أصيلة: ندوة «تحالف الحضارات» تدعو إلى صون الحضارات في عصر العولمة

المشاركون فيها وجهوا برقية شكر للعاهل المغربي على رسالته إليهم

جمهور ندوة أصيلة يستمعون الى شهادة مسجلة لرئيس البرتغال السابق جورجي سامبايو، وممثل الأمين العام الأممي المكلف تفعيل مبادرة تحالف الحضارات («الشرق الأوسط»)
TT

وجّه المشاركون في ندوة «تحالف الحضارات في الفضاء المشرقي الأفريقي ـ الأيبيري ـ لاتينو ـ أميركي»، التي نظمتها جامعة المعتمد بن عباد الصيفية، في إطار الدورة الثلاثين لموسم أصيلة الثقافي الدولي، واختتمت أشغالها الليلة قبل الماضية، برقية إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، تضمنت «مشاعر الشكر والعرفان»، وذلك جواباً عن الرسالة الملكية الموجهة إلى الندوة. وأكد المشاركون في برقيتهم، توقفهم أمام ما عبرت عنه الرسالة الملكية، بشأن «أن يظل هدفنا الجماعي هو إثبات مواطنة كونية ونظام عالمي متعدد الأطراف، يجعل من العالم قرية للإنسانية جمعاء، تسودها قيم الإخاء والمساواة والديمقراطية والتنمية المشتركة والتضامن الإنساني لمواجهة خصوم الإنسانية كافة». وأضاف المشاركون في برقيتهم «في تقديرنا فإنه يصعب العثور على كلمات للتعبير عن الهم الإنساني المشترك، الذي يشغل الآن كل الداعين إلى تحالف الحضارات، ليس فقط، في الفضاء المشرقي الأفريقي ـ الأيبيري ـ لاتينو ـ أميركي، وإنما في كل الفضاءات الحضارية»، كما نقلت البرقية «سعادة الجميع بانعقاد هذه الندوة في رحاب المملكة المغربية، تلك الدولة العريقة والمؤهلة طبيعياً، بحكم موقعها الجغرافي وتاريخها العريق، لكي تصبح همزة وصل وتواصل بين الحضارات، كما سعدنا أكثر بأن تنظمها وتستضيفها مدينة أصيلة ومؤسستها الثقافية الأصيلة».

وأكدت البرقية على أن الندوة «جرت في جو مفعم بالود والأمل والرجاء»، حيث «أبدى جميع المشاركين حماسة بالغة بالدعوة التي وجهتها جلالتكم لمؤسسة منتدى أصيلة من أجل إنجاز دراسة معمقة وإجراء مسح شامل للفضاء المشرقي الأفريقي ـ الأيبيري ـ لاتينو ـ أميركي بمختلف عناصره ومكوناته».

ويعتقد المشاركون أن هذا هو بالفعل النهج الأمثل والمنطلق الحقيقي لخلق مناخ علمي كفيل بإقامة حوار على أسس موضوعية»، وختم المشاركون برقيتهم بالتأكيد على «وضع جميع إمكاناتهم العلمية والفنية تحت تصرف منتدى أصيلة من أجل إنجاز هذا المشروع المهم على أكمل وجه ممكن».

وجاءت تدخلات المشاركين، في اليوم الثالث والأخير من الندوة، وفية لمضمون ومستوى النقاش، الذي ميز أشغال برنامجها. وقدم فيكتور مانويل باربوسا بورجس وزير الخارجية والتعاون والجاليات السابق في جمهورية الرأس الأخضر، الذي ترأس الجلسة، مقدمة مفعمة ببعض الأفكار من باب فتح النقاش، مركزاً على دور الأمم المتحدة، وأهمية إصلاحها، رابطاً بين الإصلاح وتحالف الحضارات، ثم بين تحالف الحضارات وتحقيق التنمية المستدامة في أفريقيا وأميركا اللاتينية والمشرق، ملاحظا أن «بعض أطراف المجتمع الدولي يستعملون خطاب الحكم السديد، غير أن الخطاب شكل والتطبيق شكل آخر»، مشيراً إلى أن «الخطاب لا يجسد في العلاقات الدولية»، ورأى أننا «مضطرون للعودة إلى الحلم، حيث القانون يجب أن يكون أقوى من القوة السياسية والاقتصادية، وبالتالي يجب على قوة القانون أن تكون أقوى من قانون القوة». وبصدد إصلاح الأمم المتحدة، رأى أن «علينا أن نعود إلى الحلم الديمقراطي لنبحث عن الحلول المناسبة».

