مبعوث الجامعة العربية للانقلاب السابق: ولد فال قال لي الجيش هو الحامي للديمقراطية.. وسلّم السلطة لولد الشيخ

سعيد كمال لـ«الشرق الأوسط» : كأن هذا البلد على موعد مع الانقلابات في أغسطس

TT

«كان واضحاً وضوح الشمس أنه رجل ديمقراطي وبنوايا طيبة يريد تحويل موريتانيا إلي دولة ديمقراطية» هكذا يتذكر سعيد كمال سفير فلسطين السابق في القاهرة والأمين العام المساعد لشؤون فلسطين بالجامعة العربية (سابقا) قصة لقائه قبل نحو ثلاث سنوات مع العقيد ولد فال الرجل الذي قاد الانقلاب العسكري الذي وقع عام 2005 ضد نظام حكم الرئيس الموريتاني السابق معاوية ولد طايع بينما كان في رحلة خارجية.

لم يكن كمال وهو المخضرم في الشؤون الفلسطينية ساعيا إلى أن يكون أول مبعوث عربي يوفده عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط لاستكشاف ما حدث قبل اجتماع كان سيتعين على وزراء الخارجية العرب في الشهر التالي عقده.

في تلك الأثناء توافد على نواكشوط مبعوثون وممثلون للاتحاد الأفريقي واتحاد دول المغرب العربي بحثا عن تفسير لما يحدث قبل اتخاذ أي قرار رسمي بإدانة الانقلاب أو منحه خاتم الشرعية.

يقول كمال لـ«الشرق الأوسط» خشيت أن ينظر البعض إلى هويتي الفلسطينية ويعتبر الأمر بمثابة تدخل فلسطيني في شؤون الموريتانيين، لكني ذهبت في نهاية المطاف إلى هناك بهويتي العربية. وأضاف كنت أعلم أني ذاهب إلى بلد عربي فيه ألف شاعر لم أزرها من قبل ولي علاقات قوية مع سفرائها.

وصل كمال إلى نواكشوط في أول زيارة له، وكانت الأجواء متوترة والجميع في انتظار معرفة موقف الجامعة العربية هل ستعترف بشرعية الانقلاب الجديد أم سترفض التعامل معه خاصة وأن موريتانيا كان يفترض أن تترأس الدورة التالية لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب. رسميا كان إيفاده إلى موريتانيا في إطار حرص الجامعة على معرفة حقيقة الوضع فيه والاطمئنان على هذا البلد الذي يلتزم بميثاق الجامعة العربية للجامعة. وقبل سفره أبلغ كمال الصحافيين أن سيادة موريتانيا وعدم التدخل الأجنبي في شؤونها واحترام إرادة الشعب الموريتاني وتمكينه من تنظيم شؤونه في مقدمة اهتمامات الجامعة العربية، مشيرا إلى أن الجامعة لا تتدخل في الشؤون الداخلية لأي دول عضو وتحترم إرادة الشعب الموريتاني. المساعدة التي يمكن أن تقدمها الجامعة العربية إلى موريتانيا هي مساعدة سياسية بالدرجة الأولى وإيفادي من قبل الأمين العام للجامعة إلى موريتانيا تعبير عن الاهتمام السياسي بهذا البلد الشقيق هكذا يلخص كمال لـ«الشرق الأوسط» مهمته السابقة.

وبعد لقاء طويل دام نحو ثلاث ساعات ونصف أيقن سعيد كمال النوايا الحقيقية للانقلابيين فهم لم يكونوا من طلاب السلطة وتعهدوا بتسليم السلطة إلى رئيس منتخب بعد فترة انتقالية لمدة 18 شهرا.

وبالفعل كان العقيد علي ولد محمد فال رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية سابقا عند وعده ووضع أسس الديمقراطية الموريتانية خلال فترة انتقالية دامت 18 شهرا ليسلم بعدها السلطة إلى الرئيس المدني المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله.

«أيقنت على الفور أنني أمام رجل حكيم وعاقل وله تأييد قوي في الجيش، هكذا يصف المبعوث العربي سابقا إلى موريتانيا قائد الانقلاب قبل الأخير فيها.

وفى التاسع عشر من شهر ابريل (نيسان) عام 2007 حضر ولد فال بسيارته الرئاسية مراسم أداء خلفه المنتخب اليمين الدستورية كرئيس جديد للبلاد، لكنه وفي لفتة ذات مغزى غادر مكان الاحتفال بسيارته الشخصية إيذانا باختفائه عن الحياة العامة طواعية.

أبلغ وفد فال مبعوث الجامعة العربية في هذا اللقاء أنه شخصيا سيعتزل الحياة العامة بعد إنهاء هذا العمل كما أكد له وفقا لرواية كمال أمس لـ«الشرق الأوسط» أن الجيش يظل هو السياج الحامي للديمقراطية في هذا البلد وأنه إذا حدث أي خلل ما فلا بد للجيش أن يتدخل على الفور.

ينظر كمال إلى الموقف في موريتانيا من زاويتيه الداخلية والخارجية، ففي الخارج وتحديدا في دول الجوار الجغرافي كانت هناك عوامل ذات طابع تأثيري كبير تصب في خانة هذا المشهد، عبر التجارب الحزبية الكبيرة للمغرب والجزائر.

وفي الداخل كان هناك تململ من حكم ولد طايع وانقسام حول ما حققه من إنجازات، ما أدى إلى توترات داخلية كان يصعب لجمها أو كبح جماح الآلة العسكرية من أن تواصل عملها في الإطاحة به من الحكم. وأضاف: «الرئيس السابق استخدم الجيش كأداة قمع وحصل ما حصل».

ونجحت مهمة سعيد كمال وأعلنت الجامعة العربية اعترافها بشرعية الانقلاب العسكري الجديد في موريتانيا من منطلق الحرص على عضويتها في الجامعة العربية وأن الأخيرة لا تتدخل في الشؤون الداخلية لدولها الأعضاء.

وقال كمال لـ«الشرق الأوسط» حدث هذا (الانقلاب)، أيضا في شهر أغسطس (آب) عام 2005 كأن الأيام تدور مجدداً إنه أمر مدهش وكأن هذا البلد على موعد للانقلابات العسكرية في هذا التوقيت. ولا يتضمن ميثاق الجامعة العربية أي نصوص رسمية بشأن فرض عقوبات ما على أي دولة عربية يقع فيها انقلاب عسكري مفاجئ.