الجيش يطيح الرئيس الموريتاني ويعتقله مع وزراء بعد محاولته إقالة ضباط كبار

تشكيل مجلس أعلى للدولة برئاسة قائد أركان الرئاسة > المتحدث باسم البرلمانيين المتمردين: الرئيس يدفع ثمن أخطائه

جنود موريتانيون خلال جولة حراسة حول الإذاعة الموريتانية في نواكشوط أمس (ا ف ب)
TT

ساد الهدوء النسبي العاصمة الموريتانية، نواكشوط، بعد اعلان ضباط الجيش الانقلاب على الرئيس الموريتاني، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، ووضعه رهن الاعتقال في ثكنة تابعة للحرس الرئاسي. وقام الضباط العسكريون باعلان تشكيل مجلس عسكري جديد اطلق عليه «المجلس الاعلى للدولة» برئاسة الجنرال محمد ولد عبد العزيز، قائد الاركان الخاصة للرئاسة، الذي رفض قرارا اصدره الرئيس ولد الشيخ عبد الله في وقت سابق أمس بإقالته من منصبه مع اربعة ضباط آخرين، بينهم قائد اركان الجيش. وقام على الفور بإغلاق قصر الرئاسة، وتطويق مبنيي التلفزيون والاذاعة، ومنع بثهما. وافادت انباء ان رئيس الوزراء وعدداً من الوزراء اعتقلوا ايضا. وكان ولد الشيخ عبد الله قد اصدر مرسوماً باقالة اربعة ضباط سامين بالمؤسسة العسكرية بعد خلاف عميق معهم خلال الفترة الماضية. وبعد ساعات من الانقلاب العسكري اصدر الانقلابيون بياناً تلاه وزير الاعلام الموريتاني عبد الله السالم ولد المعلى، اعلن خلاله ان الرئيس المخلوع ولد الشيخ عبد الله لم يعد رئيساً للبلاد، وان تسيير شؤون الحكم سيتولاه مجلس أعلى للدولة يرأسه الجنرال محمد ولد عبد العزيز، وتم إغلاق مقر حزب العهد الوطني الديمقراطي (عادل) الحاكم الذي يتزعمه رئيس الوزراء الموريتاني يحيى ولد احمد الواقف. وجاءت ردود الفعل متضاربة، حيث شجب رئيس «اتحاد قوى التقدم» اليساري محمد ولد مولود بشدة الانقلاب. وقال إن ما حصل في موريتانيا هو كارثة. وندد ولد مولود بتصرفات الضباط «الذين تعهدوا باحترام إرادة الشعب»، وقال إنهم يسترجعونَ باليدِ اليسرى ما أعطوه باليمنى. وقال إن حزب «اتحاد قوى التقدم» رأى دوما أن المخطط هو مخطط انقلابي حاول مهندسوه تغطيته بانقلاب سياسي، وبالتحالف مع بعض القوى السياسية المعروفة بتقلب المواقف، فهي نفسها التي تخلت عن ولد الطايع بعد أن كانت معه؛ وهي نفسها التي تم توجيهها من قبل المجلس العسكري لأن تكون مستقلة ثم إلى حزب في مرحلة لاحقة. من جهة أخرى، ندد الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، عبد الله ممادو با، بالانقلاب العسكري الذي قاده ولد عبد العزيز ضد الرئيس المنتخب ولد الشيخ عبد الله، ووصفه بأنه «انقلاب متمردين». وأضاف أن الرئيس لم يتجاوز الصلاحيات المحددة له من قبل الدستور قيد أنملة، وأنه لا مبرر للانقلاب. وذكرت مصادر مطلعة لـ«الشرق الاوسط» أن الرئيس ولد الشيخ عبد الله وضع رهن الاقامة الجبرية في منزله بالعاصمة نواكشوط بعد ساعاتٍ من اعتقاله. وألغى «مجلس الدولة» التعيينات الاخيرة في الجيش التي قررها ولد الشيخ عبد الله صباح امس. وقال البيان إن المرسوم الذي أقال بموجبه الجنرال عبد العزيز «مُلغى وباطل». واستأنفت الاذاعة الوطنية التي قطعت لساعاتٍ امس الاربعاء برامجَها بتلاوة بيان مجلس الدولة قبل ان تذيعَ أناشيدَ. وقالت مصادر أمنية، إن بين المعتقلين عددا من الوزراء الموريتانيين، بينهم وزير الداخلية، ومقربون من الرئيس الموريتاني سيدي ولد الشيخ عبد الله.

وأكدت المصادر أن وزير الداخلية محمد ولد الرزيز موقوف وكذلك عدد من الوزراء.