وبعد أن أعاد طرح سؤال «هل يمكن أن يكون هناك تحالف بين الحضارات؟»، قال «إننا نحدد ذاتيتنا من خلال قيمنا، لذلك نضع الثقافة في ظل العلاقات الدولية»، متحدثاً عن أمرين متناقضين، الأول هو «أن العصرنة تتميز بتزايد العلاقات الثقافية والسياسية تعقيداً، وفي نفس الآن نشاهد رد فعل معاكس يطرح بشكل مبسط». وبعد أن فرق بين الخصوصية والاختلافات، مع تركيز على الأمور الظاهرة، مثل الأزياء ولون البشرة، طرح وزير خارجية الرأس الأخضر السابق، سؤالا بصدد تحالف الحضارات، ولماذا نعتبره مهما، داعياً إلى ضرورة تخطي حدود الظاهر في سبيل التركيز على الجوهر، لأن من شأن ذلك أن يعود بنا إلى جوهر الأمم المتحدة، وبالتالي فإن «نجاح الحوار يمكن أن يقاس بدرجة تخفيض الأمور الظاهرة الموجودة في مواصفات مختلف الذاتيات».

وقدم سيبستيان كاربخال، الذي عـرّف نفسه بأنه  «فنان ونحات يعنيه أمر الفنون التشكيلية»، يحرص على أن يترك «لهجة فنية خاصة به، تكون كفيلة بنقل ما يود التعبير عنه من أفكار»، عرضاً فنياً، جاء عبارة عن نموذج فني على شكل منحوتة قابلة للتحول إلى أشكال مختلفة، حيث الهيكل ثابت والأشكال تتغير وتختلف باختلاف ترتيب العناصر المكونة له، الشيء الذي جعله يلح، في نهاية مداخلته، على الخصوصيات الثقافية لكل بلد.

وعرض رفاييل غروسو، مدير عام التنسيق السياسي في وزارة الخارجية الأرجنتينية، التجربة الخاصة لبلده، في ما يتعلق بتحالف الحضارات. وبعد أن وصف بلاده بأنها «سفينة الذين قصدوا شواطئ الأرجنتين»، قدم وصفا للتنوع الإثني الكبير الذي تعرفه، من جهة الوجود العربي واليهودي والإسباني والبرتغالي والإيطالي المكثف. وبعد أن توسع في تناول مفهوم التعدد الثقافي والحاجة إلى الحوار وعدم التفرقة وإلى تنسيق الجهود، دعا إلى «ضرورة ربط تحالف الحضارات بأوضاع المرأة»، وختم بالقول إن «التربية تبقى مجالاً بالغ الأهمية في إطار كل نقاش بصدد تحالف الحضارات».

وذهب ألفارو دي فاسكونسولس مدير معهد الدراسات الأمنية للاتحاد الأوروبي، إلى أن «بعض المواضيع يمكن أن نتناولها كجزء من النقاش بصدد تحالف الحضارات وليس كجوهر»، ثم تحدث عن تحديين يتعين أخذهما بعين الاعتبار، أولهما «الذاتيات القاتلة»، التي مثل لها بما يحدث في دارفور، و«من يقتل بحجة ذاتية معينة»، ممثلا لذلك بظهور القوميات في البلقان، وثانيهما «التصورات السلبية التي نشأت في العالم الغربي، بتبني تصورات متطرفة».

وبعد أن لاحظ أن «نظرية هنيغنتون وفرت مشروعية نظرية لبعض الأفكار الغربية»، تساءل عن الكيفية التي يمكن بها أن نقف في وجه هذا التوجه، قبل أن يطرح سؤال «كيف نتحدث عن تحالف الحضارات، ونقبل بما يجري في دارفور؟»، مشدداً على أنه «لابد من الوقاية من الإبادات الجماعية».

وشدد أحمد ماهر وزير خارجية مصر السابق، على أن «التحالف يقتضي إشراك الشعوب وليس الحكومات»، داعياً الأمم المتحدة إلى «تدليل العقبات»، معلنا أنه لا يفضل مصطلح التسامح، بل «قبول الغير»، وأن المهاجر «ينبغي أن يعد صديقا وشريكا وأخا»، وأن «الحوار يجب أن يشرك الجميع».

وتناول عبد الله ساعف وزير التربية والتعليم المغربي السابق، ومدير الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، في مداخلته، مفاهيم الشرعية الدولية والأمم المتحدة، وإصلاح آليات صنع القرار في علاقة بالقيم الثقافية، ملاحظاً أنه بعد حرب العراق والاعتداءات الإرهابية التي ضربت بعض المدن العالمية «صارت الثقافات تعجز عن التواصل والاحتكاك، الشيء الذي يستدعي عملية طويلة الأمد في إطار العلاقات الدولية».

