالكي حول خفض القوات الأميركية بالعراق

أشاد في مقابلة تنشرها«الشرق الأوسط» بدور الصين في دفع كوريا الشمالية للتخلي عن السلاح النووي

بوش خلال الحوار في طائرته («واشنطن بوست»)
TT

قال الرئيس الاميركي جورج بوش إنه يرى تباينا طفيفا بين وجهة نظره ووجهة نظر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بشأن كيفية خفض عدد القوات الأميركية في العراق، مستبعدا خطة السيناتور باراك أوباما بسحب القوات الأميركية في خلال 16 شهرا والتي كان قد امتدحها رئيس الوزراء المالكي في وقت سابق. وقال بوش في مقابلة مع الواشنطن بوست في بداية رحلته إلى آسيا: «إنني أتحدث إليه في جميع الأوقات، وليس ذلك ما سمعته. لقد سمعت رجلا يرغب في العمل مع الولايات المتحدة لإيجاد طريقة مناسبة لسحب القوات الأميركية بناء على الوضع الراهن، وهذا كل ما في الأمر».

وقد بدا أن بوش كان يرغب في تحجيم تعليقات المالكي التي وردت في مجلة ألمانية والتي بدا أنها تشجع جهود أوباما لسحب القوات الأميركية خلال 16 شهرا. وقد أفاد المالكي لصحيفة دير شبيغل الألمانية في الشهر الماضي بأن خطة أوباما لسحب القوات الأميركية تبدو معقولة، كما أفاد المتحدث الرسمي باسم حكومته أن العراقيين يأملون في أن تنسحب القوات الأميركية بحلول عام 2010. وقال بوش إنه لم ير مقابلة المالكي مع المجلة الألمانية لكنه أفاد بأنه مازال يعتقد أن المالكي لا يرغب في جدول زمني محدد لانسحاب القوات الأميركية من العراق. وفي المحادثات التي جرت بينهما، أفاد بوش بأن المالكي «يفهم الحاجة إلى تحقيق الأهداف الطموحة والتأكد من الأوضاع على الأرض لتحقيق هذه الأهداف».

واضاف بوش انه مازال «يأمل في الوصول إلى حل وسط» مع حكومة بغداد حول الإطار الزمني للاتفاق. وقد كان الجانبان يناقشان هذا الاتفاق لعدة أشهر وكانا يأملان في التوصل إلى اتفاق نهائي بحلول شهر يوليو (تموز) الماضي.

واستبعد بوش فكرة أنه ربما يكون المناسب ترك هذه الأمور للرئيس المقبل مثلما يعتقد العديد من الديمقراطيين في الكونغرس، وقال: «يمكن لأي رئيس أن يتخذ القرار الذي يراه مناسبا بشأن القوات. ويمكن ذلك لأي رئيس وزراء في العراق.. أن يقرر أن وجودنا ليس ضروريا».

كما أفاد أيضا بأن الاتفاق النهائي لن يشكل اتفاقية رسمية تحتاج إلى تصديقها من قبل مجلس الشيوخ. وقال بوش: «أعتقد أنك سوف ترى أن هذه الاتفاقية يجب أن تكون مقبولة من كلا الطرفين. وبمعنى آخر، فإنها سوف تكون عبارة عن شيء يحتاج إلى تحليل مستمر وتحديث مستمر. أي أنها ليست اتفاقية بالمعنى المعتاد».

ومع انخفاض حدة العنف في العراق، كان بوش يشير في الأسابيع القليلة الماضية إلى أنه سوف يأمر بسحب المزيد من القوات هذا الخريف وأنه وافق لأول مرة على تحديد «أفق زمني» مع بغداد لاستعادة الأمن. لكن هذه الإدارة كانت تكافح من أجل التفريق بين مثل هذا «الأفق الزمني» وجدول الانسحاب الذي يطالب به أوباما والديمقراطيون. وشرح بوش في المقابلة: «أن الجداول الزمنية التي اقترحها البعض في الكونغرس كانت قائمة على السياسة وليس الأوضاع على الأرض. وهذا ما كنت أرفضه».

وجاء الحديث مع بوش وهو في طريقه إلى جولته الآسيوية التي تستغرق سبعة أيام يزور خلالها كوريا الجنوبية وتايلاند والصين. وقد توقف بوش يوم الاثنين في قاعدة إيلسون الجوية في ألاسكا قبل مغادرته يوم الثلاثاء. وفي تقرير نشر الأسبوع الماضي، توصل النائب العام الاميركي في وزارة العدل إلى أن مسؤولين كبارا في الوزارة قد انتهكوا القانون ووضعوا اعتبارات سياسية عند مراقبة المتقدمين من أجل الحصول على وظائف خدمة أهلية. وقد وصف بوش التقرير بأنه «شامل تماما ومنطقي» لكنه رفض التعليق أكثر من ذلك. كما رفض الانجرار إلى مناقشة ما إذا كان هناك «الكثير من السياسة» في عمليات التوظيف التي تقوم بها ادارته مثلما يدعي الديمقراطيون وغيرهم. وقال بوش: «هناك العديد من الوظائف في الإدارة وقد قرأت عن النقد. واستمعت جيدا إلى ما قالوه وفي ما يتعلق بغير ذلك فإنه ليس لدي أي تعليق».