كما اعتقل رجال يعتبرون مقربين من الرئيس مثل موسى فال مدير الوكالة الوطنية لاستقبال وادماج اللاجئين العائدين من السنغال ومالي، ونائب رئيس الحزب الحاكم العهد الوطني للديمقراطية والتنمية أحمد ولد سيدي بابا، الذي يتولى ايضا رئاسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

وافادت وسائل الاعلام، بأنه تم تعيين مديرين جدد في التلفزيون والاذاعة الموريتانية.

وكان عبد الله محمد با قد صرح لوكالة الصحافة الفرنسية بأن «الجنرال ولد عبد العزيز المقال من مهام قائد الاركان الخاص بالرئيس الموريتاني وقائد الحرس الرئاسي هما اللذان نفذا الانقلاب العسكري في ردٍّ على اقالتهما». وأفادت انباء ان رئيس الوزراء ولد الواقف ووزير الداخلية اعتقلا ايضا.

وقال شاهد عيان من رويترز ان الشرطة الموريتانية أطلقت قنابلَ الغاز امس الاربعاء لتفريق مؤيدي الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.

وصاح كوري ولد نانيا، وهو واحدٌ من 50 متظاهراً تجمعوا وسط نواكشوط قبل أن تفرقهم الشرطة «نحن ضد الجيش وضد الانقلاب بشدة..

ونؤيد سيدي حتى الموت». وفي وقت سابق، قالت ابنة الرئيس الموريتاني ان حرس الرئاسة احتجز أباها أمس. وقالت أمل، ابنة الرئيس، في تصريحات لرويترز «جاء ضباط الأمن في الحرس الرئاسي الى دارنا حوالي الساعة 09:20 بتوقيت غرينتش وأخذوا أبي». واوضحت من جهة اخرى لوكالة الصحافة الفرنسية، ان مسلحين ما زالوا يحتلون مقر الرئاسة. وتابعت «هناك مسلحون في مطبخنا وغرفة الجلوس»، مشيرة الى انها لم تسمع أي طلقٍ ناريٍّ خلال العملية. وقالت «لا يمكنني الخروج من القصر الرئاسي وقطعت الخطوط الهاتفية فيه». وفي الصباح سد الجيش المنافذ المؤدية الى المقر الرئاسي ومنعوا الموظفين من الوصول اليه بحسب شهود عيان. وكان الوضع هادئا في العاصمة حيث لم يسمع أي طلق ناري كما لم يلاحظ اي حاجز على الطرقات. وتمركز عسكريون بالقرب من مقر الرئاسة ومحيط الاذاعة والتلفزيون. وكان الانقلاب قد حدث فور إعلان التغييرات بقيادة الحرس الرئاسي والأركان الوطني والحرس الوطني. واضاف المتحدث ان «ثلاثة جنرالات رفضوا الامتثال للأمر الرئاسي وتمردوا على النظام الدستوري». وجاء في المرسوم الرئاسي الذي تليَّ صباح أمس في الاذاعة الوطنية ان العقيد محمد احمد ولد اسماعيل عين قائد الاركان الخاص بالرئيس الموريتاني بدلا من محمد ولد عبد العزيز. وكان يُفترض ان يخلف العقيد عبد الرحمن ولد ابو بكر الجنرال ولد الشيخ محمد في منصب قائد أركان الجيش. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصادر متطابقة أن العقيد عبد الرحمن ولد ابو بكر اعتقل قبل الظهر في مقر قيادة الاركان. وكان الجنرالان ولد الشيخ محمد احمد ومحمد ولد عبد العزيز عضوين في المجلس العسكري الانتقالي الذي انجز الفترة الانتقالية الديمقراطية من 2005 الى 2007 في موريتانيا.

وبحسب المراقبين، فان الجنرالين متهمان بالوقوف وراء عصيان البرلمانيين الذين أعلنوا استقالتهم من حزب العهد الوطني للديمقراطية والتنمية (عادل) الحاكم الذي ينتمي اليه الرئيس. وكان 25 عضوا من مجلس النواب و23 من مجلس الشيوخ قد أعلنوا الاثنين استقالة جماعية من الحزب الرئاسي، واكدوا عزمهم تأسيس حزب جديد يكون قادرا على القيام بـ«التغييرات المنتظرة» في اطار اغلبية برلمانية. وأعلن المتحدث باسم البرلمانيين المتمردين سيدي محمد ولد مهام ان الرئيس «يدفع بذلك ثمن قراراته الخاطئة». واضاف ان «بقراره اقالة الجنرالين هاجم صراحة الجيش الذي رد بإقالته». وبرر المنسحبون قرارهم بما سموه حالة التردي السياسي والاقتصادي التي تعيشها موريتانيا في ظل الحكومة الحالية. وندد برلمانيو الحزب الحاكم بموريتانيا بما سموه «استخدام كافة أساليب الإغراء» بوسائل الدولة وعرض المناصب الحكومية السامية ومنحها في سبيل الضغط عليهم لحملهم على التراجع عن قرار الانسحاب من حزب «عادل».

