مهن جديدة تولد في الهند تكسر الأعراف والقواعد

تعاظم الثروات في البلاد يفتح آفاقا مختلفة.. والنساء يدخلن إلى عوالم الرجال

TT

عندما كان أحمد ماهش فتى صغيرا، راود والديه حلم بأن يصبح ابنهما موظفاً في قطاع الخدمة المدنية البالغ الضخامة. وكما الحال مع الكثير من أبناء الطبقة العاملة في الهند، رأى والدا ماهش أن السبيل لضمان وظيفة مستقرة له، يكون بالتحاقه بالعمل لدى أحد أضخم الهيئات البيروقراطية على مستوى العالم. لكن ماهش الصغير حلم بمهنة اعتبرها والداه غريبة، وهي تصميم أو بيع السيارات الخاصة في دولة كان النقل فيها يعني، خلال تلك الفترة، الدراجات أو الحافلات أو القطارات. وبالفعل، تقدم ماهش بطلب للالتحاق بالعمل في مجال المبيعات لدى شركة ريفا، وهي أول شركة لإنتاج السيارات الكهربية في الهند، التي تساعد في تعزيز النمو الهائل الذي تشهده معدلات ملكية السيارات هنا. يقول ماهش، الذي يبلغ من العمر اليوم 27 عاماً، ان هذه هي وظيفة المستقبل في الهند. ويضيف: «يعتقد والداي أن مجال السيارات غريب، لكن أصدقائي يقولون إني أتمتع بوظيفة جديدة من نوعها، يحلم بها الكثيرون». ويأمل ماهش في أن ينتقل من مجال المبيعات إلى التصميم. داخل الهند التي تتميز بثروات كثيرة، تعد وظيفة ماهش واحدة من بين الكثير من المهن الجديدة أو الآخذة في التوسع السريع، التي تكسر القواعد السائدة بالبلاد وتخلق فرص عمل جديدة أمام الشباب. والآن، باتت المرأة في الهند تعمل في محطات البنزين لملء خزانات الوقود وتفحص الوقود من دون أن تأبه بمشاعر الاستياء، التي يبديها البعض إزاء عملها. وتمتلئ المجلات الهندية بقصص حول إمكانات المهن الجديدة على المجتمع الهندي، مثل فرص العمل داخل النوادي الليلية، التي افتتحت أبوابها بعدما تخلى أبناء الطبقة الوسطى الهندية عن عادة تناول الشراب فقط داخل النوادي الخاصة أو منازلهم. وفي جميع المدن الصغيرة تقريباً، توجد لوحات إعلانية براقة تحمل صور شابات أنيقات التحقن بمدارس التدريب على أعمال الضيافة في الطائرات، وهي مهنة ساحرة في بلد ظل القطار وسيلة الانتقال الرئيسة به منذ أمد بعيد. وأصبح بإمكان السيدات العمل في تقديم المشروبات داخل الحانات بعدما قضت المحكمة العليا بإلغاء قانون صدر عام 1914 في ظل الاستعمار البريطاني يمنع النساء من ممارسة هذه المهنة. ومن الملاحظ أن المهن الجديدة تمثل مصدر تمكين لنساء الطبقتين الوسطى والعاملة بصورة خاصة، ذلك أنه من خلال تحقيق الاستقلال على الصعيد الاقتصادي، تعمد النساء إلى إرجاء الزواج، وهو توجه ينجم عنه تغيير بطيء في ديناميكيات السلطة التي يهيمن عليها الطابع الذكوري بمنطقة جنوب آسيا. اضافة الى ذلك، تعكس الوظائف الجديدة تغيرا في العادات والقيم داخل مجتمع يعد واحداً من أكثر المجتمعات شباباً على مستوى العالم، حيث ينتمي 70 في المائة من السكان البالغ إجمالي تعدادهم 1.15 مليار نسمة، إلى ما دون الخامسة والثلاثين. شنتانو كالاملي، البالغ من العمر 21 عاماً، اختار