وقبل ثلاثة أيام من وصوله إلى بكين لحضور حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في بكين، قدم الرئيس بوش تقديرا متناقضا حول دور الصين في العالم، حيث امتدح جهودها الرامية إلى كبح جماح طموحات كوريا الشمالية وإيران في امتلاك أسلحة نووية، لكنه عبر عن خيبة أمله في دروها في محادثات التجارة العالمية وقال «إنه من الصعب حقا أن نخبر» بما إذا كانت حقوق الإنسان قد تحسنت في الصين خلال الأعوام الثمانية الأخيرة. وأفاد بوش بأنه تحدث إلى الرئيس الصيني هيو جينتاو بشأن حقوق الإنسان لاسيما الحرية الدينية وأنه حث الرئيس الصيني على رفع الحظر المفروض على بناء الكنائس. وقال بوش: «لقد كان هدفي الأساسي في مناقشة الحرية الدينية هو أن أذكر هذا الجيل الجديد من القادة بأنه لا ينبغي الخوف من الدين بل يجب الترحيب به في المجتمع». وعندما سئل بوش عما إذا كان يعتقد أنه قد أثر على الرئيس الصيني، أجاب بقوله: «نعم أعتقد أن قد استمع إلي تماما. وأعتقد أنه اهتم بحديثي... فهو يستوعب ما أقوله ويدرسه وينصت إليه تماما».

وقال بوش إن على الصين بذل المزيد من أجل الضغط على الحكومات القمعية في بورما والسودان التي يعتقد أن الصين تحصل على المواد الخام من هناك لتمويل الاقتصاد الصيني المزدهر. لكن بوش رفض التعليق المباشر على سؤال حول الهواجس الأمنية قبل بدء دورة الألعاب الأولمبية لدى السلطات الصينية، وقال: «إنهم يشعرون بحساسية كبيرة تجاه احتمال وقوع هجمات إرهابية. وأنا آمل بالطبع ان يقوموا بعملهم على أحسن وجه وإذا كان هناك انتهاك للقانون فإنني آمل أن يتم علاج ذلك بطريقة مسؤولة ودون اللجوء إلى العنف».

وتحدث بوش كذلك عن كيفية قياس مدى انفتاح المجتمع الصيني على الحريات في الوقت الراهن وقال: «أعني أنه مجتمع مغلق في العديد من النواحي. وتقدم الإنترنت فرصة كبيرة للأفراد من أجل التعبير عن أنفسهم. وفي بعض الأوقات يكون المجتمع منفتحا وفي بعضها الآخر توجد بعض القيود على الإنترنت. وقد تحدثت إلى المتدينين الذين يذهبون إلى هناك وقد أخبروني بصعوبة حدوث تقدم على صعيد الحريات هناك».

وفي المقابلة التي أجريت معه في مكتبه الخاص على متن طائرة الرئاسة، أكد بوش على أنه «من الأهمية بمكان أن نشترك مع الصينيين» وهو تعليق مدهش لرئيس تولى الرئاسة مع تصوير مساعديه للصين على أنها «منافس استراتيجي». وحتى المنتقدون للرئيس يقولون إنه أظهر دبلوماسية غير متوقعة مع الصين. وهذه هي الزيارة الرابعة له خلال فترة رئاسته حيث لم يقم رئيس أميركي قبله بزيارة الصين أكثر من مرة. وخلال فترة رئاسته، تحدث بوش خلال أيامه الأولى في منصب الرئاسة عن ضمانه الدفاع عن تايوان، لكنه حذر الجزيرة من إعلان استقلالها وقام بعمل ما ينظر إليه الخبراء على أنه تجميد لمبيعات الأسلحة إلى تايوان. وبعد إغضاب الصين بإعلانه عن أن كوريا الشمالية تشكل جزءا من «محور الشر» قاد بوش مبادرة دبلوماسية تهدف إلى تخفيف حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية. وبينما ينتقد الصين لسجلها في حقوق الإنسان، إلا أنه لم يهدد السلطات في بكين. وأفاد بوش ومساعدوه بأن سياسته قد آتت ثمارها: فالولايات المتحدة قد حصلت على مساعدة الصين في الشأن الكوري والإيراني مع تجنبها تفجير الوضع في تايوان، وذلك على الرغم من المشاعر العدائية وسباق التسلح بين البلدين.