وقال البرلمانيون في بيان وزعوه في وقت متأخر من ليل الثلاثاء/ الأربعاء إن الرئيس ورئيس الوزراء يستخدمان «أيضا وسائل الإعلام الرسمية للنيل من البرلمانيين والتشكيك في مقاصدهم النبيلة». وأكد النواب أن لقاءات الرئيس ورئيس الوزراء المتكررة بالبرلمانيين والفاعلين السياسيين داخل مقرات الدوائر الحكومية بهدف ثنيهم عن الانسحاب من حزب «عادل» أو إعادتهم إليه واستخدامهما لكافة أساليب الإغراء «انحراف خطير». واعتبر البرلمانيون هذا السلوك من أهم ما دفع البرلمانيين والعديد من القوى السياسية إلى الانسحاب من الحزب، «وهو السلوك الذي يجسد عقلية التلاعب بالمال العام وأجهزة الدولة ومرافقها العمومية التي يجب أن تظل محايدة وبعيدة عن التوظيف السياسي لصالح أي طرف من أطراف اللعبة السياسية». وتابع البيان: «نرجو ألا نجد أنفسنا مضطرين إلى مراجعة خيار الانتماء للأغلبية الحاكمة إذا ما استمرت مثل هذه الممارسات». ووقع على البيان المنسحبون من الحزب الحاكم وثلاثة من أحزاب الموالاة. وجاء انسحاب النواب البرلمانيين بعد رفض الحكومة التي يقودها ولد الواقف طلب عقد جلسة برلمانية طارئة تقدم بها هؤلاء النواب لمناقشة بعض القوانين.

واستبدل الرئيس عبد الله الحكومة في مايو (ايار) الماضي بعد ان وجهت لها انتقادات بشأن تعاملها مع ارتفاع اسعار الغذاء وهجمات شنها على مدى عام جناح «القاعدة» في شمال افريقيا. لكن الحكومة الجديدة استقالت، الشهر الماضي، في مواجهة اقتراح بسحب الثقة منها. وتشكلت حكومة أخرى دون مشاركة حزب اتحاد قوى التقدم وحزب التواصل الاسلامي، وكانا مشاركين في الحكومة السابقة.

ووصلت الأزمة السياسية التي كانت تتفاعل في موريتانيا الى ذروتها في الايام الاخيرة بعد رسالة تقدم بها 55 نائباً في الجمعية الوطنية للمطالبة بعقد دورة برلمانية طارئة يتصدر جدول أعمالها تشكيل محكمة العدل السامية التي تخول مقاضاة الرئيس وكبار المسؤولين في الدولة في قضايا الفساد.

وكان ولد الشيخ عبد الله قد عاد إلى نواكشوط بعد أن قطع زيارة كان يقوم بها لإسبانيا بسبب التطورات السياسية المتلاحقة في البلاد. ولمح في تصريح صحافي إلى إمكانية اتخاذ قرار بحل البرلمان في حال ما إذا استمر الوضع على ما هو عليه؛ وهي المرة الثالثة التي يهدد فيها بحل البرلمان. وشرع الرئيس الموريتاني المطاح منذ وصوله إلى القصر الرئاسي قبل يومين في سلسلة اجتماعات مع رئيس الحكومة يحيى ولد الواقف وبعض مستشاريه إضافة إلى ضباط في المؤسسة العسكرية، وذلك بهدف تدارس قرار حل الجمعية الوطنية. وكانت هناك توقعات باتخاذ قرار بهذا الشأن.

وامتد صراع الرئيس الموريتاني مع أغلبيته إلى عقيلته خت بنت البخاري حيث أعلن أعضاء في مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية في البرلمان) نيتهم فتح تحقيق في مؤسستها الخيرية بعدما قالوا انهم توصلوا لمعلومات تفيد تلقيها أموالا من طرف مؤسسات حكومية بطريقة مشبوهة، واتهموها باستغلال النفوذ للحصول على هذه الأموال والتورط في قضايا فساد.

كما أعرب يحيى ولد عبد القهار، عضو مجلس الشيوخ، عن استنكاره الشديد لتصريحات أدلت بها بنت البخاري وصفت بها أعضاء في هذه الغرفة بالكذب وخداع الشعب. وقالت إنها «تأسف لانتخابهم»، واصفاً هذه التصريحات بأنها مهينة وغير مسؤولة، خصوصاً من سيدة أولى بهذه المكانة.