مهنة غير اعتيادية، وهي طبيب بيطري للحيوانات الاليفة. يقول كالاملي إنه من الناحية التقليدية، جرت الاستعانة في الهند بالأطباء البيطريين فقط للاعتناء بالأبقار أو الأغنام داخل القرى. في الماضي، لم يكن الهنود يحتفظون قط بحيوانات أليفة في منازلهم، ناهيك من إطعامها ودفع تكاليف إجراء جراحات لها وشراء فيتامينات لها. لكن أبناء الطبقة الوسطى أصبحوا يتمتعون بدخول أكبر في الوقت الحاضر ويجري النظر إلى مسألة تربية الحيوانات الأليفة كموضة الآن. ويدرس كالاملي حالياً في كلية الطب البيطري في مومباي، حيث يقوم أساتذة أجانب زائرون بشرح تركيب وعمل الأعضاء الداخلية للكلاب والقطط والببغاوات وفئران الهمستر. ويقوم الطلاب بالتدريب من خلال تقديم لقاحات وأمصال إلى بعض الكلاب الضالة التي تتضور جوعاً، والتي تجوب شوارع الهند وكثيراً ما تتعرض للضرب من جانب أفراد ينزعجون منها. ويؤكد كالاملي أن الأطباء البيطريين الشباب باستطاعتهم تغيير الأفكار السائدة بشأن رعاية الكلاب. وأعرب عن أمله في أن يقتني الجيل القادم من الهنود الكلاب بدلاً من إساءة معاملتها. وعلى مسافة قريبة من شركة السيارات توجد هيئة أبحاث الفضاء، حيث يعمل العلماء الشباب على تحطيم التقسيمات الطبقية داخل الهند، من خلال توفير الفوائد المترتبة على برنامج الفضاء إلى الهنود من سكان القرى، إضافة إلى تحديهم الأفكار التقليدية السائدة حول ماهية الشخص الذي بمقدوره أن يصبح عالماً. وتعتبر إيه. إس. بادمافاثي واحدة من 1288 امرأة عالمة تعمل بالهيئة التي يبلغ إجمالي العاملين بها عدة آلاف. وتضطلع بادمافاثي بالإشراف على برامج القمر الصناعي، التي من الممكن أن تساعد الهنود القاطنين بالمناطق القروية من خلال تحديد أماكن المياه وربط المراكز الصحية بالقرى بالمراكز الجراحية الكبرى في نيودلهي، إلى جانب توقع الأعاصير والأمطار الموسمية. وتشرح بادمافاثي أنه في الماضي تساءل بعض الهنود، إذا كانت الهند فقيرة للغاية، فلماذا يتم إهدار الأموال على برامج الفضاء؟ لكن الجيل الجديد يدرك قيمة العمل على تمتع كافة المواطنين بفوائد التقنية ـ حيث يحصل الصيادون على نصائح منا وباستطاعة الطلاب في القرى مشاهدة محاضرة يجري إلقاؤها في مومباي في ذات اللحظة. هذه البرامج تساعد المناطق الهندية القروية والحضرية والفقيرة والثرية على التفاعل في ما بينها. وتشير بادمافاثي إلى أنه أثناء أحد البرامج التعليمية، التي تم عقده أخيراً بمنطقة ريفية خارج بنجالور، شاهده الكثير من الفتيات من أبناء المزارعين. وتقول: «لاحقاً، أخبرنني بأنهن يرغبن في أن يصبحن عالمات. حينها شعرت بالفخر بشأن مهنتي». بصورة عامة، جاء التوسع الأكبر في نطاق فرص العمل المتوافرة أمام المرأة التي أصبحت تعمل الآن في محطات البنزين في تزويد السيارات بالوقود. وتنتمي غالبية النساء اللائي يعملن بهذا المجال إلى الولايات الهندية الأكثر فقراً، ولم يحصلن سوى على قسط أساسي من التعليم.

* خدمة واشنطن بوست خاص بـ«الشرق الاوسط»