وحذر ساعف من بعض المخاطر، من قبيل التوجه نحو الشمولية والكونية وفرض الدول الكبرى لأديولوجيتها، متحدثاً، في نفس الوقت، عن الفردية والخصوصية المفرطة، التي تجعل كل واحد يعيش في عالمه، مع ميل لتبرير أنماط السلوك من منظار الخصوصية الضيقة، وهو خطر يهدد تحالف الحضارات. ولاحظ محمدو كروما وزير خارجية سيراليون السابق، أنه «لكي نفهم تحالف الحضارات علينا أن ننظر إلى الآليات الكامنة خلف الذاتيات»، وأن «الحضارات تتغير عبر الزمن»، مشيراً إلى أن «الحضارات لم تتطور بمنأى عن بعضها البعض»، مبرزاًحقيقة أنه «رغم أن لقاء بعض الحضارات ببعضها لم يكن في صيغة تحالف، فإنه أسفر عن نتائج إيجابية، حيث كان هناك تلاقح وتمازج».

وتحدث كروما عن العولمة وانعكاساتها السلبية والإيجابية، مشدداً على أن «تحالف الحضارات يجب أن يتم تناوله في إطار صون الحضارات في عصر العولمة، وذلك حتى يسفر عن نتائج إيجابية»، وأنه «لا معنى للعولمة إذا لم تكن عملية إيجابية، تعمل على خدمة الإنسان وتنميته». ولاحظت مرية غزالي أن «الصراعات تزداد عنفاً، حتى في إطار نفس المجموعات المشكلة لنفس الحضارة الواحدة»، داعية إلى «تسهيل التحاور في أفق استخلاص بعض القواسم المشتركة». وبعد أن حذرت من الوقوع ضحية «الانطوائية الفكرية»، شددت على أن الحضارة مبنية على «المواطنة المشتركة»، ورأت أن «علينا ألا نكثر من طموحاتنا»، وأن نركز على التنمية ودور المرأة وحقوق الطفل والتربية، و«إعادة صياغة مضامين الكتب المدرسية، وخاصة في ما يتعلق بدروس التاريخ»، في العمل السياسي والتاريخ، الذي يجب أن يبقى مهمة المؤرخين»، الشيء الذي يؤكد أن «معرفة الغير تبدأ بمعرفة الذات».

وقدم أوسكار ماوروتوادي رومانيا ممثل منظمة الدول الأميركية، ووزير خارجية البيرو السابق، تعريفاً لمعنى الحضارة، قبل أن يتحدث عن الوجود الإسباني في أميركا اللاتينية، ووجود أكثر من 3000 كلمة عربية الأصل في اللغة الاسبانية، منتهياً إلى أن «التحالف ينبغي ألا يؤدي إلى فقدان الخصوصية والأصالة الخاصة بكل حضارة».

ودعا إبراهيم عويس الأستاذ بجامعة جورج تاون، إلى الخروج بما سماه «إعلان أصيلة» بصدد حوار الحضارات، ولاحظ أن «إصلاح الأمم المتحدة صار حتميا وعاجلا»، مطالباً بـ«إلغاء وصاية الدول الخمس الكبرى»، و«إلغاء الفيتو الذي تستخدمه الولايات المتحدة لصالح إسرائيل»، و«إلغاء هيمنة الولايات المتحدة على هيئة الأمم المتحدة، حتى ولو أدى ذلك إلى نقل مقرها إلى خارج حدودها»، ملاحظاً أن الولايات المتحدة «وضعت على الرف حقوق الإنسان ونحت نحو ما لا يتماشى مع دستورها بحجة أنها في حالة حرب، مع أنها هي من فجر هذه الحرب»، كما تحدث عن «بعض وسائل الإعلام الأميركية التي تدق على نفس طلبة اليمين الانجليكي المتعصب». ولاحظ رافائيل طوجو وزير الخارجية الكيني السابق، أن «العلاقات الدولية تتغير بصفة متسارعة»، وقال «علينا أن نكون على وعي بخصوصياتنا، وأن نفتخر بأدياننا، على ألا يتحول كل ذلك إلى تمييز وتفرقة، لأن من شأن ذلك أن يمنع الأخذ والعطاء والتحاور وكرم الضيافة وقبول الآخر».

وبعد أن أبرز جاك لانغ وزير الثقافة والتواصل الفرنسي السابق، أهمية ما دار في الجلسة الختامية للندوة من نقاشات وآراء، قدم فيكتور مانويل باربوسا بورجس، ملخصاً للمداخلات، مستعيداً أهم الأفكار والنقاط التي تم طرحها وتناولها بالنقاش، مشدداً على «الجهد الذي يتوجب بذله على صعيد حوار الثقافات والحضارات»، مركزاً على «دور الأفراد والشباب والمرأة والمجتمع المدني والحكومات والنظام العالمي»، وأن «المسؤولية ليست خاصة بفاعل واحد ووحيد، بل بفاعلين متعددين».