ويفيد الخبراء كذلك بأنهم مسرورون لسماح الصين في السنوات الأخيرة برفع قيمة عملتها مما يجعل الصادرات الأميركية للصين أرخص من قبل. وقال بوش بأنه يشعر ببعض القلق في ما يتعلق ببعض الأمور الاقتصادية مع الصين، حيث أفاد بأنه يبدو أن الصينيين يتراجعون عن وعودهم بفتح أسواقهم والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. وقد اتسمت سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين بالبراغماتية حيث كان هناك حوار اقتصادي كبير مع الصين مع إعلان نائب وزير الخارجية الأسبق روبرت زوليك أن الصين قد أصبحت «شريكا مسؤولا» في النظام العالمي.

ويبد أن خطر الإرهاب قد ساعد على تحويل صورة الصين في نظر الإدارة الأميركية، من معارض محتمل إلى شريك محتمل في التعامل مع ملفات كوريا الشمالية وإيران. كما فازت الصين أيضا ببعض النقاط من خلال إقرار الإدارة الأميركية على الأوضاع في العراق. وفي اجتماعه مع وزير الخارجية الأسبق كولن باول أثناء الإعداد للحرب، أفاد وزير الخارجية الصيني تانغ جيازوان بأنه على الرغم من أن الصين تعارض الاحتلال إلا أنه لن تقوض جهود الولايات المتحدة في العراق. ويشير الخبراء السابقون والحاليون إلى أن بوش تولى منصب الرئاسة وهو يحمل صورة واضحة للصين نتيجة علاقاته الأسرية التي ترجع إلى والده الذي كان يعمل كمبعوث للولايات المتحدة في الصين أوائل السبعينات من القرن الماضي. وقد قضى بوش وقتا طويلا في زيارة والديه هناك عام 1975. وفي مذكراته التي نشرت أخيرا، يتذكر بوش الأب أنه كان يلعب التنس مع ابنه في بكين وكيف أن طبيب الأسنان الصيني قد قام بعلاج أسنان بوش الصغير في مقابل 60 سنتا. وقد كان القادة الصينيون حريصين على استغلال هذه العلاقات الأسرية. وبعد أن فاز جورج دبليو بوش بالرئاسة، أرسلت الصين يانغ جيشي إلى واشنطن كسفير لها. ويشغل يانغ الآن منصب وزير الخارجية وقد عمل كمترجم لوالد بوش في جولة عام 1977 في الصين وكان يدعى باسم «تايغر» من قبل أسرة بوش. وقد سعى بوش كذلك إلى استغلال دبلوماسيته الشخصية في الحصول على مساعدة الصين في تخلي كوريا الشمالية عن برنامجها النووي. وفي بداية فترة رئاسته، دعا بوش الرئيس في ذلك الوقت جيانغ زيمين إلى مزرعته في تكساس وضغط عليه بشأن كوريا الشمالية، وفقا لما قاله مسؤولون رفيعو المستوى. وعندما قال جيانغ إن كوريا الشمالية تمثل مشكلة للولايات المتحدة، حذره بوش من أنه إذا أرادت كوريا الشمالية حيازة سلاح نووي، فقد تفعل اليابان ذلك أيضا، وهذا ليس في صالح الصين.

وبعد عدة أعوام، في مأدبة أعدت من أجل هيو في البيت الأبيض، أصر بوش على أن يجلس إلى جوار الزعيم الصيني بدلا من زوجته، كما تقتضي قواعد البروتوكول. وهذا سمح بحوار أكثر هدوءا، حاول فيه بوش أن يؤكد للزعيم الصيني أنه يرغب في توقيع اتفاقية مع كوريا الشمالية، ولكنه يحتاج إلى مساعدة هيو.

وفي عام 2006، عندما وردت للولايات المتحدة معلومات بان كوريا الشمالية على وشك إجراء اختبار نووي، أمر بوش استخباراته بأن تطلع الصينيين عليها. وبعد الاختبار، كان أول اتصال هاتفي أجراه بوش مع هيو. ووفقا لما قاله مسؤول رفيع المستوى في الإدارة، تحداه بوش قائلا: «لقد أجروا الاختبار. ولم يتحدوا فقط الولايات المتحدة، بل تحدوكم أنتم أيضا».

ويؤكد مسؤولون أميركيون أن قدرة بوش على إدخال الصين في الأمر كان سببا رئيسا في التقدم الأخير الذي تم الوصول إليه مع كوريا الشمالية، حيث قدمت الدولة الشيوعية بيانا مفصلا حول برنامجها النووي حتى يتم رفعها من القائمة الأميركية للدول راعية الإرهاب. وقال خبراء آخرون إن السبب الوحيد وراء هذا الاتفاق هو رغبة بوش في تهدئة العلاقات مع بيونغ يانغ.

وبسؤاله عما يعتقده بشأن تخلي كوريا عن سلاحها النووي، أجاب بوش: «سوف نرى هذا. ولكني أعرف أن هناك سببا يجعل الأمر الأكثر احتمالا هو أن يفعلوا ذلك. ليس فقط بسبب تدخل الولايات المتحدة، ولكن الصين تدخلت معنا في الأمر أيضا».

* خدمة واشنطن بوست ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»